logo
إرفع رأسك فأنت أرجنتيني…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 07.06.2018

في نهار يوم الثلاثاء الأخير، اكتظ «الفيس بوك» لدى الفلسطينيين وبعض العرب بالتقليل من أهمية ميسي لاعب نادي برشلونة ومنتخب الأرجنتين، نشروا صوراً له وهو واقف بخشوع على رأسه قبعة متدين يهودي أمام حائط البراق، وما يطلق عليه اليهود (حائط المبكى)، وهو قسم من السور الذي يطوّق بلدة القدس القديمة من الجهة الجنوبية الغربية.
انهالت الكتابات عن الخيبة الكبيرة من منتخب الأرجنتين، ومن النجم ميسي بشكل خاص، لأنه سيجري مباراة ودّية مع منتخب إسرائيل في القدس المحتلة، وذهب البعض إلى أنه صهيوني، ولا يستحق التقدير والحب الذي يحظى به لدى كثيرين.
كتابات سَخِرت ممن سيؤيد المنتخب الأرجنتيني في المونديال، بعضهم اضطر للاعتذار لأصدقائه، لأنه كان متحمّساً للأرجنتين، ولكن بعد قرارها اللعب في القدس انتهى، وأعلن أنه منذ الآن، سوف يتحوّل لتأييد أو تشجيع أي منتخب آخر، ولن يرفع علم الأرجنتين.
بينما اعتذر البعض، بأنه لا يستطيع التخلي عن حبِّه للنجم ميسي، رغم معارضته لموقف المنتخب، ولكن الحب قتّال. ووجد أنصار فريق ريال مدريد بالذات، الفرصة للانقضاض على أنصار برشلونة، معتبرين أن تأييد ميسي ضربٌ من التواطؤ مع الاحتلال.
في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء انقلبت الصورة والتعقيبات رأساً على عقب، فقد أبلغت الأرجنتين المسؤولين في تل أبيب بأن منتخبها لن يشارك في المباراة الودّية المزمع إجراؤها في القدس أمام منتخب إسرائيل.
تنفس أنصار ميسي وبرشلونة ومنتخب الأرجنتين الصعداء، وعادوا إلى الساحة الفيسبوكية رافعين الرؤوس وبعين قويّة، من قال إننا خونة؟؟! من قال إن ميسي لا يتعاطف مع الفلسطينيين؟ أما أنصار رونالدو والريال، فقد حيّوا الموقف الجديد، رغم أن بعضهم، رأى أنه ما كان ليحصل لولا ضغط حركة المقاطعة BDS، والمتظاهرين في برشلونة أمام مركز تدريب لمنتخب الأرجنتين.
بعد انتشار نبأ الهدف في الدقيقة التسعين في قائم الزاوية اليسرى من مرمى بيبي نتنياهو، أسرع هذا للاتصال مع الرئيس الأرجنتيني، محاولاً اعتبار الهدف تسللاً، وطلب تدخّله بصفته حكماً خارجياً لإقناع المنتخب بالعدول عن القرار، إلا أن الرئيس الأرجنتيني مِثل منتخبه كما يبدو، «خضع للإرهاب»، كما يحلو لوزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجب أن تقول، فهي تستمتع جداً بكلمة إرهاب، وتمصّها مثل قطعة شوكلاطة، وكلما لاحت فرصة بصقتها بوجه كل من لا يعبّر عن إعجابه بجرائم الاحتلال، ولا يصفق لقتل المدنيين العزل.
الوزيرة كتبت في صفحتها قبل أسبوعين فقط، أن إجراء المباراة في القدس من إبداعها الخاص، وهذا يعني أن الفشل أيضاً من إبداعها، واعتبر رئيس المعارضة من الحزب الصهيوني أن وزيرة الرياضة سجلت هدفاً ذاتياً إذ كان بالإمكان إجراء المباراة في حيفا، ولكنها أرادت هذا لمصلحة الانتخابات الداخلية في حزب الليكود، وطالب بالتحقيق معها جنائياً، خصوصاً في قضية بطاقات الدخول للمباراة، حيث وزّعت الوزارة حوالي عشرين ألف بطاقة في صفقات، وعرضت عشرة آلاف للبيع.
نائب رئيس إتحاد كرة القدم الأرجنتيني أكد أن القرار صائب، بينما أكد رئيس الجمعيات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية رفائيل نصري، وقوف ميسي وخافيير ميتشرانو والمدرّب سمباولي، وراء هذا القرار، إرفع رأسك فأنت أرجنتيني.
اعترفت إسرائيل العنصرية المتغطرسة بأن هذا القرار أهم نصر حققته حركة المقاطعة (BDS) منذ بدء نشاطها، واستسلمت لنتيجة هذه المباراة بهدف واحد لحركة المقاطعة مقابل صفر للاحتلال.
وزير الحربية أفيغدور ليبرمان شنّ غارة على ميسي ورفاقه بعد منتصف ليلة الثلاثاء وقبيل فجر الإربعاء، معتبراً أن «فرسان كرة القدم لم يصمدوا أمام ضغط المحرّضين كارهي إسرائيل، الذين هدفهم الوحيد منعنا من الدفاع عن أنفسنا وإبادة إسرائيل». أما رئيس الدولة ريفلين فقد أسِف لخلط المنتخب الأرجنتيني الرياضة بالسياسة.
ورأى البعض أن الهدف هزّ شِباك التنسيق الأمني.
هناك من رأى أن اللواء جبريل الرجوب وزير الرياضة الفلسطيني لعب دوراً بهذا، وذلك أنه دعا الفلسطينيين لإحراق بلوزات الأبيض والأزرق الأرجنتينية، فأدخلته ميري ريجب بشكل فوري إلى قائمة ممارسي الإرهاب، بينما قلّل آخر من دور الخارجية الفلسطينية، وكتب ساخراً» شكر الله سعيكم».
أكثر من واحد من الجماهير كتب «العرب يلهثون وراء إسرائيل والأجانب يقاطعونها، حسبنا الله ونعم الوكيل».
بينما أبدع أحدهم بفوتو مونتاج لميري ريجب، فأظهرها غاضبة وتحرق قميص المنتخب الأرجنتيني.
إلغاء المباراة، هو بطاقة حمراء لكل من يدّعي أن لا علاقة للسياسة بالرياضة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقدس وفلسطين، وصفعة لحكومة الاحتلال التي تحاول دائماً تجيير الرياضة والثقافة والموسيقى، لصالح مشروعها الاستيطاني الكولونيالي.
هذه الخطوة لفتت انتباه عشرات الملايين من جمهور كرة القدم من غير المبالين بالسياسة، إلى أن أموراً خطيرة تجري في هذا المكان من العالم.
وأما أطفال فلسطين الذين لا يغيبون عن معارك شعبهم، فقد أرسلوا رسالة وقّعها سبعون منهم إلى سفارة الأرجنتين في تل أبيب، كتبوا فيها: «هذه المباراة ستقام على قبور أجدادنا، لأن (استاد تيدي) لكرة القدم في القدس، بُني على أنقاض بلدة المالحة التي دُمّرت وشُرّد أهلها في عام النكبة 1948». وتيدي هو رئيس بلدية القدس المحتلة الأسبق، منذ العام 1965 إلى 1993 وتوفي عام 2007.
هذا الفوز المعنوي له أهميته بلا شك، وهو يؤكد أن حركة المقاومة الشعبية السلمية والمقاطعة لدولة الاحتلال تؤتي ثمارها، هي صرخة للساسة المتجمّدين الخاملين المستنزفين منذ سنين، الذين يظنون أن نتنياهو قادر على كل شيء، وبأن الصراع انتهى لصالح العنصرية والقوة العسكرية الغاشمة ولم يعد أمامنا سوى تسوّل الفتات على موائد اللئام، على هؤلاء أن يفسحوا الطريق للشباب ليعبّروا عن أنفسهم، بطرقهم وإبداعاتهم ومنها مسيرات العودة، التي لا شك أن لدماء شهدائها وجرحاها الأثر الأكبر على القرار الأرجنتيني وما سيليه من قرارات، قد تصل إلى مسابقة الأغاني الأوروبية اليورفيجن، وغيرها فهذه بداية فقط.


www.deyaralnagab.com