logo
كوني صماء وترشحي يا نصف الدنيا!!
بقلم :  فاطمة ناعوت  ... 26.04.2014

"أنا بانيلوب/ وحيدةٌ/ منذ دهور/ أنتظرْ./ أسامرُ الليلَ/ ساهرةً على نول النسيج/ أغزلُ ثوبَ العرسِ/ خيطًا / فخيطًا/ في انتظار الذي لا يأتي/ وعند النهار/ أقُضُّ ما نسجتُ في ليلي/ تمزّقتْ خيوطٌ/ وتصدّعتْ أظافرُ/ وذَبُلت عينان/ وهذا عوليسُ البعيدُ/ لا يأتي.”***
في نهاية الدرس، كتب بروفيسور الرياضيات على السبورة معادلتين لا حلّ لهما. وقال لطلاب الدكتوراه: دوّنوا المعادلتين اللتين أخفق فيها علماء الرياضيات، لتوثقوا عجز العلم أحيانا عن الوصول لحل. كان هناك طالبٌ يجلس في آخر الفصل، غارقًا في نومه. وبعدما خرج الطلابُ، استيقظ. وشاهد المعادلتين. فظنّهما واجبَ الغد. سهر الليلَ يحاول حلَّهما. وفي الصباح ذهب إلى الأستاذ قائلا: "سيدي، حللتُ واحدة، وأخفقتُ في حل الأخرى." اندهش البروفيسور ونظر في الكراسة قائلا: "مستحيل! كيف نجحت في ما أخفق فيه أكبرُ بروفيسورات العالم في التفاضل والتكامل؟!!" ما حدث هو أن نوم التلميذ في الفصل، فوّت عليه أن ينصت إلى كلمة “مستحيل” حلّها. فحاوَل، ونجح. بينما لم يحاول زملاؤه، ولا حتى أساتذته، لأنهم وضعوا العربة أمام الحصان، ووضعوا المستحيل أمام المحاولة، فأغلقوا بابَ الخيال والإبداع والمحاولة.
في ذات السياق، أحكي لكم قصة من الفولكلور الرمزي. مجموعة من الضفادع شاركت في مسابقة لتسلّق جبل إيفرست الشاهق. وقف الناس بالأسفل يهتفون ساخرين: “لن يصل أي ضفدع إلى قمة الجبل، مستحيل.” وبدأت الضفادع في التساقط واحدًا في إثر واحد، إلا ضفدعًا واحدًا أكمل حتى وصل إلى القمة. وذُهل الجميع وبدأوا في التلويح له بإعجاب حتى هبط في سلام ونال الجائزة. وحين سأله الناس كيف حقق المعجزة، لم يردّ، بل أشار بما يعني أنه أصمّ لا يسمع. المعنى الرمزي هنا أن صممَه فوّت عليه سماع الكلمات المُحبطة التي أسقطت زملاءه.
حين خاضت صديقتي الجميلة "بثينة كامل" السباق الرئاسي العام الماضي، أصمّت أذنيها عن كلمات من قبيل: “ماذا تفعلين! هذا مجتمع رجعي ذكوري لن يُفسح المجال لامرأة وإن كانت أعظم الرجال والنساء. وفري وقتك وجهدك وأعصابك.” ترشّحت وهي لا تراهن على نجاح في مجتمع مثقل بالخمول والشكلانية والجهل والمراهقة الفكرية. لكنها ودّت أن تسجّل لحظة تاريخية مستنيرة تقول فيها: “امرأة مثقفة خاضت السباق" بصرف النظر عن النتيجة.
بثينة كامل سجّلت هدفًا في مرمى التحضر بترشّحها هذا العام أيضًا. وأرجو من كل امرأة تجد في نفسها الكفاءة أن تحذو حذوها لكي نحكي لأولادنا وأحفادنا أن ثورتين عظيمتين نثرتا في مصر بعض النور في ليل العتمة الرجعية الطويل الدامس.
عزيزتي "نصف الدنيا"، اعلمي أن المرأة أكثر ميلاً لإفشاء السلام والاحتواء والمحبة والتسامح من الرجل. لهذا، كل الحروب في العالم، دبّرها رجالٌ، ونفّذها رجال. وتلك سمة العصور البطريركية، التي يهيمن فيها الذكور، Patriarchal (مشتقة من المفردة اللاتينية: Pat، أي: أبّ). أما في المجتمعات "الأمومية"التي تحكمها امرأة Matriarchal (من كلمة: Mat أي: أمّ) مثل عصور ما قبل التاريخ، وبعض مجتمعات أفريقيا والأمازون الراهنة، نلحظ أن قيم السلام والرغد والود تسيطر عليها. كذلك ذهنيًّا، اكتشف العلماءُ ان المرأة قادرةٌ على رؤية التفاصيل على نحو أكثر دقة من الرجل القادر أكثر على قراءة الخطوط العريضة والشموليات.
إن كنتِ ترين في نفسك القدرة على قيادة مصر، فأصمّي أذنيك عن كلمات الهدم التي تتناثر حولك طوال الوقت.
تسلقي جبل إيفرست، وحلّي المعادلة الرياضية الشاقة، ولا تراهني على النتيجة. فالنتيجة ليست تقييما لقدراتك أنت، بل هي تقييمٌ لوعي شعب مازال يحبو على مدارك الديمقراطية الأولى، ويتهجى ألف باءها بتعثر.
***
* من قصيدة "بانيلوب" | فاطمة ناعوت

المصدر : مركز مساواة المراه

www.deyaralnagab.com