logo
خيانة ذوي الخوذات البيضاء!!
بقلم : سهيل كيوان ... 26.07.2018

حاول النظام السوري وأنصارُه النيل من ذوي الخوذات البيضاء، من خلال وصفهم بالعملاء، وشبّهوهم بقوات الضابط أنطوان لحد، الذي انشق عن الجيش اللبناني في عام 1984 والذي أسّس ما سُمّي بجيش لبنان الجنوبي، وفي عام 2000 بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، هرب إلى دولة الاحتلال وعاش فيها حتى وفاته في باريس عام 2015.
تأتي تهمة الخيانة والعمالة الوضيعة لذوي الخوذات البيضاء، استمرارًا لسياسة منهجية اتّبعها النظام السوري ومؤيّدوه، ضد كل معارض منذ اليوم الأول للثورة السورية، بغض النظر عن موقعه وفكره وما يفعله والجهة المنتمي إليها. هذه اللهجة التخوينية تصاعدت قبل يومين، عندما سمح جيش الاحتلال بمرور بضع مئات من ذوي الخوذات مع أسرهم، عبر منطقة يسيطر عليها في الجولان المحتل، ليمرّوا منها إلى مخيم مؤقت في الأردن، ريثما تستقبلهم الدول التي تعهدت باستيعابهم وهي- ألمانيا وبريطانيا وكندا- بينما بقي الآلاف من ذوي الخوذات في مناطق غير آمنة من غدر وبطش النظام وشبيحته، وذلك بعدما دُمغوا بتهمة الخيانة.
أولا وقبل كل شيء، فإن حياة الإنسان هي القيمة العليا، دينيا ومدنيا وقانونيا وغريزيا، منذ وجود البشرية، فإذا كان الإنسان في حالة خطر الموت، وهو ليس محاربا ولا مسلحا، فمن حقه أن ينجو بروحه بكل وسيلة ممكنة، بغض النظر عن اليد التي قد تمتد لإنقاذه من موت حتمي وربما من اعتقال وتعذيبٍ سيكون الموت أرحم منه. وبما أن النظام وحليفه الروسي والإيراني ومطبّليهم اعتبروا ذوي الخوذات البيضاء خطاً أحمر، ولا سبيل للتفاهم أو للتفاوض حول مصيرهم، وتعرّضوا لهم في الغارات، وقتلوا أعداداً كبيرة منهم، بنسبة وصلت إلى واحد من كل أربعة متطوعين، فهذا يعني أن مصير هؤلاء إذا ما وقعوا بيد النظام ومجرميه هو القتل أو التعذيب والقهر الذي يتمنون معه الموت.
يعود حقد النظام وحلفائه على هؤلاء المتطوعين غير المسلحين، لأنهم عملوا على فضحهم، من خلال المشاهد الكثيرة التي نقلوها إلى العالم، لمدنيين وعائلات تحت أنقاض البيوت جراء غارات النظام، وجمعهم لدلائل على استخدام النظام للسلاح الكيماوي، وتوثيق جرائم لا تحصى بحق المدنيين، إلى جانب إطفاء الحرائق، وإخراج عالقين من تحت الأنقاض تحت القصف ومحاولة إسعافهم، هذا هو السبب الأساسي الذي دعا النظام وحلفاءه لدمغ هؤلاء بالخيانة، وشتّان بين هؤلاء الأبطال وجيش العميل أنطوان لحد، الذي تأسس لأسباب تتعلق بالتوازنات الطائفية وسيطرتها في لبنان.
التخوين نهج، اتّبع منذ انطلاق الثورة السورية، فكل إنسان أظهر تعاطفا مع الثورة، أو حاول نقل صورة حقيقية لما يجري على أرض الواقع، اعتبر خائنا، والخيانة عقوبتها الموت، ولهذا ليس من حق أحد أن يزاود على من يحاولون إنقاذ أنفسهم وعائلاتهم. كثيراً ما رأينا تسجيلات من مختلف أرجاء العالم كيف تبذل سلطات بلد ما جهوداً جبّارة وأموالا هائلة لإنقاذ حياة إنسان اختفى في عاصفة ثلجية، أو تاه في صحراء أو في عرض البحر، رأينا كيف جنّدت كثير من الدول مختصين في الغوص لإنقاذ فتية الكهف في تايلند، ورأينا كثيراً من الأفلام الحقيقية عن إنقاذ كلب أو قط أو حوت أو إوزة أو دبّ وغيرها، حرصاً على حياة الحيوانات. إلا أن حياة الإنسان لا تساوي قشرة بصل عند النظام السوري وحلفائه، كان الهدف الأسمى بالنسبة لهؤلاء هو إبقاء الأسد في السلطة، حتى لو كان على حساب تخوين ملايين السوريين، وبالتالي استباحة أرواحهم وممتلكاتهم وتهجيرهم.
بلا شك أن دولة الاحتلال تستغل كل فرصة لتُظهرَ للعالم بأنها منقذةٌ لأناس معرّضين للموت، وهذا جزء من اللعبة الإعلامية ومن الصراع، علما أن الجميع يعرف أن دولة الاحتلال ليست رحيمة تجاه الآخرين، ولا تفعل شيئا إلا بثمنه، فهي قد تجنّد طائرة مروحية لإنقاذ حياة فلسطيني في حادث طرق مثلا، وتصوّر مشهد الإنقاذ وتنقله إلى العالم، وفي اليوم التالي قد يقتل أحد جنودها جريحا فاقدا لوعيه لا يشكل أي خطر على أحد، ثم تهدم بيته وتشرّد عائلته وتبرّئ قاتله، إلا أنها تستغل كل ثغرة لصالحها عسكريا واقتصاديا وإعلاميا، هذا لا يعني أن يرفض المعرّضُ للموت إنقاذه على يد جيش الاحتلال، بل هذا حقه، ومن يستحق العقاب هم أولئك الذين أوصلوا قطاعات واسعة من شعبهم إلى هذا المصير.
قبل اندلاع الثورة السورية، كان تفاح وكرز وخوخ الجولان العربي السوري المحتل، يُنقل إلى الشام بشكل منظم وطبيعي جدًا، عبر بوابة على شريط وقف إطلاق النار، وهو ما تعتبره دولة الاحتلال حدودها، وقريبا سيعود إلى ما كان عليه، هذا التسويق ما كان ليجري من دون موافقة جيش الاحتلال الإسرائيلي وختم ضباطه، كان النظام يقول إنه يفعل هذا دعماً لصمود أهل الجولان المحتل، بينما كان جيش الاحتلال يسمح بهذا، لأنه مربح له أيضا سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، فهو بهذا يطبّع العلاقة مع بلد يحتل جزءاً من أرضه، وكذلك يحافظ على أسعار التفاح والكرز المرتفعة في السوق الإسرائيلية ويحول دون هبوطها، وبلا شك أنه كان يتلقى ثمنا لفتح البوابة وعبور الشاحنات، وبهذا يستفيد المزارع السوري في الجولان وإلى جانبه المستوطن المزارع في الجولان وغير الجولان، كذلك يُظهر جيش الاحتلال نفسه كفاعل خير للمزارع العربي، فالربح والفائدة متبادلة للجميع ولا بأس في ذلك. ولكن إذا كان مسموحاً للنظام استيراد التفاح والكرز والخوخ من الجولان المحتل بختم ضباط الاحتلال، في معادلة مربحة لجميع الأطراف، فلماذا يُتّهم من يحاول إنقاذ أرواح الناس وروحه وأرواح أبناء أسرته بالخيانة؟ فهل إنقاذ التفاح والكرز والخوخ من الكساد أولى من إنقاذ حياة البشر؟
لا حدود للحقارة والحضيض الذي ممكن أن يصله هذا النظام وشبيحته، إضافة لاتهام ذوي الخوذ البيضاء بالخيانة، فها هم يبثون إشاعات بأن الفنانة الشُجاعة مي سكاف ماتت بتأثير جرعة سموم زائدة، ثم يهجون الفنانة أمل عرفة الموالية للنظام، لمجرد ترحّمها على زميلة سابقة لها، فهل يوجد انحطاطٌ وإجرام أكثر من هذا؟


www.deyaralnagab.com