logo
تغيير قواعد اللعبة.. والملعب!!
بقلم : د. خالد الحروب ... 27.10.2014

عندما طالب الفلسطينيون في سبتمبر 2011، دول العالم جميعها بالاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، قرأ كثيرون الخطوة بكونها قراراً استراتيجياً قررت عبره القيادة الفلسطينية تغيير مسار أوسلو الطويل والفاشل. بيد أن الكثيرين اختشوا من أن يتم تحجيم الخطوة الاستراتيجية وحمولتها وآفاقها الواسعة إلى مجرد «ورقة ضغط» على إسرائيل ضمن «الملعب التفاوضي» لأسلو. وبعد كل الآمال الكبيرة يومها، وارتباك إسرائيل ومؤيديها، خضع الفلسطينيون لضغوطات دولية وجمدوا المسار الأممي، وعادوا «إلى طاولة المفاوضات»، وأضاعوا ثلاث سنوات أخرى.
اليوم كأن التاريخ القريب على وشك إعادة نفسه، فثمة زخم كبير وإعادة امتلاك لزمام المبادرة بعد إعادة نفض الغبار عن المسار الأممي، وقرار باتجاه التحرر من لعبة وملعب المفاوضات، لكن في ذات الوقت هناك التخوف ذاته من العودة مجدداً إلى ملعب أوسلو أو تحضير الأرضية لملعب جديد تُخاض عليه المعركة. ما كُتب في الجولة الأممية الأولى قبل ثلاث سنوات ينطبق اليوم وكأنه كُتب تعليقاً على آخر ما استجد فلسطينياً على الصعيد الأممي، ويستحق الاستعارة والعودة إليه أدناه، بما يشير إلى أن كل ما جرى في الفترة الماضية لم يكن سوى تضييع للوقت في الجانب الفلسطيني، واستثمار له في الجانب الإسرائيلي. الوقت المهدور فلسطينياً يُستثمر إسرائيلياً على الدوام عبر تعميق وترسيخ الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس. قبل ثلاث سنوات علقت على التطور الفلسطيني الأممي بما يلي وهو ما ينطبق على ما يحدث اليوم:
«الإنجاز الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة والحصول على مقعد دولة مراقب وحتى هذه المرحلة كبير والزخم الذي تم توليده هائل ويجب المحافظة عليه وعدم إضاعته. جوانب هذا الإنجاز عديدة لكن يمكن توصيفها وتوصيف خطوة الذهاب بالقضية إلى الأمم المتحدة بعملية، بل مغامرة، جريئة لا يجب أن يكون هدفها تكتيكياً محصوراً بتغيير قواعد اللعبة، بل تغيير اللعبة كلها وتغيير الملعب. فمن خلال تلك اللعبة تم نفي ملف القضية الفلسطينية من أروقة الأمم المتحدة، وتحولت إلى كرة تتقاذفها سياسات الخداع والكذب وإضاعة الوقت. تشريد ملف القضية من حيزها الأممي والقانوني القوي المُدعم بقرارات دولية ومرجعيات حقوقية واضحة إلى حيز التفاوض الثنائي بهدف الوصول إلى حل سياسي كان معناه تجريد الفلسطينيين من عناصر القوة الوحيدة المتوفرة بأيديهم. لم تكن هناك أية أوراق ضغط يملكها الفلسطينيون على طاولة المفاوضات التي ابتعدت عن الأمم المتحدة إلى الملعب الإسرائيلي الأميركي.
من هنا بالضبط تكمن أهمية الخطوة الفلسطينية: من إمكانية خلق مسار جديد والتوجه إلى ملعب جديد. معركة الأمم المتحدة وذروتها الخطاب الشجاع والمحكم الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني أعادت الاعتبار لقضية فلسطين أمميا ووضعتها على رأس جدول الأعمال العالمي. وقبل ذلك وخلاله أنجزت هذه الخطوة ثلاثة مكتسبات كبيرة يمكن اعتبارها استراتيجية. الأول هو انتزاع زمام المبادرة والفعل من العدو والحكم معاً (إسرائيل وأميركا) وعكس مجرى التحكم في الأمور الذي بقي عند الطرف الآخر خلال السنوات العشرين الماضية. الثاني هو الانتفاضة على الضغوط الأميركية التي بلغت مستويات هائلة وحاولت بالترغيب والوعيد ثني الفلسطينيين عن خطوتهم. ويُسجل للقيادة الفلسطينية تشبثها بالموقف والإصرار على المضي نحو تقديم طلب العضوية رغم السعار الأميركي الذي شهدناه في واشنطن ونيويورك.
أما الإنجاز الثالث للخطوة الفلسطينية الأممية فتمثل في خلق زخم وطني كان الشعب الفلسطيني بأمس الحاجة إليه. فهذه الخطوة استطاعت لمّ الشعب الفلسطيني على هدف وطني واحد، وشحنت الفلسطينيين بقضية تستحق الصراع من أجلها.
لكن المهم الآن هو الحفاظ على ما تم إنجازه وعدم تبديده بالتراجع إلى الوراء. شعار الشهور القادمة يجب أن يكون: تغيير اللعبة والملعب، وليس تغيير قواعد اللعبة فقط. معنى ذلك أن يعود ملف القضية إلى الأمم المتحدة، وأن تُصاغ الخطوات القادمة على أرضها ومن خلال مرجعياتها القانونية والحقوقية. أي عودة إلى المفاوضات الثنائية من دون مرجعيات الأمم المتحدة وإشرافها، ستعني تذرية الإنجاز المذكور والتخلي عنه والعودة إلى اللعبة القديمة والملعب القديم اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة. وبإعادة الملف للأمم المتحدة يتم كسر الاحتكار الأميركي لمجريات المستقبل الفلسطيني.


www.deyaralnagab.com