logo
الحيف الاجتماعي يدفع المرأة إلى حافة الجنون !!
بقلم : يمينة حمدي ... 14.07.2019

أصبحت الفجوة بين الجنسين في الإصابة بالأمراض النفسية معروفةً لدى معظم الخبراء، لكن أغلب الأسباب الضمنية ما زالت مجهولة، رغم أن القضاء على هذه الأسباب يمكن أن يغيّر الطريقة التي تكافح بها المصابات تلك الأمراض، ويحد من المشاكل المرتبطة بها.
تعاني النساء من الاضطرابات النفسية والعقلية أكثر مما يعانيها الرجال، هذه الحقيقة أصبحت معلومة الآن لدى معظم الخبراء، غير أن أغلب الأسباب التي تقف خلف ذلك ما زالت مجهولة.
ويعتبر الشعور بالاكتئاب الشديد من أكثر الأمراض النفسية شيوعا في صفوف النساء، إذ كشفت الدراسات أن نسبة انتشاره تبلغ نحو 21.3 بالمئة لدى النساء، أي ضعف نسبة انتشاره لدى الرجال (12.7 بالمئة)، وينسحب هذا على معظم بلدان العالم.
وأشارت بيانات البنك الدولي إلى أن 7 بلدان من أصل 10 تتصدر العالم في ظاهرة الاكتئاب عند النساء، وهي بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة بشأن حجم المشكلة، نتيجة التحفظات الحكومية أو الأسرية، إلا أن منظمة الصحة العالمية كشفت عن تزايد أعداد المصابين بالاكتئاب، بسبب تزايد الأزمات الإنسانية والنزاعات والنزوح السكاني في العالم العربي، وخصوصا في إقليم شرق المتوسط الذي يضمّ لبنان وسوريا والأردن وفلسطين وقبرص.
يرجع الخبراء جزءا كبيرا من الفجوة بين الجنسين في الإصابة بالاكتئاب إلى العوامل البيولوجية التي تأتي في مقدمة الأسباب التي تجعل النساء يصبن بالاكتئاب أكثر من الرجال؛ فهن على الأرجح معرضات لتقلبات الهرمونات المرتبطة بمرحلة البلوغ والحيض وتعقيدات الحمل والولادة، وانقطاع الطمث، ووسائل منع الحمل والعلاج بالهرمونات البديلة، التي يرجح العلماء أن جميعها من ضمن العوامل المتسببة في الاكتئاب لدى النساء.
ولا يستبعد الخبراء أن تمثّل تجارب الطفولة القاسية أيضا سببًا في إصابة النساء بالاكتئاب أثناء مرحلة انقطاع الطمث، مقارنة بالنساء اللاتي لم يعشن تجارب حياتية ضاغطة في مرحلة الطفولة.
وشدد باحثون من جامعة بنسلفانيا الأميركية على أن الضغوط النفسية في مرحلة مبكرة من العمر، قد تترك أثرا مستديما في المنطقة المسؤولة عن المزاج في الدماغ، حيث تتسبب المعاناة خلال مرحلة الطفولة في زيادة أو مضاعفة الأعراض النفسية القـاتمة في مرحلة انقطاع الطمث.
وأشار الأستاذ نيل إيبرسون إلى أن الضغوط التي تواجهها المرأة في مقتبل عمرها -وخصوصا في مرحلة الطفولة- لها آثار سلبية طويلة الأمد على تطوير وظائف مناطق معينة في الدماغ، وهي تلك المسؤولة تحديدا عن العواطف والمزاج والذاكرة.
ويحتل الاكتئاب المرتبة الثانية من بين أهم أسباب الإصابة بالإعاقة على المستوى العالمي، إلا أن تأثيره يختلف باختلاف الدول والمناطق.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن مرض الاكتئاب يؤثّر في الناس بمختلف أعمارهم، ويطال أثره جميع مناحي الحياة، ويسبب ألما نفسيا ويؤثر في قدراتهم على القيام حتى بأبسط المهام اليومية.
ويمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى عواقب مدمرة على مستوى علاقات تواصل الأشخاص الذين يعانون منه مع أفراد أسرهم وأصدقائهم، وعلى مستوى قدرتهم على العمل. وقد يدفعهم إلى الانتحار الذي يعد السبب الأساسي الثاني للوفيات لمن هم ما بين 15 و29 عاما.
وأوضحت منظمة الصحة أن فهم الاكتئاب على نحو أفضل ومعرفة السبل الكفيلة بالوقاية منه وعلاجه، يساعدان على التقليل من الإحساس بالوصمة الناجمة عن الإصابة به، وكل ذلك من شأنه أن يحفز المصابين به على طلب العلاج.
ويبدو أن معظم الأبحاث قد ربطت الاكتئاب بعناصر وراثية أو باضطرابات في عملية الأيض في المخ، أو بالعوامل البيولوجية، إلا أنها ليست الأسباب الوحيدة التي قد تؤدي إلى إصابة النساء بالأمراض النفسية، فالنساء يتعرضن في مختلف مراحل حياتهن إلى مجموعة من الضغوط النفسية، ما يجعلهن أكثر عرضة للقلق والتوتر اللذين يساهمان بصورة كبيرة في الإنهاك والإرهاق على المستويين النفسي والبدني.
وغير أن الأبحاث التي ركزت على الاكتئاب لم ترسم صورة واضحةَ المَعالمِ بشأن البيئات التي تتسم بالتمييز بين الجنسين، وتتضافر فيها المواقف المتحيزة ضد المرأة بشكل عام، لتفضي إلى تهيئة الظروف التي تؤدي إلى إحساس النساء بالإجهاد الشديد.
وخلصت دراسة علمية دولية إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالقلق بمعدل الضعف مقارنة بالرجال.
وقالت رئيسة فريق البحث أوليفا ريميس، من قسم الصحة العامة والعناية الأولية في جامعة كامبريدج، إن اضطرابات القلق يمكن أن تجعل الحياة صعبة للغاية.
وأضافت “لقد كان هناك تركيز شديد على الاكتئاب، وهو أمر مهم، لكن القلق مهم أيضا قدر أهمية الاكتئاب، ويسبب الوَهَن، ويمكن أن يؤدي إلى أمراض أخرى واضطرابات نفسية بل ويزيد خطر الإقبال على الانتحار”.
وشددت ريميس على أن النساء أكثر عرضة للقلق، بسبب التقلبات الهرمونية أو لدورهن التقليدي في العناية بالأطفال.
وترتفع معدلات القلق عند الأم العاملة أكثر من غيرها، بسبب رغبتها في تحقيق المزيد من الإنجازات الشخصية في العمل والحياة الأسرية.
الإجهاد المزمن
هناك أدلة متزايدة، سواء أكانت مستمدة من دراسات علمية أم مستقاة من إفادات الخبراء، تشير إلى أن التوتر الذي قد يستمر مدةً طويلة -جراء تحمل عبء هائل من المهام، مع عدم التمتع بقدرة كبيرة على التحكم في الأمور المرتبطة بهذه المهام- يرتبط بالإنهاك النفسي.
ومن هذا المنطلق يزداد خطر معاناة النساء -اللاتي يحرصن على أداء مهامهن بإتقان وعلى أكمل وجه- من الإنهاك، لاسيما اللاتي ينتقدن أنفسهن دائما بسبب ضعف أدائهن. فهؤلاء تحديدا يعملن بجِد لتجنب الفشل، وهو ما يجعلهن أكثر عرضة لـ”الإجهاد المزمن” مقارنة بنظيراتهنّ. وتشير الدراسات إلى أن عدم القدرة على التعامل مع الإجهاد النفسي يزيدُ مخاطرَ الإصابة بأمراض القلب، إذ يؤثر في وظائف القلب والأوعية الدموية، لكن الطريقة التي يحدث بها هذا التأثير لم تكن مفهومة بدقة.
ويمثل ازدياد نشاط اللوزة الدماغية عاملا مساعدا في تفسير هذه العلاقة. واللوزة الدماغية هي منطقة في المخ تقوم وظيفتها على معالجة الضغوط النفسية مثل الخوف والغضب.
ويقول الباحثون إن اللوزة الدماغية ترسل إشارات إلى النخاع العظمي لإنتاج المزيد من خلايا الدم البيضاء، التي تتجه بدورها إلى الشرايين وتسبب التهابها. ويمكن أن يؤدي هذا إلى الإصابة بالنوبات القلبية والذبحات الصدرية والسكتات الدماغية. ونتيجة لذلك، عند الشعور بالإجهاد الشديد، يُعتبر هذا الجزء من المخ مؤشرا جيدا على احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وقال أحمد توكل، أستاذ الطب المساعد في جامعة هارفارد الأميركية، “نتائجنا تقدم تصورا فريدا للطرق التي يمكن من خلالها أن يؤدي الإجهاد إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية”.
وأضاف أن “هذا يشير إلى أن الحد من الإجهاد قد يؤدي إلى الفوائد التي تتجاوز الشعور بتحسن الصحة النفسية”.
وقالت إيلز بوت، من جامعة لايدن في هولندا، إن عدد من يتعرضون لضغوط يوميّة في تزايد مستمر.
وأضافت “المهام الجسيمة، وعدم الشعور بالأمان الوظيفي، والعيش في فقر، كلها تعتبر ظروفا قد تؤدي إلى زيادة الإجهاد المزمن، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية مزمنة، مثل الاكتئاب”.
تبقى هذه النتائج حقيقية، حتى إذا أخذنا بعين الاعتبار الأمور الأخرى التي ربما تلجأ إليها النساء المصابات بالإجهاد النفسي للتغلب على الحالات العصبية والنفسية، مثل تعاطي الكحول والتدخين.
لكن أحيانا يصل الضغط أو الإجهاد إلى مرحلة فقدان السيطرة على النفس، ومن ثم تبدأ المعاناة من آثار الإنهاك التام.
ففي حين أن الإجهاد في العمل يرتبط بالإرهاق العاطفي أو الذهني، ويصيب الشخص من حين لآخر، فإن درجة الإنهاك التام هي حالة من الإرهاق المتواصل جسديا وذهنيا وعاطفيا، يسببها ذلك الإجهاد المزمن. وتتكون حالة الإنهاك التام عبر فترة زمنية طويلة، ويكون الشفاء منها أمرا صعبا.
وفي أماكن كثيرة من العالم ما زالت النساء عرضة -في الأغلب الأعم- للمعاناة من الممارسات الضارة بالصحة في بيئة العمل، ومنها ساعات العمل الطويلة والتعارض بين العمل والحياة العائلية، وغياب الأمان الوظيفي الناتج عن فقدان النساء لوظائفهن جراء الحمل والولادة، أو العمل بوظيفة ذات ساعات عمل غير منتظمة.
كما أن الفجوة في الأجور ليست بجديدة، وهناك الكثير من الأبحاث التي تُظهر أن النساء يتعرضن دائما لضغوط مستمرة في أماكن العمل مع عدم وجود الدعم الإداري وغياب تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، ما يفقدهن القدرة على التماسك الداخلي في مواجهة الضغوط المختلفة التي يتعرضن لها.
وذكر المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) أن الأمراض المزمنة والأمراض غير المعدية تستهلك نحو ثلاثة أرباع حجم الإنفاق على الرعاية الصحية، وتتسبب في 63 بالمئة من إجمالي الوفيات في العالم.
وتعد الأمراض المزمنة جزءا من تبعات الضغط النفسي والتوتر والسلوكيات غير الصحية كالتدخين ومعاقرة الكحول وتعاطي المخدرات ونهم الطعام، وهي السلوكيات التي يزيد من حدتها الضغط النفسي.
وأكدت الدكتورة جوديث مورينغ من مركز “برايوري” الطبي في لندن أن النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية في مجالات يهيمن عليها الرجال، ترتفع لديهن نسبة التوتر لمحاولة إثبات أنهن يمتلكن الكفاءة ذاتها، وبالتالي يستحقِقْن الأجر ذاته.
ودعت مورينغ الشركات الراغبة في ضم كوادر نسائية إلى تقديم عروض وظيفية أكثر مرونة، مثل السماح لهن بالعمل من المنزل عندما تستجدّ ظروف طارئة، ملفتة إلى أهمية تحسين تلك الشركات لرواتب النساء وتحقيق الأمن الوظيفي لهن.
وكشفت دراسة جديدة نشرت في مجلة “الصحة والسلوك الاجتماعي” الأميركية عن تعرض النساء القياديّات للإصابة بالاكتئاب بنسبة 47 بالمئة مقارنة بالرجال في وظائف مماثلة.
7 بلدان تتصدر العالم في ظاهرة الاكتئاب عند النساء، وهي بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وقالت تيتيانا بودروفسكا الباحثة المساعدة في مادة علم الاجتماع من جامعة تكساس “يتم تقييم النساء بأسلوب أكثر صرامة، وقد يفتقرن إلى الدعم من الرؤساء، ويواجهن التمييز بين الجنسين والتحرش”.
وأضافت “هذه الظروف قد تؤثر على الصحة النفسية والعقلية للكثير من النساء، ويمكن أن يواجهن مأزقا مزدوجا، فمن ناحية يجب عليهن أن يتسمن بالخصائص الأنثوية مثل غريزة الاهتمام والرعاية، ومن ناحية أخرى يجب أن يكن حازمات ويتمتعن بحس المنافسة والثقة بالنفس”.
وأشارت بودروفسكا إلى أن “النساء عندما يستعرضن الصفات القيادية الأكثر صرامة، يُنظر إليهن نظرة سلبية، كما لو أنهن لا يتصرفن تصرّفا أنثويّا، ما يسبب لهن التوتر المزمن وحالة من الاكتئاب”. ومن جانبها لفتت كريستي غلاس الباحثة الاجتماعية من ولاية يوتا الأميركية إلى أن “النساء يواجهن عددا لا يحصى من العقبات والحواجز التي تعتقد أنها تمثل عبئا على صحتهن النفسية”.
وترى الدكتورة روث سيلي، من جامعة سيتي في لندن، أن النساء عادة ما يكن حبيسات النظرة الجنسانية لمواصفات القائد الجيد.
وقالت سيلي إنه بسبب التصور الشائع الذي يعتبر أن الرجال أقدر على القيادة، تضطر النساء إلى العمل أكثر بكثير للوصول إلى المناصب التي يشغلها الرجال، ليكتشفن أنه حتى بعد وصولهن إليها يواصل البعضُ التشكيكَ في حقهن في تولي هذا المنصب أو ذاك.
ولكن إذا واجهت المرأة هذا الضغط يوما تلو آخر، فستكون عرضة لارتفاع هرمون التوتر في الجسم بمعدل ثابت، وستعاني من أجل محاربة هذا الهجوم المستمر.
ولأن الوقاية خير من العلاج، فمن المهم مواجهة الأسباب التي تجعل النساء عرضة للمعاناة النفسية، من أجل تخفيض معدلات الأمراض النفسية والجسدية، والحد من مشاكلها التي تؤثر سلبا في الأسرة والمجتمع ككل.


www.deyaralnagab.com