logo
الدكة والنهوة والفصلية.. أعراف عشائرية تهدد نسيج المجتمع العراقي!!
بقلم : عمر الجنابي  ... 10.06.2019

تنتشر في المجتمع العراقي، لا سيما القبلي، العديد من الأعراف الاجتماعية التي يعتبرها الكثيرون مخالفة للقوانين والأعراف الإنسانية والدولية، خصوصاً فيما يخص موضوعات الزواج؛ منها ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" أو "زواج الفصلية" أو "زواج الدية" إلى جانب "النهوة العشائرية".
فـ"زواج الفصلية" أو "زواج الدية" هو عرف عشائري يقضي بتزويج امرأة من قبيلة إلى رجل في قبيلة أخرى بهدف حقن الدماء بين القبيلتين والتراضي وسد الطريق أمام المشاحنات والخلافات مستقبلاً، حيث إن هذا العرف ما زال منتشراً في بعض مناطق العراق على اختلاف عاداته العشائرية من الشمال حتى الوسط والجنوب.
وفي جو يسوده الحزن والصمت تغيب مراسم الفرح غالباً في هذا النوع من الزواج، على عكس المظاهر التي تعم الزواج الرسمي والعلني بين محبوبين أو عاشقين أو قريبين، حتى وإن كان زواجاً تقليدياً؛ على اعتبار أنه زواج من "امرأة فصلية"، بموجب التقليد الذي تمليه العادات القبلية والعشائرية القديمة لحقن دماء العشائر المتخاصمة.
والمرأة "الفصلية" تكون ضحية زواج الدم، الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه، تحت عنوان "الثأر" في أغلب الأحيان.
وهذه المرأة تعيش من خلال هذا الزواج في الغالب تحت ضغوط نفسية شديدة لا يمكن تحمّلها؛ منها ممارسة حياتها اليومية مثل الخادمة، ولا يمكنها أن تعترض على أي شيء، بل تنفذ الأوامر وتلبي طلبات العائلة، وكثيراً من الأحيان تنتهي حياة المرأة بالقتل بحجة الانتحار أو مزاعم عديدة منها الحوادث المؤسفة.
أما النهوة فهي عُرف عشائري قديم يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة، وبموجب هذا العرف فإن عم أو ابن عم الفتاة "ينهي" على الفتاة، أي إنه يمنعها من الزواج بشخص آخر غيره حتى لو بقيت من دون زواج مدى الحياة.
وفي وقت سابق عالج القضاء العراقي ما يُعرف بـ"الدكة العشائرية" من خلال تشريع قانون يمنع انتشارها أو التعامل بها في البلاد، وبالفعل أدى التشريع الجديد إلى انحسار الظاهرة بشكل ملحوظ بعد أسابيع من تطبيق القرار.
والدكة العشائرية هي عرف يتلخص بإقدام مسلحين ينتمون لعشيرة ما على تهديد عائلة من عشيرة أخرى من خلال عملية إطلاق نار أو إلقاء قنبلة يدوية أحياناً على منزل المقصود، كتحذير شديد اللهجة لدفعه للتفاوض لتسوية خلافٍ ما، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف تتطور الأمور لتؤدي إلى المواجهة العلنية، وغالباً ما يسقط فيها ضحايا من الطرفين.
الشاب أحمد الأحبابي لخص معاناته بكلمات قائلاً: "أحب بعضنا بعضاً وتعاهدنا على ألا يفرقنا إلا الموت، لكن التيار كان أقوى منا"؛ وذلك بسبب نهيه عن الزواج من الفتاة التي أحبّها خلال دراسته الجامعية في إحدى الجامعات العراقية بحكم الظواهر الاجتماعية والقبلية التي تمنع هذا النوع من الزواج، رغم مخالفتها لقانون الأحوال المدنية.
ويقول الشاب العراقي في حديث مع مراسل "الخليج أونلاين"، يوماً بعد آخر وبلهفة كبيرة كُنت أنتظر إكمال الدراسة الجامعية لأتفرغ للعمل من أجل تكوين أسرة جديدة وأكمل نصف ديني بالزواج من الفتاة التي أحببتها منذ أكثر من 5 سنوات، وخصوصاً بعد حصول الموافقة المبدئية من أهل الفتاة".
وأوضح: "لم أكن أعلم ولا الفتاة أو حتى أهلها أن أحداً من أبناء عمومتها يرغب بالزواج من فتاة أحببتها وأحبتني لسنوات عديدة". ولفت إلى أنه تلقى اتصالاً هاتفياً في ساعة متأخرة من الليل من أحد أبناء عمومتها يهدده بالقتل إذا اقترب من الفتاة مرة أخرى.
وأضاف: إن "نهيي عن الزواج ممن أحببتها كان بمنزلة الصدمة"، مشيراً إلى أنه أصبح هو وحبيبته التي أُجبرت على الزواج من ابن عمها بعد ضربها بشكل مستمر من ذويها ضحية لتقاليد وسنن عشائرية ظالمة"، مبيناً أن "المرأة وُئدت مرتين؛ الأولى في زمن الجاهلية بعدما كانت تدفن وهي حية، والثانية في زمن الإسلام والديمقراطية وذلك من خلال إجبارها على الزواج من ابن عمها تحت مسميات الأعراف والتقاليد".
ويصنف محامون وقانونيون في قصر العدالة في العاصمة بغداد ظواهر الزواج تحت الإكراه بأنها "جرائم يحاسب عليها القانون"؛ وذلك لفقدانها أهم ركن من أركان عقد الزواج والمتمثل بتوافق الإيجاب والقبول من كلا الطرفين، "والذي بدونه يصبح عقد الزواج باطلاً".
ويؤكد خبراء وقانونيون أن نظرة المُشرع العراقي في هذا الموضوع جاءت من خلال نص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959، حيث تنص هذه المادة على: "معاقبة من يُكره شخصاً، ذكراً كان أم أنثى، على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج، بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى".
لذلك يمكن تصنيف "النهوة العشائرية" ضمن جرائم التهديد، رغم أن قانون العقوبات العراقي لم يذكر مفردة "النهوة" على وجه الخصوص، الأمر الذي تعتبره القبيلة بأنه ثغرة ولا يمكن محاسبة مرتكبيها.
وفي هذا الشان قال المحامي ماجد الدليمي، في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية تنُص على أنه لا يحق لأي أحد من الأقارب إكراه أي شخص على الزواج، كما يعد عقد الزواج بالإكراه باطلاً إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق للأقارب منع من كان أهلاً للزواج -بموجب أحكام هذا القانون- من الزواج".
وأضاف الدليمي: إن "قانون الأحوال الشخصية فرض عقوبات على كل من يخالف أحكام المادة الأولى بالحبس لمدة لا تزيد على 3 سنوات في حال كان القريب من الدرجة الأولى، أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات، أو الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات".
وأشار إلى أنه "رغم كل هذه العقوبات على المخالفين لا تزال النهوة العشائرية سائدة في المجتمع العراقي، وخصوصاً المناطق الريفية، وتحديداً مناطق جنوب العراق"، منوهاً بأن "أغلب حالات الطلاق والانتحار والخلافات الأسرية سببها الزواج بالإكراه، سواء كان إكراه المرأة أو الرجل".
ونتيجة لاستفحال ظاهرة "النهوة العشائرية" بشكل لافت وارتفاع نسبة ضحايا هذا العرف العشائري، وجّه مجلس القضاء الأعلى في العراق باعتبار "النهوة العشائرية" جريمة وبمعاقبة مرتكبيها.
وقال المتحدث باسم مجلس القضاء، عبد الستار بيرقدار، في بيان حصل "الخليج أونلاين" على نسخة منه: إن "مجلس القضاء الأعلى ناقش جرائم التهديد على خلفية ما يعرف بالنهوة التي تستخدم في منع الزواج".
وأوضح بيرقدار أن المجلس "وجّه بضرورة تطبيق أشد الإجراءات القانونية والعقوبات بحق مرتكبيها".
من جانبها قالت الناشطة المدنية ومديرة تمكين المرأة العراقية، حسنة الجنابي: إن" ظاهرة النهوة العشائرية تُعد من أبرز مظاهر العنف ضد النساء في العراق، حيث تجبر فيها الفتاة على قبول الزواج من ابن عمها رغم عدم مقبوليته لها في بعض الأحيان".
وأضافت في حديث لمراسل "الخليج أونلاين": إن "أغلب الزيجات من هذا النوع تنتج عنها أسرة غير سعيدة؛ بسبب عدم تفاهم الأبوين، ما سينعكس سلباً على أفراد الأسرة التي ستكون على أساس الإكراه والإجبار".
وأشارت الجنابي إلى أن "النهوة العشائرية حرمت المرأة من أبسط حقوقها وهي اختيار الزوج الذي اشترطه الدين الإسلامي الحنيف، فضلاً عن تأكيده قبول الفتاة الزواج من أجل إنشاء أسرة مبنية على أسس صحيحة وسليمة".
ودعت الجنابي جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتمكين المرأة إلى "أخذ دورها في محاربة ظاهرة النهوة العشائرية، والسعي إلى سن القوانين التي تكافح هذه الظاهرة".
وحتى المجتمعات القبلية تدعو في كثير من الأحيان السلطات الحكومية إلى ضرورة تفعيل القوانين المدنية التي من شأنها القضاء على التقاليد والأعراف العشائرية، ومنها "زواج الفصلية" الذي "يسلب المرأة حريتها وكرامتها.
وسبق للعراق أن ألغى عام 1958 قانون العشائر، وقضى على سلطة القبيلة السياسية، وحوّلها إلى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع إليها للمشورة. لكن الفراغ السياسي الذي خلّفه الغزو الأمريكي بعد عام 2003، عقب سقوط النظام العراقي السابق، أعاد للعشائر نفوذها من جديد، وسط غياب شبه تام للعدالة الاجتماعية وتطبيق القانون مع انتشار واسع للفساد في معظم مؤسسات الدولة!!

*المصدر : الخليج أونلاين

www.deyaralnagab.com