logo
أهل الأقصى أدرى بالخطر !!
بقلم : جبريل عوده * ... 21.07.2017

يخوض أهل القدس الصامدين, معركة الدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهم يعلمون جيداً مخطط العدو الصهيوني , وما يهدف للوصول إليه عبر إجراءاته الأخيرة , وأبرزها إحكام السيطرة على المسجد الأقصى المبارك , عبر البوابات الإلكترونية التي سيحقق من خلالها سيطرة كاملة على المسجد الأقصى , بحيث يكون الإحتلال المتحكم الفعلي , بحركة الدخول إلى الأقصى ,من ناحية أعداد المصلين أو حتى إدخال الإمكانيات والمواد الخاصة بالإنشاءات أو الصيانة والتي يحتاجها الأقصى بشكل دوري , وبذلك توفر تلك البوابات الإلكترونية الأجواء الملائمة للإحتلال الصهيوني من أجل تمرير مخطط التقسيم الزماني للأقصى عبر إغلاق البوابات بشكل كامل , خلال الفترات التي يدنس اليهود فيها باحات المسجد الأقصى المبارك , بحيث تكون ساحات الأقصى خالية لهم , ليقوم المستوطنين بأداء الطقوس اليهودية بداخله بكل أريحيه , في محاولة لتثبيت حق ديني مزعوم لهم في المسجد الأقصى المبارك , وفي حالة الصمت على هذه الإجراءات الصهيونية , وعدم المبالاة بنتائجها الكارثية , يكون الإحتلال قد حقق نجاحاً مهماً بتمرير هذا المخطط الخبث , الذي له ما بعده من إجراءات التهويد والتقسيم للأقصى المبارك , ويفتح شهية الإحتلال وحاخاماته للإقدام على الخطوة التالية والأخطر وهي التقسيم المكاني للمسجد الأقصى المبارك , بعد إفراغه من المصلين وحصر أعدادهم وأعمارهم , من خلال شروط السماح للدخول للأقصى المبارك عبر تلك البوابات الأمنية , و سوف تزداد شروط الدخول تعقيداً يوم بعد يوم , كما هي التجربة مع الإحتلال الصهيوني في الضفة المحتلة , حيث قام بتحويل الحواجز على مداخل المدن إلى معابر محكمة , لا يستطيع الفلسطيني التنقل بين مدينة فلسطينية وأخرى الا عبر إجراءات أمنية صعبة , وكأنه يتنقل من دولة إلى دولة !.
معركة السيطرة على المسجد الأقصى تقودها حكومة الإحتلال الصهيوني رسمياً, وهي لا تتوانى عن إستغلال كل الأحداث والظروف المحيطة , من أجل تنفيذ مخططها بالسيطرة الفعلية على الأقصى , ولعلنا نتذكر مسألة تركيب الكاميرات داخل المسجد الأقصى , والتي كانت جزء من مخطط فرض السيطرة على الأقصى , عبر ما يعرف بتفاهمات "كيري نتانياهو مع الملك الأردني" في أكتوبر 2015 م , مع بدايات إندلاع إنتفاضة القدس المباركة , وهي محاولة صهيونية بمساعدة أمريكية , للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك , من خلال مشروع كاميرات المراقبة داخل الأقصى وباحاته والذي اقترحه جون كيري وزير الخارجية الامريكي آنذاك , ومعروف بأن مشروع كاميرات المراقبة تم إفشاله بالضغط والرفض الشعبي العارم , وخاصة من شخصيات وهيئات ومؤسسات مقدسية , مما أدى بالحكومة الأردنية إلى العدول عنه والتراجع عن تنفيذه , وكانت الحكومة الصهيونية تهدف من مشروع الكاميرات , فرض عين أمنية لها داخل المسجد الأقصى , توفر لقوات الإحتلال الشرطية معلومات مهمة تساعدها في عمليات فرض السيطرة والتقسيم للأقصى, أو تسهيل عمليات الإقتحام والتدنيس لمجموعات الصهاينة للمسجد الأقصى , والتي تحدث بشكل يومي بحراسة قوات الشرطة الصهيونية.
لم تتوقف عملية الإستهداف الصهيوني للمسجد الأقصى , والتي كان آخرها البوابات الإلكترونية, والتي يسعى الإحتلال لشرعنتها وتمريرها , عبر الإدعاء بموافقة بعض الدول العربية على إقامتها وتفهمها لدواعيها الأمنية , الا أن اليقظة المقدسية والدراية الكافية لمخطط الصهاينة , ومعرفة أهل القدس الجيدة بالسعي الصهيوني الحثيث , لفرض السيطرة على المسجد الأقصى , ولعل تجربة المسجد الإبراهيمي في الخليل الفلسطينية , شاهدة على خبث المخططات الصهيونية التهويدية, وأمام هذا الخطر المشاهد بالعين المجردة , فأهل الأقصى أدرى بالخطر , إنتفض المقدسيين رفضاً لمخطط البوابات الإلكترونية التي تحاصر المسجد الأقصى , ورفضوا الدخول إلى الأقصى عبر تلك البوابات الأمنية الصهيونية , صمودهم وإعتصامهم عند بوابات الأقصى وخاصة باب الأسباط , وإقامتهم الصلوات الخمسة بأعداد كبيرة عند أبواب الأقصى , أربك قادة الإحتلال وأجهزته الأمنية والشرطية , التي توهمت أن تمر هذه الإجراءات العدوانية , مصحوبة بكمية القمع الكبيرة التي تمارسها الشرطة الصهيونية على المقدسيين , فيهرول كل واحد إلى بيته ويغلق بابه عليه وعلى أولاده , الا أن الخطر المحدق بالأقصى , ويراه المقدسيين بأعينهم جهارا , إستنفرهم فحشدوا جموعهم , وإصطفوا في كل صلاة على الإسفلت , يعلنوها الله أكبر في وجه الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح , ولسان حالهم لن نسمح لكم بتمرير المؤامرة ضد الأقصى , ولن ندخل أقصانا عبر بوابتكم الإلكترونية , ولو أفتى مشايخ الفضائيات بأن الدخول لمكان العبادة من تحت بسطار المحتل حلال , لن ندخل الأقصى الا بعزة المؤمن , تلك العزة والكرامة التي نجهر بها في فلسطين كعبادة بوجه كل المحتلين الظالمين .
المشهد الثوري في القدس وضواحيها , والواقع الملتهب في الضفة الثائرة , والتهديد الصريح من مقاومة غزة الباسلة , والعمليات الفدائية في الخليل ورام الله , كل ذلك وضع قادة العدو الصهيوني أمام خيارات صعبة ومناقشات حادة , حول جهوزية الكيان الصهيوني بالدخول في معركة مفتوحة لا يعلم مداها أحد , عنوانها المسجد الأقصى المبارك , ثالث مكان مقدس للمسلمين كافة , فبدأت التسريبات عن توصيات أمنية صهيونية للمستوى السياسي في حكومة الإحتلال , بضرورة التخفيف من التوتر عبر إلغاء إجراء البوابات الإلكترونية , وهذا يكشف لنا أهمية الحراك الشعبي المقاوم للإحتلال , وتأثير المقاومة المسلحة وما تملكه من قوة ردع للإحتلال , وصلابة الموقف السياسي المدافع عن الثوابت والمقدسات , والذي يوفر الدعم لكل أشكال الحراك الثوري ضد الإحتلال , حيث يتكامل المشهد الفلسطيني في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك , وإفشال كل مسعى صهيوني للتلاعب بمكانة ومصير المقدسات الإسلامية, لا أقول بأن الإحتلال سيتراجع بسهولة عن خطواته الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك , بل يحتاج الأمر مزيداً من الحراك الشعبي العارم على إمتداد الوطن , وتوسيع دائرة الفعل الإنتفاضي بكافة الوسائل والإمكانيات المتاحة شعبياً , يترافق ذلك مع حملة إعلامية فلسطينية مكثفة داخلياً وخارجياً , لتبيان خطورة التحرك الصهيوني ضد المسجد الأقصى المبارك , وحشد الداعمين والمؤيدين لحراك شعبنا وإنتفاضته ضد محاولات التهويد والإستهداف الصهيوني للمسجد الأقصى , وفي الختام لابد أن نسجل كلمة شكر لأصحاب الهمة العالية واليقظة الوطنية من أهلنا في القدس المحتلة , والذين إستشعروا بالخطر , توحدوا جميعاً لمواجهته , فكانت كلمتهم واحدة وموقفهم واحد , فلا تسمع من القدس الا الصمود , ولا ترى في القدس الا الشموخ , فلا مكان للتنازل ولا إمكانية للتراجع , الأقصى في خطر هذا التوصيف الحقيقي من أهل القدس, والهتاف الموحد والنشيد المحبب لذا الحشود المقدسية , الأقصى في العيون نفنى ولا يهون .

كاتب وباحث فلسطيني

www.deyaralnagab.com