logo
بين مهرجان العمونيين ومعركة الحيرانيين!!
بقلم : جوني منصور ... 01.02.2017

يتكرر المشهد ذاته عند تفكيك مستعمرة اسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة من قبل الجيش الاسرائيلي. ففي كل مرة يعلن فيها عن عملية تفكيك إحداها بداعي عدم شرعيتها(وأصلا كل المستعمرات ليست شرعية مطلقا) يتم تنظيم مهرجان متقن من حيث فصوله ومشاركيه. فالاعلام له دور التطبيل والتهويل بأن تفكيك المستعمرة سيضع حدًّا لحياة ومستقبل ابناء المستعمرة، وسيقضي على احلامهم وتطلعاتهم... ولا يتطرق هذا الاعلام المجند كليا لخدمة الالة الاستعمارية التوسعية الاسرائيلية إلى أن الأرض التي استعمرها المستعمرون اليمينيون هي ملك للشعب الفلسطيني ابناء البلاد الاصليين، وأن حكومة اسرائيل قد سرقتها ونهبتها. ثم يأتي الوزراء وأعضاء الكنيست، ومنهم من هو مستعمر يعيش في احدى مستعمرات الضفة الغربية المحتلة، ويتفاوضون مع المستعمرين ويلاطفونهم ويعتبرونهم ابطالا قوميين ومناضلين من أجل تثبيت اقدام شعب اسرائيل في الأرض التي وعدهم بها خالق الكون، وأنهم جزء من القيم الاخلاقية للشعب اليهودي بأنهم يبذلون حياتهم في سبيل توطين واعمار ارض الله الذي يؤمنون به. ويتناقش رجال السياسة هؤلاء في كيفية التخفيف من آلام العمونيين وأولادهم واقاربهم، ويكون القرار بتخصيص مبلغ من المال يقدر بـ 180 مليون شيكل تعويضا لهم. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل ان قائد الجوقة ومنظم المهرجان الأول نتنياهو يعلن على الملأ في انه يسمح للعمونيين باختيار اي ارض لإقامة مستعمرتهم الجديدة. واي أرض هذه؟ إنها أرض فلسطينية سرقها المستعمرون وحرموا أصحابها واهاليها من الاستفادة منها إن للزراعة او لبناء بيوت اولادهم واحفادهم.
ثم يأتي دور القضاء الذي يتلاعب بالكلمات والعبارات ويتلون في صياغتها من منطلق اعتبار نفسه قضاء نزيها ولا يتعاطف مع اي طرف، فيقرر ما هو مقرر بأن المستعمرة ليست شرعية... وينسى هذا القضاء ان اسرائيل دولة احتلال، وبالتالي كل المستعمرات هي ليست شرعية مطلقا.
أما دور قائد الجيش المكلف بالمنطقة المحتلة التي فيها مستعمرة عمونة فيعلن أن على العمونيين مغادرة المستعمرة خلال يومين أو أقل لأنه سيقوم بتنفيذ الاخلاء وتفكيك المستعمرة. وهنا يبدأ مهرجان الهرج والمرج والتعاطف الاجماعي الاسرائيلي مع رسل الحركة الاستعمارية الصهيونية الذين تركوا حياة البذخ وانتقلوا ليعيشوا حياة التقشف في المستعمرات... وتتضامن معهم شلل من المستعمرين الذين عملهم هو التنقل من مستعمرة لأخرى والتظاهر في كل مكان تحدث فيه مثل هذه العملية التفكيكية... إنهم نفس الاشخاص الذين يتقاضون رواتب ليقوموا بمهنتهم الاستعمارية... والشعب الاسرائيلي مستمر في نهج حياته كالمعتاد، سهر في تل ابيب وكأن الامور على ما يرام، وكأن الاسرائيلي قد اقتنع بمقولة زعيمه نتنياهو بأن الاستعمار ليس العقبة في طريق السلام... هذا الجمهور "القطيع" لا يفتح فاه في وجه آلة الدمار السياسية اليمينية في اسرائيل والتي ستجني عليهم في نهاية المطاف... إنهم ينعمون بالحياة وببذخها في تل ابيب ما دامت النار بعيدة عنهم.
ثم تُجهز الشرطة قرابة ثلاثة آلاف عنصر من صفوفها للإشراف على عمليتي الاخلاء والتفكيك. ولكن دون حمل السلاح ودون اللجوء إلى القوة... والأبرز ان هذه العناصر قد جاءت في وضح النهار للقيام بما كلفت به... لم تأتِ في الليل أو قبل الفجر بقليل... وصلت في النهار لترى جيدا ما يجري... والشرطيون لطفاء مع العمونيين وليسوا قساة القلوب... إنهم اخوتهم... ألا يقول الاسرائيلي لأخيه في الدين والتاريخ والاستعمار "أهلا... أحي"!
وأخيرا، يبدأ المهرجان لإخلاء المستعمرة بطريقة إخراج عائلة بعد اخرى بلطف وأدب وأخلاق رفيعة المستوى، ولا تتمكن الشرطة من إخراج كل العائلات حتى غروب الشمس فتقرر الاستمرار ليلا وسط الأضواء المشعة ليرى الجميع طريقة الاخلاء... وأن الدولة لا تقوم بالعمل خفية..
ويتم نقل العائلات التي أخليت إلى بيوت أخرى في مستعمرات مجاورة، مزودة بالبطانيات ومنتجات تنوفا منعا للجوع وقلة الاكل...
ما اجمل هذا المهرجان الملفت للنظر، وما ألطف الشرطة ذات الخلفية الانسانية في تعاملها مع العمونيين... أليست هي نفسها الشرطة التي قامت بالاشراف على معركة "ام الحيران" في الأسبوع الفائت؟ أليست هي نفسها الشرطة والحكومة التي وفرت بيوتا للعائلات الحيرانية التي أخليت؟ يا للعجب العجاب بين مهرجان العمونيين ومعركة الحيرانيين.


www.deyaralnagab.com