logo
«يخرب بيوت الفلسطينيين والبيوت اللي جنب بيوتهم»!!
بقلم : سهيل كيوان ... 25.01.2018

تلقف الإسرائيليون بانتهازيتهم المعهودة، سلاح الرعب الجديد، «يخرب بيتك» ائتلافا ومعارضة، وأعلنوا رفضهم واستنكارهم لتهديد حياة ملايين الأمريكيين، لأن يخرب بيتك يقصد منها الأعاصير، وانفجارات الترسانات النووية الأمريكية، والهزات الأرضية، وذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيط، لتغرق مدنا ساحلية، وزيادة الجريمة، حتى أن رئيس المعارضة من حزب المعسكر الصهيوني هبّ لنجدة الضحايا الأمريكيين، فقال مخاطبا نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، إن هذا البيت ويقصد الكنيست، يدعو لكم بالنجاة من لعنة يخرب بيتك، نتمنى لكم البركة في الاقتصاد والنمو والازدهار وقيادة العالم الحر.
إلا أن يخرب بيتك تعبر أيضا عن إعجاب بعمل ما، مثلا عندما تقوم لاعبة جمباز بحركات بهلوانية يتحول فيها جسدها كأنه معجونة تطويها كما تشاء، نقولها بلا شعور يخرب بيتك، وفي مسرحية «العيال كبرت»، يقولها الأب رمضان السكري لأولاده، يخرب بيوتكم والبيوت اللي جنب بيوتكم والبيوت اللي جنب جنب بيوتكم». أما «يلعن أبو البابور اللي جابك»، فهي شتيمة فلسطينية ساحلية أصلية عريقة، وجّهت غالبا للمهاجرين اليهود إلى فلسطين، وذلك أن أكثرهم جاء على ظهر باخرة من البحر، فإذا تخاصما شتمه الفلسطيني: يلعن أبو البابور اللي جابك، ولكنها تحولت إلى دعابة بين اليهود أنفسهم، واستخدمتها أشهر الفرق المسرحية الكوميدية العبرية، لوصف الموقف العربي الرافض للهجرة اليهودية إلى فلسطين. اختفت هذه الشتيمة مع انقلاب الموازين لصالح الحركة الصهيونية وتطوّر المواصلات والأجيال الصاعدة لم تعد تذكرها إلا نادرا، وإذا كان لا بد منها فيلعن أبو البوينغ والإيرباص اللي جابتك. هذه الشتيمة الأقرب للدعابة، قد تعتبر في لحظة انتهازية ما مشروعا لإغراق اليهود المهاجرين في البحر، ولا سامية موجهة للناجين من المحرقة النازية. إذا قلت ليهودي يلعن أبو بلدك، وهي شتيمة يتداولها العرب بين بعضهم بعضا، قد توجه لك تهمة التخطيط والنوايا لتدمير دولة إسرائيل، لأنك شتمت بلده، وبلده هي دولة إسرائيل، وهذه الشتيمة تنم عن لاسامية وكراهية عميقة لليهود، ولن يغفر لك قولك إنها بلادي وأنا لا أشتم بلادي، فقد ظهرت نواياك التخريبية.
كانت أمهاتنا تهددننا إذا ما ارتكبنا حماقة ما بقولهن: والله لأخلي أبوك يذبحك، أو: طيّب بتشوف لأذبحك بالسكّينة، وقد تقسم.. والله لأذبحك، في البداية تكون لهذه الجملة قوة ردع لدى الطفل ابن السنوات الأربع أو الخمس، خصوصا إذا تم تحديد آلة الذبح، لكن بعد تكرارها الذي تتبعه قبلات واحتضانات تفقد ردعها، وتجعل الطفل يركض منتصرا ضاحكا عند سماعها.
باحث عبري لا يحضرني اسمه، رأى بأن جذور العنف الفلسطينية تبدأ من تهليلة الأم التي تقول لابنها.. نام يا حبيبي نام لاذبح لك جوز الحمام. فينشأ الطفل على الذبح والدم، الباحث يتجاهل تتمة التهليلة.. روح يا حمام لا تصدق بضحك على ريما لتنام، كما تقول فيروز.
الإسرائيليون يحاربون الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، وفي كل مرحلة يخترعون أو يتلقفون مقولات فلسطينية أو عربية تبرر جرائمهم، وتبرر لهم احتلال الأرض وطرد سكانها والتنكيل بهم، وفي أحيان كثيرة ارتكاب مجازر ضدهم، فقد زعموا في حقبة ما أن الحاج أمين الحسيني نازي وصديق لهتلر، بل إن نتنياهو لم يستح قبل عامين فقط من الادعاء بأن الحاج أمين هو الذي أقنع هتلر بإبادة اليهود، حتى اليهود أنفسهم رأوا فيها مبالغة غير أخلاقية وتمس بقدسية ضحايا المحرقة، ولكن الهدف المنحط يبرر الوسيلة المنحطة. في مرحلة ما زعموا أن العرب يهددونهم بإلقائهم في البحر، كان هذا في حقبة هزيمة حزيران وخطابات أحمد سعيد، فخططوا وانتظروا الفرصة، وشرّدوا مئات الآلاف من العرب إلى الصحراء، ودفنوا آلافا أخرى ومن بينهم أحياء في رمال سيناء. هكذا فإن كل ممارسات الصهيونية تتضاءل لمجرد كلمة ينبس بها فلسطيني أو عربي، حتى إن كانت مجرد مبالغة تعبيرية تتضمن نوعًا من الدعابة، أو اليأس أو المبالغة الخطابية، وتبدأ حملة على العالم بأن ينسى الجرائم ضد الإنسانية التي تجري على أرض الواقع ضد الفلسطينيين، وأن ينتبه لسلاح الإبادة الجماعية الذي كان آخره»يخرب بيتك».
كانت إحدى جاراتنا عندما تغضب من أولادها تقول: والله لآكلكم بأسناني، ولم ينج محمود درويش من التهمة أكل لحوم البشر عندما قال: «فإني إذا جعت أكلت لحم مغتصبي». جيد جدا أن نواب المشتركة في الكنيست لم يقولوا لنائب الرئيس الأمريكي بنس أثناء خطابه «أنا هشرب من دمك»، على طريقة يوسف وهبة بك، واكتفوا برفع شعار القدس عاصمة فلسطين، وإلا لكانوا أعلنوا أن القائمة المشتركة بايعت البغدادي وانضمت إلى «داعش» وسعوا لإقامة تحالف دولي لمحاربتها.
على الجانب الآخر، فإن الشتيمة الدينية اليهودية الأكثر انتشارا وشعبية منذ ألفي عام مصدرها اسم يسوع بالذات، فكلمة (يشو) عند كثيرين من اليهود، خصوصًا المتدينين هي اختصار لثلاث كلمات، يمحى اسمه وذكره، (ييمح شموه وزخروه).. أي ليمت وأن لا يذكره أحد من بعد موته، هكذا فإذا ذكروا شخصية مقاومة مثل ياسر عرفات أو أحمد ياسين أو القسام وغيرهم أتبعوها بكلمة (يشو)، أي فليمح اسمه وذكره، ولم ينج محمود عباس صاحب سلاح يخرب بيتك من هذه الدعوة، فمعظمهم يرون فيه عقبة في وجه السلام القائم على قاعدة يخرب بيوت الفلسطينيين والبيوت اللي جنب بيوتهم والبيوت اللي جنب جنب بيوتهم.


www.deyaralnagab.com