logo
معايير أوباما النووية مزدوجة ومنحازة وانتقائية!!
بقلم :  نقولا ناصر* ... 30.05.2015

(بينما يستمر "القلق العميق" يساوره من "إمكانية سعي إيران للحصول على سلاح نووي"، ما زال أوباما ملتزما بالتستر المتواطئ على استمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي وما زال يعدّ امتلاكها للسلاح النووي "تكهنات")
بإفشاله عقد مؤتمر دولي يبحث "جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل"، وباعتماده صفقة تسليح قيمتها (1.8) مليار دولار لدولة الاحتلال الإسرائيلي أواخر أيار/ مايو الجاري، أسفر الرئيس الأميركي عن انحياز بلاده وإدارته للاحتلال ودولته بقدر ما أسفر عن ازدواجية معاييره النووية وانحيازها وانتقائيتها.
فبعد شهر من المداولات في نيويورك منذ السابع والعشرين من نيسان/ أبريل الماضي، وفي تحد لشبه إجماع 191 دولة موقعة على المعاهدة، كانت الولايات المتحدة، ومعها تابعها الكندي، هي السبب الرئيسي في إفشال مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لاعتراضها- حماية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وسلاحها النووي - على فقرة أعدتها مصر في مسودة البيان الختامي الذي لم يصدر تنص على تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون الدعوة إلى مؤتمر ل"مناقشة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل خلال مدة لا تتجاوز آذار عام 2016".
وكان من المقرر انعقاد هذا المؤتمر في الشهر الأخير من عام 2012 لكن الولايات المتحدة عطلت انعقاده بزعم أن الوضع في الشرق الأوسط لا يسمح بانعقاده وبحجة أنها "لا يمكنها دعم مؤتمر يشعر فيه بلد من بلدان المنطقة (تقصد دولة الاحتلال) بأنه تحت ضغط أو معزول".
وللعرب مطلبان أساسيان من المؤتمر الأول دعوة دولة الاحتلال إلى توقيع المعاهدة والثاني دعوتهم إلى إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. لكن نجاح إيران في التوصل إلى "اتفاق إطاري" مع مجموعة دول 5+1 حول برنامجها النووي والإمكانية الواقعية لتحولها إلى قوة نووية عسكرية بعد انتهاء مدة الاتفاق أصبح يلقي ظلالا من الشك حول واقعية المطلب الثاني.
وهكذا تجد الدول العربية نفسها في مواجهة نظام نووي إقليمي ثنائي القطبية "الإسرائيلية – الإيرانية" بالرغم من أميركا أو بدعمها، ما يضعها أمام عدة خيارات منها الانسحاب الجماعي من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تمهيدا لامتلاك التكنولوجيا النووية ومنها في الأقل تجميد مشاركتها في أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتراضا على كيل الولايات المتحدة بمكيالين في موضوع أسلحة الدمار الشامل الإقليمية، هذا إذا كانت الدول العربية تمتلك حرية الإرادة والقرار... كإيران.
في سنة 2009 وجهت عميدة الصحفيين السابقة في البيت الأبيض الأميركي هيلين ثوماس -- التي أجبرت على التقاعد بسبب تصريح لم يكن للنشر مؤيد لقضية الشعب الفلسطيني العادلة سربته للإعلام جماعات الضغط الصهيوينة في الولايات المتحدة – سؤالا إلى الرئيس باراك أوباما عن الأسلحة النووية في ترسانة دولة الاحتلال فأجابها: "أنا لا أريد أن أتكهن"، موحيا بأن بلاده لا تملك معلومات بهذا الشأن، فكان بذلك يتستر متعمدا، إن لم يكن يكذب صراحة، على "سر مكشوف" تعرف واشنطن وكل رؤسائها أكثر من غيرهم أن حيازة دولة الاحتلال لهذه الأسلحة لم تعد موضوع "تكهنات" منذ زمن طويل.
في أوائل شباط/ فبراير الماضي أفرجت وزارة الدفاع الأميركية عن تقرير سري بعنوان "تقدير تكنولوجي حاسم في إسرائيل ودول الناتو" أعدّه في سنة 1987 "معهد التحليل الدفاعي" (IDA) بتمويل منها بناء على طلب من رئيس "معهد الأبحاث: سياسة الشرق الأوسط" غرانت سميث وأكد التقرير وجود أسلحة نووية لدى دولة الاحتلال.
وقد وصف التقرير مختبرات الأبحاث النووية في دولة الاحتلال بأنها "تعادل مختبراتنا في لوس ألاموس ولورنس ليفرمور ومختبرات أوك ريدج الوطنية"، ولاحظ محققو التقرير أن منشآت دولة الاحتلال النووية "توازي تماما تقريبا القدرة الراهنة الموجودة في مختبراتنا الوطنية".
وإذا كانت المعلومات التي باعها أواسط ثمانينيات القرن العشرين الماضي إلى صحيفة "الصنداي تايمز" البريطانية اليهودي المغربي مردخاي فعنونو (الذي غير اسمه إلى جون كروسمان يعد الهجرة إلى فلسطين المحتلة قبل أن يعتنق المسيحية لاحقا) عن مفاعل "ديمونا" النووي في دولة الاحتلال قد أصبحت قديمة الآن، فإن اعتراف رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ في كانون الأول/ ديسمبر عام 2013 بوجود أسلحة نووية وكيماوية بحيازة دولة الاحتلال، ووصفه لسياسة التستر على هذه الأسلحة بانها سياسة "عفا عليها الزمن وطفولية"، هو اعتراف جرى في عهد أوباما الذي لم تحرك بلاده ساكنا إزاءه بالرغم من أنها تقود حملة عالمية لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية وليس الأسلحة النووية، في ازدواجية معايير أميركية سافرة منحازة وانتقائية.
فمع أن إيران لا تملك أسلحة نووية، كما قال أوباما في براغ في الخامس من الشهر الرابع عام 2009، ومع أنها موقعة على معاهدة حظر انتشارها، ومع أن رئيسها السابق محمود أحمدي نجاد أعلن في الأمم المتحدة عام 2005 استعداد بلاده للدخول في شراكة جادة مع القطاعين العام والخاص في البلدان الأخرى في تنفيذ برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران، ومع أنها وقعت البروتوكول الإضافي للمعاهدة الذي سمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعمل فيها حتى عام 2006 ولا يوجد شك في أنها سوف تعيد السماح للوكالة بالعمل بعد رفع عقوبات مجلس الأمن الدولي عنها، ومع أن منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية لا تعد انتهاكا للمعاهدة طالما هي للأغراض السلمية، ومع أن مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي أصدر فتوى في الشهر التاسع من عام 2004 تنص على أن الإسلام يحظر إنتاج الأسلحة النووية وتخزينها واستعمالها وبأن الجمهورية لن تمتلك "أبدا" أسلحة كهذه،...
بالرغم من كل ذلك فإن الرئيس أوباما ما زال ملتزما بقوله في الثامن عشر من الشهر الخامس عام 2009 إن "القلق العميق" يساوره من "إمكانية سعي إيران للحصول على سلاح نووي" لأن حصولها عليه "لن يكون تهديدا لإسرائيل وتهديدا للولايات المتحدة فقط بل إنه سيكون عامل عدم استقرار عميق في المجتمع الدولي ككل ويمكنه أن يطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط"، من دون حتى أن يلمح ولو تلميحا إلى أي قلق مماثل لامتلاك دولة الاحتلال الفعلي لهذه الأسلحة وعدم توقيعها للمعاهدة وحدها بين دول العالم إلى جانب الهند وباكستان وكوريا الشمالية.
وهذه المعاهدة التي أبرمت عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ عام 1970 ووقعتها الولايات المتحدة تقوم على ثلاثة ركائز أولها منع الانتشار النووي وثانيها نزع السلاح النووي وثالثها الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وإيران ملتزمة بالأسس الثلاثة ودولة الاحتلال الإسرائيلي تنتهكها جميعها.
ومنذ إنشئت اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية في الثالث عشر من حزيران/ يونيو 1952 لتدير مركزين للأبحاث النووية في سوروكا والنقب بمساعدة فرنسا، كانت دولة الاحتلال وما زالت ترفض أي زيارة لهما من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما دفع الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي في أوائل ستينيات القرن الماضي لمطالبتها بقبول مفتشين أميركيين لمنشآتها مرتين في السنة وقد وافقت على ذلك، وفي سنة 1969 اتفق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ورئيسة وزراء دولة الاحتلال آنذاك غولدا مئير على عدم ممارسة أي ضغط أميركي على دولة الاحتلال لتوقيع المعاهدة مقابل تعهد من الأخيرة بأن لا تكون أول من يدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط، وبعد أن أكدت مصادر موثوقة عديدة امتلاك دولة الاحتلال لأسلحة نووية تحول ذاك التعهد إلى تعهد بأن لا تكون دولة الاحتلال أول من يستعمل هذه الأسلحة في المنطقة.
في الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير 2014 اقتبست "الغارديان" البريطانية من آفنر كوهين مؤلف كتابين عن القنبلة النووية الإسرائيلية قوله إن سياسة الصمت الأميركية تستمر حتى يومنا هذا، وفسر كوهين ذلك بقوله إنه "على المستوى السياسي، لا أحد (في أميركا) يريد التعامل مع الموضوع خوفا من فتح صندوق باندورا (الذي يضم الشرور جميعها في الميثولوجيا الإغريقية)، وقد أصبح هذا الموضوع من نواح كثيرة عبئا على الولايات المتحدة، لكن الناس في واشنطن العاصمة، صعودا حتى أوباما، لن يتطرقوا إليه، بسسب الخشية من أن يؤثر سلبا على أساس التفاهم الأميركي – الإسرائيلي في حد ذاته".
ومع ذلك ما زال أوباما ملتزما بالتستر المتواطئ على استمرار دولة الاحتلال في انتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي وما زال يعدّ امتلاكها للسلاح النووي "تكهنات"، وبالرغم من أن قانون المساعدات الخارجية الأميركية يحظر منذ ستينيات القرن المنصرم تقديم أية معونات أميركية للبلدان التي تصنع أسلحة نووية فإن مثل هذه المعونات، والعسكرية منها بخاصة، ما زالت تتدفق على دولة الاحتلال.
وكانت صفقة التسليح الأميركي الجديدة لسلاح الجو في دولة الاحتلال التي أقرها البنتاغون أواخر أيار/ مايو الجاري هي الأحدث، وتضمنت هذه الصفقة قنابل لتفجير التحصينات العسكرية تحت الأرض، وقذائف هجومية موجهة دقيقة، وصواريخ "هيلفاير" تطلق من حوامات "اباتشي"، وقال البنتاغون في بيان له إن "هذه الذخائر سوف تمكن إسرائيل من المحافظة على القدرة العملياتية لأنظمتها الموجودة حاليا وسوف تعزز عمليات إسرائيل المشتركة مع الولايات المتحدة".
لذلك لا يعود مستغربا أن تسعى دولة الاحتلال إلى طلب زيادة المعونات العسكرية الأميركية السنوية لها بنسبة خمسين في المائة لتصل قيمتها إلى (4.5) مليار دولار خلال المفاوضات الثنائية التي بدأت فعلا خلال الأشهر الأخيرة على حزمة المساعدات الأميركية العسكرية خلال السنوات العشر (2018 – 2028) التالية لانتهاء العمل بالحزمة العشرية الحالية عام 2017.
ومع ذلك ما زالت الأوهام تساور الكثيرين من الحكام العرب في أن اللغو اللفظي للرئيس أوباما عن "حل الدولتين" للقضية الفلسطينية يمكن أن يكون أساسا صالحا لتسويغ تبعيتهم للقوة الأميركية التي تتآكل عظمتها الآن.
إذ "بغض النظر عن موقفه الشخصي الذي قد يكون متعاطفا مع الفلسطينيين أكثر من العديد من الرؤساء الذين سبقوه"، فإن الموقف الرسمي لأوباما وإدارته "لا ينظر للقضية الفلسطينية على أنها أولوية"، ولم يقدم "الدعم المطلوب" لجهود وزير خارجيته جون كيري التي "انتهت بالفشل" للتوصل إلى حل تفاوضي لها، وهو يكتفي ب"إدارة الأزمة" فحسب، و"من الصعب أن تجد اليوم متخصصا حقيقيا في ملف النزاع العربي – الإسرائيلي داخل البيت الأبيض". هكذا لخص الوزير الأردني السابق ونائب رئيس مركز كارنيغي الأميركي للشرق الأوسط حاليا مروان المعشر موقف إدارة أوباما في مقال له نشرته اللواء اللبنانية يوم الخميس الماضي.


www.deyaralnagab.com