logo
مستلزمات وقف العمل بالاتفاقيات مع الصهاينة!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 26.07.2019

أعلن السيد محمود عباس أن "القيادة" الفلسطينية قررت وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل نظرا للانتهاكات التي يستمر الكيان بممارستها ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته. وأعلن أنه سيتم تشكيل لجنة لمتابعة هذا الموضوع. ولم ترد تفاصيل حول هذا العنوان الكبير.
بداية، شيء جميل أن تتم خطوة من هذا القبيل ولو أنها متأخرة جدا. لقد كثف الصهاينة من اعتداءاتهم وإجراءاتهم بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته وكرامته بعد توقيع منظمة التحرير اتفاقيات معهم، وقد كان الشعب بوضع أفضل قبل توقيع تلك الاتفاقيات. إنما أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا.
لكن من الضروري الانتباه إلى أمرين وهما:
1- يقضي القرار الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقيات وليس إلغاء الاتفاقيات. أي أن الاتفاقيات مع الكيان ما زالت قائمة، والاعتراف بالكيان وكل ما نصت عليه الاتفاقيات ما يزال قائما، إنما الالتزام بالتنفيذها لن يعود قائما. وطبعا هذا يعني وقف العمل باتفاقية أوسلو، وكذلك باتفاقية طابا، وواي ريفرن واتفاقية الخليل وبروتوكول باريس الاقتصادي، وبكل الملاحق التي تعتبر جزءا من هذه الاتفاقيات. وهذا يعني أن القيادة الفلسطينية لم تخرج من الاتفاقيات، وما زالت تعترف بها، وهذا يبقي الباب مفتوحا أمام العودة إليها وتفعيل العمل بها وذلك وفق شروط معينة سنسمع رد الصهاينة النظري والعملي عليها. الشروط غير محددة حتى الآن فلسطينيا، لكننا نستنتج أنها تتعلق بقضايا أساسية مثل مصادرة الأراضي والاستيطان وعمليات هدم البيوت والاعتداءات على مدينة القدس وعلى مناطق مسمى "أ". وتحسين ظروف المعتقلين والأسرى، والإفراج عن أموال المقاصة كاملة. ونرجو أن يكون وقف العمل بالاتفاقيات مقدمة لإلغائها نهائيا، وإعادة القضية الفلسطينية إلى جذورها,
2- لننتبه أن عباس سبق وقال إن السلطة الفلسطينية لن تلتزم بالاتفاقيات إن لم تلتزم إسرائيل. إسرائيل لم تلتزم والسلطة بقيت ملتزمة. بل أن السلطة تقول باستمرار إن إسرائيل لا تلتزم بما عليها من واجبات وفق الاتفاقيات، لكن السلطة لم تقم بإجراءات تؤكد عدم التزامها، وعلى رأس ذلك التنسيق الأمني. ولهذا علينا ألا نتسرع في الحكم على ما سيأتي. اعتدنا على السلطة الفلسطينية عدم الوفاء بوعودها وتهديدها، فهل هذه المرة ستكون الأمور مختلفة؟ علينا أن ننتظر لنرى مفاعيل هذا القرار على الأرض.
ما هي المفاعيل المطلوبة؟ أشير بداية إلى أن كل أمر هام جديد يتطلب حاضنة سياسية تستوعبه، وهذه الحاضنة يجب أن تتميز ببيئة مناسبة لتنفيذ هذا الأمر بشكل لا تترتب عليه مشاكل كبيرة تعرقل سير العمل. . هذا يعني أن وقف العمل بالاتفاقيات يتطلب إعادة ترتيب أوضاعنا الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية، الخ، لكي نشق طريقنا بنجاح. أوضاعنا الآن تم ترتيبها وفق مقتضيات الاتفاقيات فاصبحنا أكثر تبعية للكيان الصهيوني من الناحية الاقتصادية، وأصبحنا ندافع عن الأمن الصهيوني، وتدهور المستوى الأخلاقي والتماسك الاجتماعي الفلسطيني وانحسرت الثقافة الوطنية لصالح الثقافة الاستهلاكية، ونما الهم الشخصي على الهم الوطني. تتطلب البيئة المناسبة التخلص من كل مرتكزات البيئة القائمة حاليا، والانطلاق نحو مرتكزات جديدة منطلقة من استراتيجيات وحسابات مختلفة تماما.
ولهذا كان المفروض أن نبدأ بتهيئة الأوضاع التي يمكن أن تكون صالحة لمعطيات وإجراءات فلسطينية جديدة تعيد ترتيب الأمور الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وأوضاع المقاومة التي لا تتطلب إعلانات وسياسات علنية. نحن لم نبدأ، وهذه مشكلة أخرى المفروض التنبيه إليها. والأهم هو وضع خطة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وبأقصى سرعة ممكنة.
سبق أن اتخذت السلطة الفلسطينية مواقف سياسية معينة لكنها لم تتبعها بخطط ورؤى واستراتيجيات تجمع الشعب الفلسطيني حولها لإفشال ما يخطط له الأعداء. وقفت السلطة الفلسطينية ضد قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، لكن لم يترتب على ذلك أي أعمال يقوم بها الشعب الفلسطيني لمواجهة ذلك القرار. ووقفت السلطة ضد صفقة القرن، وضد ورشة المنامة، لكنها لم تقدم برنامج عمل للشعب الفلسطيني لمتابعة الرفض والامتناع عن التعاون مع العدو وإفشال أعماله التي يمكن أن تتغلغل بين الصفوف. وسبق للسلطة أن أوقفت المفاوضات مع الكيان، لكنها لم تقدم خطة للشعب الفلسطيني لتوجيه الجهود نحو هدف معين. اعتدنا على السلطة اتخاذ مواقف، ومن ثم تضع يدها على خدودها تنتظر. تنتظر ماذا؟ والرفض الذي لا يطرح بدائل، ولا يتوجه نحو حشد الطاقات لمواجهة التحديات ينتهي إلى لا شيء ولا قيمة له.
هل ستكون هناك الآن نقلة نوعية مختلفة في التفكير والأداء الفلسطينيين. نرجو أن يكون ذلك. هل سيتوقف التنسيق الأمني أم لا؟ وهل فعلا سيتوقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي؟ وهل سيتم تغيير القائمين على المرحلة السابقة لصالح طواقم جديدة لم يلوثها اتفاق أوسلو وتبعاته؟ كل وضع يتطلب أناسا يتناسبون مع تفاصيله.
تجاربنا مع السلطة الفلسطينية بائسة، ولم تعزز ثقة، وإنما عززت الشكوك. لكن علينا أن نوضح الأمور الآن وننتظر لنرى كيف ستعيد السلطة التفكير بكل ما قامت به منذ عام 1994. وأنا على ثقة بأن كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج سيقدم الدعم المطلوب إن تم تصحيح البوصلة الفلسطينية.


www.deyaralnagab.com