logo
صدى طلقات مولود ألطن طاش تُدوى في الكرملن !!
بقلم : د. عبير عبد الرحمن ثابت  ... 21.12.2016

شاب جميل أنيق يشبه عارضي الأزياء الأوربيين يقف خلف سفير روسيا يسحب مسدسه ويطلق تسع رصاصات على السفير ليستدير ويردد الله أكبر ثأراً لحلب وسط ذهول المتابعين في القاعة، ألطن طاش ليس داعشى ولا تبدو عليه أي ملامح تشير إلى أنه متطرف وهو أحد ضباط الحماية في الأمن الخاص التركي ورغم الادعاء الرسمي بأن الرجل تسلل للمكان، وأنه لم يناط به حماية السفير إلا أنه لا يلغى حقيقة أن الرجل هو من قلب المؤسسة العسكرية الرسمية التركية وأنه من أولئك الذين لم تطلهم يد العدالة التركية من المؤسسة العسكرية أو المدنية بعد الانقلاب الفاشل بتهمة تأييد الانقلاب، أي أنه من الصعب الادعاء بأن الرجل محسوب على جماعة فتح الله جولن، وكل هذا يفسر كيف انتهى مشهد قتل طاش سريعاً، وظهر بنفس لباسه مردياً قتيلاً وملطخ بالدماء .
بعيداً عن أن أي تفسير يعتمد نظرية المؤامرة حول ما حدث؛ وأن جهات خارجية تقف وراء عملية الاغتيال، علينا أن نرى بوضوح تبعات ما حدث على المشهد الآنى في المنطقة وخاصة على المشهد السوري وعلى العلاقات التركية الروسية التى قد تزداد متانة وتعاون بعد هذا الحادث وستقدم تركيا اعتذارها لروسيا على أرض سوريا و سنشهد في الفترة القادمة هذه التحولات على كلا الدورين في الأزمة السورية . كذلك مقتل السفير الروسي على يد ضابط تركى موالى للحكومة التركية الديمقراطية يعكس مدى العداء الذى اكتسبته روسيا بسبب تدخلها في سوريا وحلب تحديدا، وهو إشارة واضحة للرئيس بوتن أن سياسة روسيا في الأزمة السورية اكسبتها عداء غاب عن تقارير أجهزتها الاستخبارية . وهذا أكثر ما يهدد أي قوة امبراطورية عندما تطأ أقدام جنودها أراضي الآخرين، فالرفض الشعبي الإقليمي لدور روسيا في الأزمة السورية أخطر عليها بكثير من الرفض الدولي له . وتدرك روسيا أن تطبيع وجودها الإمبراطوري الجديد في سوريا والشرق الاوسط يبدأ حتماً بحل توافقي وسريع للأزمة السورية وهو ما يفسر التحول السياسي الروسي الذى تجلى في موافقة الروس على قرار نشر مراقبين دوليين في حلب، وكذلك محادثات موسكو التي بدأت بالأمس مع الفرقاء السوريين حول الحل في سوريا بمشاركة الأتراك وأطراف من المعارضة المعتدلة .
روسيا التي استفادت من التجربة الأفغانية لن تجعل من دمشق كابول جديدة، وتدرك أن جهات عديدة راغبة بشدة في ذلك، وعليه فان الكرملين سيكرس ويكثف جهوده في العام القادم نحو إنهاء الأزمة السورية طبقاً لاتفاق إقليمي أشبه باتفاق الطائف . وروسيا فلاديمير بوتين التي استطاعت فرض إرادتها وتصورها الذى يخدم مصالحها في الملف الجورجي والأوكراني والملف النووي الإيراني والذى استثمرت فيه عشرات المليارات ، وروسيا التي حولت تركيا من عدو لها كادت أن تدخل في حرب معه بعد إسقاط الطائرة الروسية مطلع العالم حولته إلى حليف وليس صديق فحسب قادرة لا شك أن تضع حل للأزمة السورية خاصة وأنها اليوم أصبحت تمسك وبتفرد بكل خيوط اللعبة في سوريا عسكرياً وسياسياً أيضاً .
لكن على الرئيس بوتين أن يدرك أن استمرارية الدور الروسي الإمبراطوري هنا في المنطقة العربية مرهون بدور روسي فاعل ومتوازن في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإرساء دعائم الدولة الفلسطينية ، وروسيا مؤهلة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعب هذا الدور .

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

www.deyaralnagab.com