logo
انتفاضة إلكترونية !!
بقلم : رشاد أبو شاور  ... 10.04.2013

استشهاد الأسير الفلسطيني ميسرة أبوحمدية أحدث صدمة للفلسطينيين، بعد استشهاد عرفات جرادات، سواء أكان لهم أبناء في الأسر، أم لم يكن!
رحل ميسرة بسبب الإهمال المتعمد من إدارة السجن، وهو ليس وحده المصاب بالسرطان، ولكن يوجد هناك حوالي خمسين أسيرا مصابا بالسرطان، ينتظرون الموت المحتم، بسبب حرمانهم من العلاج، عن سابق عمد وإصرار، فموت الأسير الفلسطيني أفضل من حياته، من وجهة نظر الاحتلال، وإدارات سجونه العنصرية، تماما كما أن العربي الجيد هو العربي الميت!
سامر العيساوي، الشهيد الحي، الذي تحرر في صفقة التبادل مع الجندي الصهيوني (شاليط)، والذي أعيد اعتقاله، قرر مواجهة السجّان الصهيوني، بمعدته الخاوية، وهو سلاح التحدي الذي خاضه الأسرى الفلسطينيون مرارا وتكرارا، جماعة، وأفرادا، لانتزاع الاعتراف بحقوقهم، وحريتهم، وها هو يمضي في إضرابه غير المسبوق في تاريخ سجون العالم، ويضيف جديدا برفضه الوقوف أمام محاكم الاحتلال، بعد أن زادت أيام إضرابه عن 260 يوما!.
والد سامر العيساوي يرد على ترويج الجهات الصهيونية لإشاعة قرب موت سامر: هذه الإشاعة هدفها الضغط علينا، كي نضغط على سامر ليفك إضرابه! ولكن قرار سامر: إمّا الحريّة، وإمّا الشهادة!
بعد استشهاد ميسرة بيوم أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي على المتظاهرين الفلسطينيين في طولكرم فأردوا شابين عمدا، بهدف إخافة الفلسطينيين وكبح جماحهم، لأن أخشى ما يخشاه الاحتلال هو تفجّر احتجاجات شعبية واسعة في المدن، والقرى، والمخيمات الفلسطينية، تحديدا في الضفة، لا يمكن السيطرة عليها إذا ما اتسعت، وهو ما سيؤدي إلى إفشال أي محاولة للعودة إلى التفاوض، في لعبة يريدها الاحتلال ألهية تشغل الفلسطينيين عن أي رد فعل تجاه الاستيطان الذي لم يتوقف، ولن يتوقف، إلاّ إذا انفجر شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع، وتجاوز القيادتين، وأنجز وحدة الهدف في الميدان، بتجديد الحضور الشعبي الفلسطيني الذي بهر العالم عندما فجّر انتفاضته الكبرى في الأيام الأخيرة من عام 1987 .
مع استشهاد ميسرة، واستمرار إضراب سامر، وتوارد الأنباء عن عشرات الأسرى المصابين بالسرطان، وأمراض الكلى، وكل أنواع الأمراض القاتلة، ومع تواصل الإضرابات عن الطعام، وارتفاع صراخ أخوتنا وأخواتنا، من وراء الجدران، ودقهم على الجدران محتجين على صمتنا اللامبالي، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بتفجير انتفاضة ثالثة!
الانتفاضة لا توقيت لها، ولا يمكن أن تندلع بالرغبات، إنها تأتي نتيجة غضب عارم، وفي لحظات يبلغ فيها هذا الغضب حدا لا يمكن السيطرة عليه، وهو ما يعني تجاوز كل الممنوعات، واكتساح كل الحواجز، ورفض محاولات التعقّل العاجز، والانتقال بصخب جارف إلى الفعل في الميدان، ليس بفورة عابرة، ولكن برفع أهداف مهددة بالضياع الذي يتسبب به العقلانيون الواقعيون، الذين يواصلون سياسة باتت ممجوجة لما جرته من خسائر فادحة.
على فضائية الميادين شاهدت وسمعت الصديق سمير القنطار، عميد الأسرى العرب، الذي حرره حزب الله بصفقة تبادل: كنا نُضرب ونحن نستند إلى حراك شعبي يدعمنا، فإضرابنا لا قيمة له إذا لم يدعمه حراك شعبي يخافه الاحتلال، ويحسب له ألف حساب.
المطلوب إذا دعم الأسرى بحراك شعبي واسع غير محدود، يهدد أمن الاحتلال، وطمأنينته، ويدفعه للتفكير بما سيجره هذا الحراك الشعبي، فالأسرى لهم شعب يقف معهم، ويساندهم، ويفتديهم...
لا بدّ أن يبدأ الحراك فلسطينيا، ومن بعد سيلفت انتباه العالم، وسيجذب كثيرين لرفع أصواتهم مع قضية حرية الأسرى العادلة، والأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيمضي إلى قضية نهب الأرض الفلسطينية، أرض الدولة الموعودة المأمولة _ شعبنا يعرف أنه لم تبق أرض لدولة! ـ وهو ما سيعني تطوير الكفاح، والمواجهة الجادة، وليس العودة للتفاوض كما تريد إدارة أوباما، وأنظمة الجامعة (العربية) المتآمرة، التي استمرأت الكذب على الفلسطينيين، وآخر أكاذيبها القرار المتخذ في مؤتمر الدوحة بالتبرع بمليار دولار للقدس! (سبق وان تبرعوا بخمسمائة مليون للقدس في مؤتمر سرت..لم يصل منها دولار واحد!)
بينما نحن نتحزر: انتفاضة..لا انتفاضة! تنسيق أمني..لا تنسيق أمني، عودة للتفاوض، لا عودة للتفاوض، وقع حدث تاريخي لا سابق له، هو برهان على أن فلسطين لن تموت، وأن الصراع مع العدو الصهيوني لن ينتهي، وأن فلسطين قضية فلسطينية عربية إنسانية، وهذا الحدث أممي عالمي قلوبلي، حداثي، تقني، وما بعد حداثي!
حرب العصابات الإلكترونية على الكيان الصهيوني الغاصب الذي طالما نظر باستعلاء للعرب، والمسلمين، باغتت عدو الإنسانية!
ذات يوم قال موشي دايان: العرب لا يقرؤون، وإن قرؤوا لا يفهمون!
الحق أن العرب قرؤوا، وأبدعت جيوشهم في حرب الاستنزاف، وفي حرب تشرين..لكن السادات الذي وضع كل أوراق الحل في يد أميركا، وصفقته في كامب ديفيد، أخرج مصر من دورها، وأضعف العرب، وقزم قضية الصراع مع الكيان الصهيوني.
الحرب التي شنها (المجهولون) الذين نعرفهم من طبيعة الحرب التي خاضوها: ضد من، ولصالح من، ففلسطين دائما تحدد، وتفرز، وتضع كل إنسان حيث يستحق، دلتنا أن هؤلاء المجهولين معلومون جدا!
إنهم شباب عرب، مسلمون، عالميون، فيهم المسلم والمسيحي..ينتصرون لفلسطين أرضا وشعبا، وأسرى يموتون في الأسر والقيود في أيديهم وأرجلهم!
كل شيء تعطل في الكيان الصهيوني، والنجدة لم تصل من أمريكا ، وفرنسا، وبريطانيا، وآخر كلام: لن يعرف من أين انطلقت الهجمة على المواقع الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والاستخبارية، وفي مقدمتها الموساد فخر الإجرام الصهيوني، وما حدث لن يعرف قبل أعوام..قد تطول!
انتفاضة الكترونية تضامنية مع فلسطين، لم تتدخل فيها القيادات المتخاصمة المتصارعة المزاودة على بعضها!
انتفاضة لا يمكن لأي ناطق رسمي أن يدعي أن فصيله يقف خلفها، فهذه الانتفاضة ليست للمزاودة والمباهاة ومراكمة الدعاية ( الحزبية)، لأنها فقط لفلسطين، وهي حرب بلا حدود، وهي تستهدف الدولة الصهيونية الافتراضية، وهذه مقدمة لها ما بعدها، فالحرب الإلكترونية بدأت، وأبطالها يستحيل تصفيتهم.
شباب العرب قرؤوا وتعلموا، وهم يتحدون الكيان الاستعماري الغربي اللقيط، ويذلونه في ميدانه الذي توقع أنه لا يخترق، ولا يضرب، ولا يهزم، فإذا به يقف، أو يقعد ..عاجزا، وهو ما دفع بقادته أن يطلقوا تصريحات بلهاء تدلل على جهلهم بالتكنولوجيا، ولا سيما تصريحات ليبرمن النارية التي طالب بها أن يوضع حاجز، أو جدار ـ عقليتهم عقلية جداران وجيتو في كل شيء ! ـ حتى لا ينفذ منه (المخربون)!
في التكنولوجيا: لا حدود، ولا جدران أيها الغبي، فالتكنولوجيا ليست الضفة الغربية الفلسطينية! وليست الجولان، وليست سيناء!
أضيف صوتي إلى صوت الشاعر والباحث الفلسطيني زكريا محمد الذي كتب على حسابه على الفيس بوك: بكل المقاييس، فالهجوم الإلكتروني على إسرائيل حدث تاريخي غير مسبوق. وسوف تكون له تداعيات إلكترونية وسياسية وعسكرية، لا يمكن الآن معرفة حدودها بدقة.
هذه أول حرب إلكترونية شعبية تحصل في التاريخ.
فلسطين تبقى دائما أقوى، وأكبر..من كل المتآمرين، والمتخاذلين، والمقصرين، وضعاف الإيمان.
ويا شعب فلسطين: لست وحدك، فمعك شباب مؤمنون، متعلمون..ويبقى أن تنهض، وتهز القبضات في وجه الاحتلال، والسجانين، لتسمع صوتك للعالم كما فعلت دائما، وليعبر هديرك جدران السجون الصهيونية، فيعرف أبناؤك وبناتك أن لهم شعبا لن يتركهم تحت رحمة سجانين صهاينة مجرمين قتلة..


www.deyaralnagab.com