logo
إعادة نظر في فحص النظر…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.08.2017

في زمن ما كانوا يقولون، اربح ولكن بحق الله، الآن تشعر أن بعضهم يفصل تماما بين الضمير والله والربح.
قبل بضعة أشهر انتهت صلاحية رخصة قيادة السيارات التي في حوزتي، ولم يصلني إشعار من مكتب الترخيص لتجديدها، ذهبت لأعرف السبب، فتبين أنه بمناسبة بلوغي الستين عليّ إجراء فحص نظر، ومنحوني مهلة ستة أشهر لإجراء الفحص.
ذهبت إلى فرع لشركة بصريات مخوّلة لإجراء الفحوص من قبل مكتب الترخيص. استقبلتني فتاة رشيقة ترتدي مريولا أبيض بابتسامة ولطف، وبعد محادثة بسيطة بدأنا عملية الفحص وبسرعة انتهت.
-حسناً، أنت في حاجة إلى نظارة أثناء القيادة..
-هل أنت متأكدة؟ لأنني بصراحة أرى الحمار على قمة الجبل من مسافة كيلو مترات.
ردت الفتاة مبتسمة-أما زال في بلدك حمير!
-قليل جدا..
-حسنا يا عزيزي، أنت في حاجة لنظارة.
-يا حلوة، لو قلتِ إنني في حاجة لنظارات قراءة لقلت لك صحيح، لأن عندي واحدة أستعملها للخط الصغير ولشاشة الهاتف.
-لا علاقة، فأنت في حاجة لنظارة لقيادة السيارة.
-حسناً. دفعت وحصلت على وصولات وتم تحويل المعلومات الجديدة إلى مكتب الترخيص، وبعد أيام قليلة اتصلت بي فذهبت إليها وسلمتني النظارة مع ابتسامة ومبروك.
عدت إلى السيارة ممتلئا رغبة في رؤية جديدة للشارع، ثبتّها فوق عيني ونظرت حولي وأمامي، أرفعها وأعيدها مرة تلو أخرى، الرؤية غير واضحة، ربما على الشارع الرئيس يتحسن الوضع! أرفعها وأعيد وأجرّب حتى تأكدت بأنني أرى الطريق واللافتات وأرقام السيارات أفضل بكثير من دون نظارة، قلت، ربما حتى تتأقلم عيناي مع هذه المتغيرات الجديدة، ولكن بعد عشرات المحاولات تأكدت أن النظارة الجديدة فيها خطورة على حياتي وحياة الآخرين، فوضعتها جانباً مستغنياً عنها، وبعد حوالي أربعين يوماً وصلتني الرخصة متجدّدة.
مرّت أشهر وأهملتها تماماً وكدت أنساها، وحقيقة لا أشعر أنني في حاجة إليها، وصرت أمارس هواية قراءة لوحات السيارات من مسافات بعيدة، إلى أن أوقفتني سيارة شرطة متخفية في زي مدني. بعد فحص الرخصة في جهاز الكمبيوتر سألني الشرطي:- لماذا تقود من دون نظارة؟
-بل معي نظارتان، ولكنني في الحقيقة أرى أفضل من دونها.
-ولكن أنت بحاجة لنظارة.
-صحيح هذا مكتوب، ولكن أقسم لك أنني أرى أرقام السيارات من مسافة ستين متراً، بينما أراها مشوشة مع النظارة من خمسة عشر متراً، هل ترى سيارة الجيب القادمة، رقمها 2686670..المازدا السوداء خلفها رقمها 26 88434. الحافلة..مكتوب عليها قرى البطوف-الناصرة، ورقمها…
قاطعني الشرطي متذمرًا- من طلب منك قراءة أرقام السيارات، أنت يجب أن تقود مع نظارة..
-حسنا ها هي النظارة والوصولات، ولكن من دونها أرى أفضل بكثير من متر حتى ألف متر.
- ما يهمني هو الموجود في رخصتك، وأنت قُدت من دون نظارة. ثم سجّل مخالفة غرامة مالية وأربع نقاط.
قلت منزعجاً- أقسم أنني أرى أفضل من دون نظارات وإلا لكنت وضعتها على عيني.
-أنت اعمل ما ترتاح إليه وأنا أشتغل شغلي.
-واضح لي أن ما يهمك هو تسجيل المخالفات،أنت مثل تلك الفتاة التي لم يهمها سوى بيع نظارة أخرى.
- تفضّل وقع على استلام المخالفة ومن دون بذاءة لسان أحسن لك…
-لا أريد التوقيع..
-حسنا،لا مشكلة. رمى المخالفة داخل سيارتي ومضى من دون أن يلتفت، وهذا يعني إما أن أدفعها خلال تسعين يوماً أو أن أتقدم بطلب للمثول أمام محكمة السير.
في اليوم التالي ذهبت إلى محل البصريات، أبرزت الوصولات للفتاة وأخبرتها بأن النظارة غير ملائمة..
-حسنا نجري فحصاً جديداً..
-وهل سيكون على حسابي؟
-وماذا ظننت؟
-يبدو لي أنك أخطأت في الفحص السابق
- أنا أقرر النتيجة حسب إجاباتك على أسئلتي، إذا أردت فحصا آخر تفضل.
وضعت ذقني على الجهاز مستسلماً وأجبت على الأسئلة نفسها..
-أنت في حاجة لنظارة…
-بنفس المقاييس السابقة؟
-لا بمقياس مختلف قليلا..
-كيف تغيرت المقاييس خلال شهر..
-لا أدري ربما كنت مرهقاً ولم تنم جيداً وقتها، وربما كنت مبحلقاً فترة طويلة في شاشة الهاتف قبل الفحص..
-ولكنني أرى الشارع والسيارات واللافتات والشارات الضوئية بصورة ممتازة من دون نظارات، ولا أحتاجها إلا للخط الدقيق جداً للقراءة…
- لا لا أنت بحاجة لنظارة هذا أكيد..
-وماذا أفعل بالنظارة الأولى.
-احتفظ بها فقد تحتاجها بعد عامين..
-يا سلام يعني عليّ أن ألائم عينيّ للنظارة وليس النظارة لعينيّ!
-إذا شئت أغير لك العدسات فقط، وأوفّر عليك ثمن الإطار.
-لا أريد هذه ولا تلك…
-افعل ما يريحك، هذا قرارك وأنت مسؤول عنه.
خرجت من المكان محبطاً، ولكن عدت بعد ساعة وقد قررت أن أنهي المسألة كيفما اتفق، لعلّ الفتاة صادقة! وهنا فوجئت برجل في مثل سني يخاطبها بغضب: أنا ذهبت إلى نظاراتي آخر وفحصت، ومعي ورقة منه، لست في حاجة لنظارات سواقة، ولكنه غير مرتبط مثلكم بمكتب الترخيص، أريد إعفاءً من النظارة الآن أو أقمت القيامة على رأسكم..
رأتني الفتاة وفهمتْ أنها بورطة، غابت للحظات وراء باب داخلي ثم عادت وبرفقتها سيدة كهلة يبدو أنها المسؤولة عن الفرع. طلبت من الرجل التروي لفهم مطلبه، وما لبثت أن وافقت له على إعادة الفحص.
انتظرتُ النتيجة صامتاً، وكانت المفاجأة السارة أن خرج الرجل مطالباً باستعادة نقوده فهو ليس في حاجة لنظارة.
حينئذ تدخلت-اسمعيني يا سيدة، أنا أيضاً أريد فحصاً جديداً..
ردّت الفتاة- ولكن قبل قليل كنت هنا وأجريت فحصاً.
-ومن يضمن لي صحة فحوصاتكم، أعتقد أن حالتي مثل حالة هذا الرجل..
-لا لا أنت شيء مختلف.
-لا بل أنا أسوأ منه، سأذهب إلى نظاراتي آخر وأفحص، وإذا تبين أنني لست بحاجة فسوف أفضحكم، سأكتب على الفيسبوك وتويتر لآلاف الأصدقاء، سأدفع وأنشر بعشر لغات ليراها كل الناس، أنا لي علاقة مع القناة العاشرة والثانية والأولى وإذاعات وصحف، وصديقي يقدم برنامج حماية المستهلك، سوف تدفعون الثمن باهظا..
-لا حاجة للغضب يا سيدي، تفضل غداً، وسنجري لك فحصاً جديداً بعد أن ترتاح عيناك.
-أريد الفحص الآن، عيناي مرتاحتان جداً.
-تفضل تفضل..
أقود سيارتي الآن من دون نظارة، ولكن بعد حصولي على إعفاء، أنظر إلى سائقين قريبين من سني فأرى بعضهم يضع نظارته فوق رأسه وليس عينيه وبعضهم يضعها على عينيه ولكنه ينظر إلى الشارع من فوق الإطار،
أفكّر، هل كانت الفتاة مضطرة لفعل هذا لتضمن راتبها رغم مؤهلاتها! لكن هذا نظر وليس ملابس وعطور ،والأمر قد يودي بحياة بشر، ما هذا الحضيض!
صار موقفي قوياً أمام قاضي محكمة السير، سأحاول إقناعه بإعادة النظر في أولئك الذين يجرون فحوص النظر!!


www.deyaralnagab.com