إعادة احتلال مخيم اليرموك!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 12.03.2014
لم أطمئن حتى الساعات الأخيرة على سير خطوات (الاتفاق) في مخيم اليرموك، فالغرباء الذين حملوا أسلحتهم الثقيلة والخفيفة، وغادروا متمهلين، ومماطلين، شوارع وأزقة مخيم اليرموك، لا يمكن الثقة بأنهم سيفون بما اتفقوا عليه مع (مسلحي) المخيم الذين (غدروا) بشعبهم، وشردوا أهلهم، انطلاقا من قناعة لديهم بأن دولة (الإسلام) آتية لا ريب فيها، وأن رايات الجهاد سترفرف على أسوار بيت المقدس، و(أكناف بيت المقدس)، كما رفرفت رايات جيوش صلاح الدين الأيوبي التي حررتها من الفرنجة!.
بعد سنة وشهرين من احتلال اليرموك، وتشريد أهله، وسلسة مفاوضات باءت مرارا بالفشل، والنكوص، والتلاعب، سادت موجة من التفاؤل بعد أن اشتد الضغط على المسلحين الفلسطينيين في المخيم، فاقتنعوا بالقيام بواجبهم في (إقناع) أخوتهم في (الجهاد) بمغادرة المخيم، لتسهيل عودة سكانه الذين زج بهم في معاناة لا مبرر لها، اللهم سوى تنفيذ المسلحين لمخططات لا يدركون فداحة خطورتها على القضية الفلسطينية.
في البداية شنّت حملة مرافقة لاحتلال المخيم على الفصائل التي دافعت عن المخيم، ولا سيما الجبهة الشعبية / القيادة العامة التي كانت تدعو لحماية المخيم، وتشكيل لجان شعبية من كافة الفصائل، ومن أهل المخيم.
تدخل الجيش السوري عندما تدفق المسلحون من النصرة، والجيش الحر، والأكناف..والعهدة، ثم توقف عند مداخل المخيم حتى لا يتسبب في تدمير المخيم، ويتهم بأنه لا يبالي بمصير اليرموك وسكانه الفلسطينيين.
من المؤسف أن بعض الأصوات ارتفعت من (رام الله) والتقت بأصوات حماس الملعلعة في غزة، في سباق تشهيري وظّف دم وتشرد ومأساة اليرموك في خدمة أغراض سياسية قاصرة الرؤية.
العجب العجاب قرأناه في كتابات (يساريين ثوريين)، تبرر احتلال المخيم، دون أن تمر على ذكر الجهات التي (حررت) المخيم من الفلسطينيين و(السوريين) الذين لجأوا له بالألوف هربا من النار التي لاحقتهم في قرى الغوطة غير البعيدة عن اليرموك.
لم تكن (النصرة) وأشباهها قوات الفيتكونغ في فيتنام، أو ثوار تحرير كوبا يقودهم جيفارا وكاسترو، أو يوجههم بطل ميسلون يوسف العظمة قائد معركة ميسلون، أو أبطال الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، أو بواسل الغوطة رجال حارس دمشق حسن الخراط ابن الميدان، لا: كانوا النصرة، وأشباهها من مستلهمي خطاب (القاعدة) التكفيري العدمي!
عجايب حقا، ولا عجب، فنحن في زمن يستشري فيه الكذب دون أدنى شعور بالحرج من دم بريء يراق بسلاح الجهلة المعادين للحياة والتقدم، الحاقدين على كل شيء.
من كتبوا مبررين احتلال المخيم، وضللوا (القرّاء)، كانوا نوعين: إمّا لا يعرفون الحقائق، ويهرفون بما لا يعرفون، وإمّا (مرتشون) فاسدون، لا مصداقية لهم، يغطون مخططات كبيرة تستهدف الوجود الفلسطيني في سوريا، ودورهم التغطية على من يتآمرون، ويمولون، ويسلحون، وهم لا يأبهون بمصير مخيم اليرموك، ومصير فلسطينييه، فالغاية عندهم تبرر الواسطة، مع علمهم الأكيد بأن الوسيلة دنسة..ولكن مصلحتهم تعلو ولا يعلى عليها، وهم في السوق يتسوقون، رغم أن (السوق) مسلخ ومذبحة!
لم آبه بتصريحات جورج صبرا وأمثاله ممن نظّروا لاحتلال المخيم، بقدر ما فجعت بكتاب أطلقوا دخان كتاباتهم للتعمية على مأساة الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وتوظيف دمهم لخدمة هجاء النظام، وكأن شتم نظام الحكم في سوريا وهجاءه هو الغاية، وكل ما غير ذلك يهون.
صمت هؤلاء وهم يسمعون تصريحات وزير العمل الفلسطيني الدكتور أحمد مجدلاني بعد أن زار دمشق، وعقد مؤتمرا صحفيا اتهم فيه بوضوح، وبلا غمغمة، محتلي المخيم بأنهم يختطفونه، وأنهم تكفيريون وإرهابيون!
ثم عقد مؤتمرا صحفيا في رام الله أكد فيه نفس الكلام المستند على المعاينة المباشرة، وعلى محاولات فشلت مع المسلحين للخروج من المخيم وترك أهله ليعيشوا، وقد شارف كثير منهم حد الموت جوعا، وتفشت فيهم الأمراض.
هذا الكلام كتبناه، وألححنا عليه مرارا في هذه الصحيفة، ونطق به شهود عيان، ولكن آلة البروبوغندا لم تستح، ولم تبد الندم بعد أن تكشفت الحقــــائق، وها هــــي تلوذ بالــصــمت، ولا تقول كلمة عن الإحتلال الثاني لمخيم اليرموك، الذي سيطيل معاناة عشرات ألوف الفلسطينيين.
دم المخيم وظف للتشهير بالنظام السوري، فهل هذا من الأخلاق في شيء؟!
هل هكذا تكون أخلاق (البديل) عن النظام؟! وهل هكذا ستكون العلاقة بفلسطين وشعب فلسطين؟! وهل هذا جوهر ثقافة الجهاد لفصائل تدعي الجهاد؟ وهل أكناف بيت المقدس تقع في حارة (الفدائيين) في مدخل شارع اليرموك؟!
الفصائل الفلسطينية التقت جميعها على الرأي بضرورة (إسعاف) من تبقى في المخيم، بالطعام، والدواء، وإنقاذ المرضى، ومضت الخطة رغم التعثر المفتعل من المسلحين الذين أطلقوا الرصاص مرارا على المنقذين، وأصابوا بعضهم، وأردوا عدة أفراد منهم.
بوحدة موقفها تمكنت الفصائل من محاصرة لامنطق المسلحين، وجذبت المسلحين الفلسطينيين بتقديم الضمانات لهم بسلامتهم، وتسوية أوضاعهم مع الدولة السورية.
غادر المسلحون، وقبل أن تبدأ دورة الحياة في الدوران: تنظيف الشوارع من تلال ركام الدمار، ونزع الألغام، وفتح الأفران، وتأمين الخدمات: الكهرباء والماء، وتشغيل مستشفيات المخيم..فجأة اندفعت (أرتال) مجاهدي النصرة، واقتحمت المخيم بالسيارات المدججة، وبمئات المسلحين، لتعيد احتلال اليرموك من جديد، ولتجهز على تفاؤل ناسه الذين كان الألوف منهم يستعدون للعودة إلى بيوتهم لإعمارها من جديد.
دون لف ودوران: لقد أُمروا بإعادة احتلال المخيم، لأن عودة سكان المخيم، واستئناف دورة الحياة فيه، كانت تعني نهوض روح الكفاح الوطني في عاصمة الشتات (مخيم اليرموك)، ورفع راية (حق العودة) في وجه مشروع كيري الجهنمي.
لا يجب أن يغيب عن البال ، ولو للحظة أن القضية الفلسطينية تتعرض للتصفية، ودور هؤلاء الجهلة أن يشتتوا صفوف الفلسطينيين، ويحرموهم من تجميع صفوفهم، ورفع أصواتهم في مواجهة إنهاء حق العودة الذي عنوانه مخيمات الفلسطينيين، وعاصمة هذه المخيمات: مخيم اليرموك…
تبرير احتلال اليرموك بحجة معركة دمشق ما عاد ينطلي على أحد، فهؤلاء التكفيريون الجهلة افتضح أمر ولائهم لمن يسلحهم، ويمولهم، ومن ما زال يرعاهم، ويعالجهـم في مستشفياته، وتبهدلت سمعتهم بصراعات سماسرتهم في (اسطنبول)، الذين بدأت فضائحهم تتوالى، وآخرها اتهامات مغلفات الرشى، واقتسام الغنائم، و..الاشتباك بالأيدي، واتهامات باستخدام (الشبيحة) في الاعتداء على بعضهم البعض. (اقرأوا تصريحات اللواء إدريس) التي نشرتها ‘القدس العربي’!
الفصائل الفلسطينية الآن باتت أمام مسؤولياتها، ولا مجال للتهرب، فإما ان يخرج هؤلاء المسلحون بالتي هي أحسن، وهذا غير وارد، وإما فالحل (إخراجهم) بالقوة دفاعا عن شعبنا، وعن قضيتنا، لأن الجيش السوري لن يتورط في معركة المخيم، وهو ما يريده من يقف وراء المسلحين.
ثمّ أسال: أنتم يا من تاجرتم بدم اليرموك: لماذا خرستم الآن؟ ولماذا لا تعتذرون للقراء العرب عن تزويركم للحقائق، وللشعب الفلسطيني، وأهل اليرموك عن معاناة وظفتموها لأهداف دنيئة؟!
www.deyaralnagab.com
|