logo
إقصاء المرأة في الإعلام الجزائري نموذج مصغر لمعاناتها من التمييز !!
بقلم : الديار ... 06.09.2015

وضع المرأة في الجزائر لا يختلف كثيرا عن أوضاع النساء في بقية دول المغرب العربي من حيث الحقوق المضمنة في التشريعات ومدى تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع، هذا ما أكده تقرير رصد صورة المرأة في الإعلام الجزائري، حيث كشف فوارق كبيرة بين صورة الرجل وصورة المرأة في وسائل الإعلام، كذلك بين إحصائيا أن دخول المرأة لعالم الإعلام كمهنة لم يضمن لها في المقابل الصورة والحضور اللذين تستحقهما.
الجزائر – دراسة صورة المرأة الجزائرية التي يقدمها الإعلام الجزائري وقياس حضورها فيه كموظفة وكموضوع إعلامي يحيلاننا إلى البحث في طرق تعاطي الإعلام العربي كوسيلة اتصال وكسلطة رابعة مع قضايا المرأة وفي نظرته لها، أو بالأحرى نظرة القائمين على المؤسسات الإعلامية للمرأة التي تنعكس في الصورة التي تقدمها برامجهم، وهذا بدوره يعكس سياقا مجتمعيا وثقافيا كاملا، حيث نستنتج من صورة المرأة في المادة الإعلامية نظرة المجتمع لها والفرص والحظوظ التي تنالها مقارنة بالرجل في الشأن العام.
وتمثل النساء تقريبا نصف المشتغلين في قطاع الإعلام في الجزائر ، لكن هذا لم يتح لهن ظهورا وحضورا يتناسب مع تواجدهن المهني في القطاع، كما أن المعلومات والأخبار التي تهم المرأة إما أن تكون قليلة أو أنها تكرس الصور النمطية للمرأة أو أنها تقدم رسائل تعبر -بشكل مباشر أو غير مباشر- عن نظرة دونية للمرأة.
هذا ما كشفه التقرير الذي أجرته الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بالاشتراك مع منظمة “مينا ميديا مونوتورينق” التي رصدت برامج تلفزيونية وإذاعية في الفترة الممتدة من 28 يناير إلى 17 فبراير 2015، وخلصت دراستهما إلى أن المشوار مازال طويلا أمام المرأة الجزائرية لتحقق المساواة، كمّا وكيفا، في ميدان الإعلام السمعي والمرئي ولتظهر الجزائرية في الصورة التي تتناسب مع دورها وقيمتها الحقيقية إما كمهنية أو كفرد في المجتمع أو كضيف يدلي برأيه في مختلف البرامج التي يتلقاها الجمهور.
ويبدو المشوار أطول أمام الجزائريات ليتخلصن مما اقترن بتاء التأنيث من صور نمطية تحصر حضور المرأة في البرامج الخفيفة والبرامج ذات الصلة بالدور التقليدي للمرأة، مثل برامج المجتمع والأسرة والصحة والتجميل والمنوعات الترفيهية.. وتبعدها عن البرامج “الجدية” مثل السياسة والاقتصاد والعلوم.
القنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية التي تمت متابعتها كشفت لمحللي نتائج الرصد ومؤلفي التفرير أنها ترسخ ما يتجه له المجتمع التقليدي، حيث تناط بعهدة المرأة الأدوار الثانوية كمهنية ويقزّم ظهورها كفرد فاعل في المجتمع أو في السياسة أو في الاقتصاد، وتمثل النساء نسبة 42.6 بالمئة من المهنيين في وسائل الإعلام المكلفين بإعداد الريبورتاجات، ونسبة 55.7 بالمئة من الصحفيين على الميدان، ونسبة 53 بالمئة من مقدمي البرامج. لكن هذا الحضور القوي في العمل الصحفي في هذه الوسائل الإعلامية لم يقلب المعادلة لصالحها وظل ظهورها ضعيفا جدا مقارنة بالرجال، حيث لا يتجاوز نسبة 19.10 بالمئة.
كما أن هذا الحضور الضعيف في حد ذاته يقدم الصور النمطية والسلبية للمرأة، فمثلا البرنامج الخفيف والمنوعاتي يخصص للصحفيات، والبرامج الجدية مثل السياسة والاقتصاد تخصص لزملائهم الرجال.
أما كموضوع إعلامي أو كشخصية من خارج الطاقم العامل في هذه المؤسسات، فنجد أن المرأة لا تمثل إلا واحدا على خمسة من الشخصيات التي تتحدث عنها التلفزات وواحدا على سبعة في الإذاعات.
ولا يتوقف التمييز ضد المرأة في الإعلام الجزائري عند هذا الحد، بل إنه يطال الشخصيات المدعوة للحضور في النقاشات والحوارات في مختلف البرامج، حيث أن ظهورها يكاد ينعدم في برامج السياسة والاقتصاد.
وبلغة الأرقام، فإن الأخبار الخاصة بالنساء لا تتجاوز 2.7 في المئة، كما أن الإنتاجات الإعلامية الخاصة بالنساء تقل بحوالي 37 مرة عن تلك الخاصة بالرجال، زيادة على أن التركيز عليهن في المواضيع السياسية والاقتصادية لا يتجاوز 10 في المئة، رغم أن المذيعات العاملات أكثر من المذيعين.
وإن ربطنا هذا التقرير وما أورده من إحصائيات ونتائج تتعلق بحضور المرأة في الإعلام الجزائري بواقع المرأة الجزائرية وبحضورها في جميع نواحي الحياة، فلن نستغرب ما توصل له الرصد من نتائج. فالمرأة الجزائرية رغم ما حققته من تقدم ملحوظ منذ استقلال الجزائر في مجال التعليم حيث ارتفعت نسبة التعليم الفتيات من 37 بالمئة عام 1966 إلى 92 بالمئة عام 2008، ولعلها اليوم اقتربت من بلوغ نسبة 100 بالمئة، ورغم ارتفاع نسب حاملات الشهائد العليا واكتسابهن للمؤهلات الثقافية والعلمية التي تخول لهن منافسة الرجال في الدخول لسوق الشغل، غير أن هذه النجاحات في التعليم لم تنعكس على سوق الشغل ولم تترجم إلى ارتفاع في اليد العاملة النسائية في أغلب الميادين وأهمها.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن عمالة المرأة الجزائرية مرتكزة في مهن دون أخرى حيث تتواجد بنسب عالية في مجالي التعليم والصحة وفي المهن والوظائف القريبة من دور النساء الأسري والمجتمعي وفي الأنشطة الحرفية واليدوية والمناصب الإدارية الثانوية، في حين تكاد تغيب عن القطاعات الصناعية الكبرى والقطاعات العلمية وريادة الأعمال والمؤسسات الكبرى والمناصب الهامة في الدولة.
هذا التفاوت بين ارتفاع نسب المتعلمات والحاصلات على شهائد عليا من جهة وبين انخفاض اليد العاملة النسائية في جميع المجالات من جهة ثانية يعكس التناقض في المجتمع الجزائري الذي وإن آمن بأهمية رفع الأمية عن المرأة، إلا أنه لم يفسح أمامها المجال لأخذ نصيبها من سوق الشغل ولم يتخل عن الأفكار التي تكرس اللامساواة بينها وبين الرجل في العمل.
وليس التمكين الاقتصادي والتمييز في العمل على أساس الجنس هو فقط ما تعاني منه الجزائريات، بل إن حضورهن في الحياة السياسية لا مجال لمقارنته بالحضور الرجالي في المناصب العليا في الدولة وفي الأحزاب السياسية وفي المقاعد البرلمانية وغيرها، وكما بقية النساء في المغرب العربي لا تكلف النساء إلا بحقائب وزارية تنحصر في الثقافة أو التضامن أو الشؤون الاجتماعية أو التعليم، أما الحقائب الأهم مثل رئاسة الوزراء أو وزارة الداخلية أو الخارجية فإنها حكر على العنصر الرجالي.
وعلى هذا النحو يبقى تفعيل النصوص القانونية الضامنة لحق المرأة في المساواة من قبيل الخطاب النظري والوعود والتشدق بالتوجه نحو الديمقراطية.
ويرجع بعض الدارسين لوضع المرأة الجزائرية تأخر تطبيق مبادئ المساواة بين المرأة والرجل في الجزائر، إلى طبيعة المجتمع الذي يتمسك بأفكار محافظة تستند إلى مرجعية تقليدية مفادها أن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت والتكفل بدورها العائلي والاجتماعي.
كما يرجح علماء الاجتماع أن أهم أسباب التمييز ضد المرأة تتمثل في وضعيتها القانونية في الدستور الجزائري، حيث خيّم قانون الأسرة ومكانتها داخل المجتمع لمدة طويلة على قضايا حقوق المرأة.


www.deyaralnagab.com