logo
هل يستحق أردوغان الاحترام؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 14.12.2017

«السلطان أردوغان يطمح لإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية على حساب العرب. أردوغان يريد الانفراد بالسلطة استعدادا للتوسع وإقامة امبراطورية عثمانية. الديكتاتور أردوغان طامع بثروات العرب. أردوغان لمّح بأن بيروت والقدس ونابلس وغزة وحلب جزء من امبراطوريته».
هذه بعض أقوال سمعناها وما زال يطلقها محللون عرب وإسرائيليون وغربيون، مع رسومات كاريكاتيرية لأردوغان معتمرا عمامة سلطان عثماني.
دوافع إسرائيل معروفة وواضحة، أما العرب فيتحدثون عن الإمبراطورية العثمانية وحكم السلاطين وخوازيق أحمد باشا الجزار، متجاهلين التغييرات التي حدثت في القرن الأخير في تركيا على جميع الأصعدة، كأنهم في غيبوبة ويرفضون أن يروا حقيقة أن تركيا بلد ديمقراطي ومتقدم أكثر منا نحن العرب على جميع الأصعدة. وباتت إسرائيل وأمريكا تريان فيها خطراً ممكن أن يقلب موازين القوى في المنطقة لصالح العرب والمسلمين، إذا ما تفاهموا وتعاونوا ويجهض مخططات إسرائيل في السيطرة على المنطقة وحلم قادتها بمحو فلسطين وشعبها من الخريطة.
كان آخر تنفيذ حكم إعدام علني في تركيا عام 1973 وألغي حكم الإعدام رسميا عام 2003، بينما ما زلنا نسمع أحكاما بالإعدام بالجملة في مصر مثلا على معارضي الانقلاب، وإعدامات جز للرؤوس في السعودية بمعدل خمسة رؤوس في كل أسبوع، ومنذ بداية هذا العام تجاوزت المئة إعدام، ولا نتحدث عن الإعدامات الجماعية في السجون للمعارضين في سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها، الفظائع لم تكشف بعد. كل من يزور تركيا يشعر بأن الشعب التركي يحترم العرب، ويرى باللغة العربية جزءا من تراثه الديني، خصوصا أن الكلمات العربية في اللغة التركية واضحة بين جملة وأخرى أكثر من أي لغة أخرى غير العربية.
يحترم الأتراك العرب كونهم الأمة التي أنجبت الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويرون العرب جزءا من تاريخهم المجيد لمئات السنين، وأكثريتهم الساحقة يتضامنون مع الفلسطينيين والسوريين المنكوبين، ومن النادر جدا أن تجد تركياً يدعي أن الفلسطينيين باعوا وطنهم، مثلما نسمع كثيرا من الصحافيين والمسؤولين العرب كلما طولبت أنظمتهم بموقف تجاه قضية فلسطين، سواء أثناء عدوان حربي مباشر، أو من خلال قرارات استيطانية وتهويدية تتخذها إسرائيل بالجملة، بل تشعر بأن لدى الأتراك شعورا بالمسؤولية الأخلاقية والدينية عما يحدث في فلسطين وليس رسميا فقط، بل شعبيا أيضا.
في تركيا اليوم لا يوجد حاكم بانقلاب ولا بالوراثة ولا بالعربة المتحركة والريموت (مع الاحترام للمقعدين)، علما أن الانقلابات العسكرية في تركيا كانت ظاهرة لثلاثة عقود قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فشل آخرها في محاولة لقلب أردوغان نفسه، اليوم يوجد رئيس منتخب ديمقراطيا من خلال حزبه الذي ضم إليه أحزابا أخرى في ائتلاف يشكل الحكومة الحالية. يوجد في تركيا أكثر من خمسين حزبا مسجلا، وفيها معارضة فعالة في البرلمان، ولكنها وقفت ضد المحاولة الانقلابية على الشرعية، وهو أمر شبه معدوم في الأقطار العربية، فمعظم المعارضات في الدول العربية شكلية وكمالة عدد، وعندما تزيدها المعارضة حبة أو حبتين يُحلّ البرلمان ويعلن عن انتخابات أو تعيينات جديدة.
في تركيا وزيرة داخلية سابقة تدعى ميرال أكشنير أسست حزبا جديدا، ويقال إنها قد تشكل خطرا على أردوغان في انتخابات عام 2019، وسواء كانت خطرة أم لا فأين هي الامرأة العربية التي ستترشح في المنافسات على المواقع القيادية. أردوغان الذي وصل الحكم بأصوات ناخبيه يتعرض للنقد في البرلمان والصحف، وتتعرض عائلته للتحقيق على ضوء شكاوى من المعارضة بشبهة فساد.
هذه الاتهامات تأتي من داخل تركيا وأحزابها وصحفها، وليس من المنفى ولا بنشرات سريّة، بدون تعرض لاغتيال أو لسجن، بل إن أسرة أردوغان تطالِب إما بإثبات تهمة الفساد عليها أو دفع تعويض لها بتهمة التشهير وهذا حقها. قد يكون في تركيا فساد مثل أي مكان في العالم، وقد يكون أردوغان نفسه فاسدا، فهو ليس معصوما، ولكن الأهم هو وجود آلية رقابة قانونية ودستورية قادرة على محاسبة الفاسدين حتى لو كانوا من أسرة الرئيس أو الرئيس نفسه. في معظم الدول العربية لا يتحدث عن فساد رأس السلطة أو أسرته إلا من قرر أن يضع حدا لحياته في ظروف غامضة.
صحيح توجد محاولات لكبح جماح الفساد في الدول العربية، لأنه بات خطرا على الأنظمة نفسها، ولكن الأدوات القانونية والدستورية ضئيلة ومحدودة ولا تتناسب مع حجم الفساد في الواقع، ولا تقترب من رأس الهرم لأنه فوق الشبهات، وأحيانا لأن الدستور نفسه يسمح له بالتصرف بالميزانيات بدون رقابة، بل إن بعض الدول العربية قد تنهار بالفعل إذا استُئصِل الفساد منها الذي بات مثل السرطان المنتشر بالجسد كله، واستئصاله يعني موت المريض.
أما بالنسبة لحرية الصحافة فمؤشر حرية الصحافة يشير إلى أن تركيا ليست من الدول المتقدمة في هذا المجال، والمطلوب أن تكون أفضل بما يتناسب مع نظامها الديمقراطي، ورغم ذلك فهي أفضل من الدول العربية التي تتصدر ذيل اللائحة بتفاوت بين سيئ وأسوأ، ولا تتنافس معها سوى دول مثل إيران وكوريا الشمالية ولاوس وتركمانستان والصين وميانمار.
لقد بتنا أسوأ الأمم حالا على وجه البسيطة أو نقترب من هذا الإنجاز، ومن حق سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة أن تسخر وتقول إن السماء ما زالت في مكانها رغم إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل. الآن ماذا ننتظر من مؤتمر القمة الإسلامي الذي بدأ أعماله في اسطنبول يوم أمس الإربعاء، أكثر ما نتمناه هو أن لا يعمل العرب على إحباط حماسة غير العرب من المسلمين تجاه القدس وفلسطين، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يستحق التقدير والاحترام.


www.deyaralnagab.com