logo
إيران وأميركا.. «انتظار» الصفقة!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 29.12.2014

التمديد الطويل لمفاوضات إيران مع مجموعة (5+1) حول الملف النووي إلى شهر يوليو القادم قد يعتبره البعض نجاحاً إيرانياً. وهذه المفاوضات هي في العمق والجوهر مفاوضات إيرانية مع الولايات المتحدة (أي 1+1)، وتبدو بقية الدول الغربية تابعة لما تقرره واشنطن. ولكن كيف يمكن أن توافق واشنطن مرة تلو الأخرى على تمديد المفاوضات مع الدولة «المارقة» وهي والجميع يعلمون أن طهران تشتري الوقت لأهدافها الخاصة. ليست ثمة إجابة مباشرة أو سهلة على هذا السؤال، كما أنه ليست ثمة أي سذاجة عند الطرف الأميركي، ولا عند الطرف الإيراني. وما يتبلور على نار هادئة هو «الصفقة الكبرى» بين الطرفين التي احتاجت إلى وقت إضافي كي تنضج مكوناتها، كما تحتاج إلى وقت إضافي في الإقليم كي تنتهي بعض التطورات أو تأخذ الاتجاه الذي يصب مباشرة في مصلحة تلك الصفقة ويتوافق معها. لا مكان للصدف هنا ولا للتساذج أو التخادع، بل نحن في قلب عملية «انتظار» الوصول إلى تلك الصفقة.
عملياً، ستحدد الشهور القادمة -مع نتيجة المفاوضات ومضمون «الصفقة»- شكل الشرق الأوسط الجديد وموقع إيران والعرب فيه، ويصير على الجميع الانتظار حتى يتم الاتفاق التفصيلي على جوانب الصفقة والتحالف الجديد الذي ينشأ في الإقليم. وليس مهماً الجدل فيما إن كانت إيران تنتزع موقعاً ودوراً إقليمياً على رغم أنف الولايات المتحدة التي تبدو وكأنها ملّت من المنطقة ولم تعد لديها الطاقة الكافية ولا الرغبة في متابعة كل ملف من الملفات، أم أن ذلك يتم وفق الرغبة الأميركية وتبعاً لتحولات بوصلة سياساتها ومصالحها في المنطقة (وإعادة تبوصلها نحو آسيا). والمهم، بالنسبة للمنطقة العربية ككتلة جماعية، وللدول العربية منفردة، خاصة دول الخليج، هو نتائج تلك الصفقة وانعكاساتها.
وتبعاً لذلك فإن السؤال الكبير هو انعكاسات ما سيأتي على العرب، خاصة إذا تعزز النفوذ الإيراني وثبّت مواقعه في البلدان التي تعزز فيها في العقد الأخير من السنين، وتحديداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن. والسؤال الثاني المرتبط بذلك يتعلق بإمكانية أم عدم إمكانية القيام بأي فعل عربي جماعي أو منفرد لتحديد انعكاسات الصفقة وتخفيض تأثيراتها السلبية.
وهذا يعني ضرورة أن يتحرك العرب وخاصة دول الخليج ومصر في اتجاه موازنة النفوذ الإيراني وتحديده وفق المصالح المشتركة. وهذا يتطلب صوغ مقاربة عربية متماسكة نحو إيران تقوم على الندّية واحترام السيادات ورفض التدخلات أياً ما كان شكلها ومسوغها، وخاصة المسوغ الديني. وهذه المقاربة ربما تبدأ من فهم تعريف إيران لنفسها وفهم تناقضات ذلك التعريف، أو التعريفات، ثم تعزيز التعريف الذي يسهل من خلاله التعامل معها.
إن ما يمكن للعرب وللعالم التعامل معه بسهولة أكثر وندية واحترام متبادل هو إيران القائمة على مبدأ الدولة الأمة، ووفق مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وهذا يتناسب ويتواءم مع دول الجوار سواء العربي أو التركي، ذلك أن كل دولة في المنطقة تنتهج سياسة خارجية وفق مبدأ الدولة الأمة ولا تطلق مشروعاً عابراً للحدود يهدد إيران. وبتفصيل أكثر، وعلى سبيل المثال، ليس هناك مشروع قومي عربي يهدد وحدة إيران أو سيادتها أو يطلب ولاء الإيرانيين العرب (البالغ عددهم تسعة ملايين). وليس هناك مشروع قومي تركي عابر للحدود يطالب بولاء ملايين الإيرانيين ذوي الأصل التركي. كما ليس هناك مشروع سُني يتدخل في النسيج الإيراني ويشتغل على السنة الإيرانيين بدعوى أنهم مضطهدون أو سوى ذلك. وفي المقابل هناك مشروعات إيرانية شيعية أو إمبرطورية تقوم بالعكس وتتدخل في أكثر من بلد عربي بهذا المسوغ أو ذاك.
والسؤال العملي إذن والذي يحتاج إلى تفكير عربي وجهد عربي وسياسة خارجية عربية يحوم إذن حول إمكانية تعزيز إيران الدولة الأمة، التي من حقها أن تدافع عن مصالحها، ولكن في إطار احترام مصالح دول الجوار. وكيف يمكن تقوية الكتلة أو الكتل الإيرانية في داخل الدولة والمجتمع الإيراني التي تؤمن بالدولة الإيرانية كدولة أمة يكون التعريف الإيراني، وليس الفارسي أو الشيعي، هو المحدد الأهم في تشكيلها وصوغ سياستها الخارجية.


www.deyaralnagab.com