logo
قبل ان يصوت البرلمان الاسرائيلي على توصيات لجنة برافر ...!!
بقلم : د. منصور النصاصره*  ... 01.11.2011

على الرغم من موافقه الحكومه الاسرائيلية على توصيات لجنه برافر , اهل النقب لن يتنازلوا عن مطالبتهم الشرعية بملكيتهم التاريخية لاراضيهم في قضاء بئر السبع.
توصيات لجنه برافر والتي اقرتها الحكومة الاسرائيليه باحدى جلساتاها الاخيرة تنادي بترحيل" 30,000 "من عرب النقب عن اراضيهم التاريخية وتركيزهم في قرى التوطين القسري. هذه الخطوة هي عبارة عن الحلقه الاخيره من مسلسل تهجير اصحاب البلاد العرب من النقب والذي ابتداْ من عام 1948 حيث ان اكثر من ثلثي العرب البدو القاطنين في لواء بئر السبع والبالغ عددهم انذاك حوالي 90.000 نسمه قد هُجّروا من موطنهم التاريخي الاصلي ليصبحوا لاجئين في الدول العربية المجاورة. فقد تشير الاحصائيات الى انه ما يقارب-12,500 من البدو قد بقوا تحت ظل الحكم الاسرائيلي بعد عام 1948 , حيث ان غالبيتهم ُطردوا من النقب الغربي الى منطقه السياج وتحولوا الى مهجرين في وطنهم.
منذ عام 2007 تصاعدت مداولات حكومية مختلفة, بداية من لجنه جولدبيرغ وألان لجنه برافر لاقتراح حلول مختلفة لتسوية الصراع على ملكية اراضي النقب. حيث يطالب العرب في النقب بالاعتراف باحقيتهم بملكية 600,000 دونما كجزء بسيط من اراضيهم التاريخيه في القضاء الجنوبي. وبالمقابل اشارت توصيات لجنه جولدبيرغ تسجيل ثلث الاراضي المُتنازَع عليها تحت ملكية عرب النقب وكذلك اوصت بالاعتراف ببعض قراهم ال غير معترف بها كخطوة جديدة في القاموس الاسرائيلي. الا ان لجنة برافر المُكلفة بتطبيق توصيات جولدبيرغ قد اقترحت مؤخرا على المواطنين العرب في النقب بحصولهم على ملكية جزء بسيط (قدرت ب 27%) فقط من الاراضي التي يطالبون بها والتي ترجع لجزء من ملكيتهم الخاصه منذ عهد الدوله العثمانيه.
إن تطبيق توصيات برافر ستؤدي الى تهجير معظم سكان القرى التاريخية الغير معترف بها عنوة الى البلدات العربيه القائمه في النقب دون الاصغاء لتوصيات لجنة جولدبيرغ التي اوصت بالاعتراف بعدد من القرى في النقب وببعض ادعاءات الملكية التي التمس بها العرب في النقب الى المحاكم الاسرائيلية منذ عام النكبة. هذا السيناريو يعيدنا الى ذاكرة تهجير اخر لاكبر عدد من اهل النقب في بداية الثمانينان من القرن الماضي من اهل " تل الملح" بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر حين هجر ما يقارب ال 5000 من اصحاب البلاد من تل الملح الى مدن التوطين القسري.
توصيات برافر تشكل فشلا ذريعا وخطأً تاريخيا اخفقت فيه الحكومة الاسرائيلية بالاعتراف بحق المواطنين العرب بملكيتهم على اراضيهم على غرار ما كان في فترتي الدولة والعثمانية والانتداب البريطاني. فلو قامت اللجنه بعملها كما يجب , لاكتشفت بان موظفي السلطات العثمانية, الانتداب البريطاني وكذلك التابعين لدوله اسرائيل نفسها اقروا بالاعتراف سابقا بملكية اهل النقب لاراضيهم كما يتبين من بحث اكاديمي شامل اجريته منذ زمن قريب في الأرشيفات البريطانية والاسرائيليه بل ومن خلال المقابلات الشخصيه العديدة التي اجريتها في بريطانيا وكذلك مع موظفين اسرائيليين من حقبة الحكم العسكري ومع اهل النقب انفسهم.
على سبيل المثال في المقابله التي اجريتها في بريطانيا عام 2008 مع اللورد اكسفورد- نائب حاكم قضاء بئر السبع في عهد الانتداب البريطاني بين الاعوام 1943-1945 ,اوضح بان سلطات الانتداب البريطانيه اقرت بملكيه عرب النقب على اراضيهم, حتى لو انها لم تتم عن طريق تسجيل رسمي حين قال " لم نعارض على ملكيه عرب النقب لاراضيهم, ولم نجبرهم على تسجيلها بالدوائر الرسميه ",وقال اللورد اكسفورد, كما جاء على لسانه ايضا "انهم (البدو) كانوا راضون من طريقه الاعتراف المتبعه لديهم باراضيهم, لذلك اعتقدنا بانه ليس من اللائق اجبارهم على عمل لا يرغبون به ويؤدي الى معارضتهم ." اللورد اكسفورد اقر ايضا بملكية اراضي بئر السبع كونها ملكية لقبيلة العزازمة وهذا ما ذكرته وثيقة عثمانية من عام 1901 حين اقتنى الاتراك جزء من اراضي بئر السبع من الشيخ حسن الملطعة.
شهاده اللورد اكسفورد والذي وافته المنيه في كانون الثاني عام 2011 تتناقض كليا مع الروايه الاسرائيليه والتي تدعي بعدم وجود اي ملكية تاريخية لعرب النقب للاراضي التي سكنوا عليها لاجيال عدة. وهنالك وثائق بريطانيه وعثمانية عديدة تشهد بان العرب في النقب دفعوا الضرائب المستحقه على تلك الاراضي مما يثبت ملكيتهم القانونية. مثالا على ذلك في تقرير من كانون الثاني لعام 1940 كتب مالكلوم ماكدونالد والذي شغل منصب سكرتير دوله لشؤون المستعمرات, انه اعترف بان ضريبه (“tithes”) والتي دفعت على يد المواطنين العرب في لواء بئر السبع تشكل شهاده على ملكيتهم للاراضي. بالاضافة الى وثائق منذ العهد العثماني والتي وجدت في الارشيفات البريطانيه تشهد على دفع البدو في قضاء بئر السبع للضرائب في قضاء بئر السبع منذ العام 1907 مما لا يترك شك في ملكيتهم القانونية لاراضيهم.
دليل اخر ومؤرشف وواضح كل الوضوح هو ما ذكرته مستندات مركز المحفوظات البريطاني ان ونستون تشرتشل وزير المستعمرات البريطاني قام بزيارة إلى النقب واجتمع مع المشايخ في بئر السبع عام 1921 واعترف بملكية أراضيهم دون ان يطلب منهم تسجيلها في الطابو. فهل اعتراف تشرتشل لا يكفي لاقناع المحاكم الإسرائيلية بملكية البدو لأراضيهم في النقب؟
يُشار إلى أن الاعتراف بشرعية ملكيه عرب النقب لاراضيهم استمر حتى بعد العام 1948. على سبيل المثال ففي عام 1952 كتب ميخائيل هنيغبي الحاكم العسكري لمنطقه النقب برساله سرية انذاك وجهها لوزارة الأمن ولديوان رئيس الحكومه قائلا انه " خلال الاعوام 1950-1952 تم جبايه مبلغ ,000 19 ليره اسرائيلية كضريبه اراضي من العرب في النقب من قبل الحاكم العسكري ومشايخ النقب. حيث دفع العرب انذاك في النقب مبلغ مقابل كل دونم معترف به بملكيتهم." فان قام هنيغبي بكل هذا الجهد لجبابة الضرائب المستحقة على اراضي الملك, فهذا ما هو الا اعتراف بملكية بدو النقب القانونية لاراضيهم- الامر الذي تجاهلته لجان جولدبيرغ وبرافر. ففي سنوات الخمسينات, معظم المواطنون البدو الذين بقوا في النقب قد دفعوا ضرائب الأرض المستحقة للدولة, والتي قد جُمعت عن طريق الحاكم العسكري او المشايخ البدو انفسهم .وتجدر الاشاره هنا بان الضرائب التي ُدفعت للسلطات البريطانية والاسرائيليه تشمل ايضا الاراضي المتنازع عليها اليوم بين البدو والدولة.
شهاده مشابهه وُجدت في أرشيف ألدوله (القدس) تابعه ل يوسف فايتس والذي كان له دور بارز لاحقا بإقامة ما يسمى بدائرة أراضي اسرائيل. ففي عام-1952 عين فايتس على رأس لجنه حكوميه لفحص ادعاءات الملكية للمواطنين العرب في النقب حيث توصلت اللجنه الى نتائج مهمه "التقرير الذي قدم اشار الى انه على الرغم من ان قسم من العرب الباقون في وطنهم بعد عام 1948 سُلبت أراضيهم التاريخية وتم تركيزهم في منطقه مغلقه-فان السلب لم يحرمهم من الملكيه على اراضيهم, واكد التقرير بان العرب في النقب اعتبروا بان كل الاراضي التي استصلحوها للزراعة اراضي بملكيه خاصه ولم يقدم التماس ضد هذا الادعاء".
لجنه فايتس اقترحت بانه وعلى الرغم من ذلك يمكن منع الاعتراف بحقوق العرب بملكيتهم على اراضيهم حتى ولو أُثبت أنهم استصلحوها لسنوات عديده وذلك عن طريق وقف فتح مكتب لتسجيل الاراضي في بئر السبع الامر الذي سيمنع العرب في النقب محاوله التسويه بشكل رسمي. يُشار إلى أن أعضاء اللجنة (والتي ضمت ايضا السيد توليدانو مستشار رئيس الحكومة للسكان العرب انذاك) طالبوا الحكومه بالاسراع باقرار قانون شراء الاراضي " من اجل المساعده بعمليه نقل الاراضي التي استصلحت بالماضي من قبل العرب في النقب لسلطات التطوير وكذلك اقترحت اللجنه دفع تعويضات في الحالات التي ينجح فيها عرب النقب باثبات ملكيتهم على الاراضي."
من هنا نستنتج بان اللجنه اقرت الحقيقه التاريخيه بان العرب البدو سكنوا النقب قبل قيام الدوله من خلال اعترافها باستصلاح الاراضي من قبل المالكين البدو وتوصياتها بتعويضهم في حال صودرت اراضيهم. فهذا دليل على اعتراف لجنة فايتس بشكل قاطع بملكيه اراضي البدو في قضاء بئر السبع التاريخي.
بدلا من التوصيه بتهجير 30,000 مواطن من عرب النقب, كان يجدربلجنه جولدبيرغ وبرافر فحص كل السجلات المسبقة في الارشيفيات الاسرائيليه منها والبريطانيه حول ملكيه الاراضي للمواطنين العرب في النقب, ولو قاموا بذلك, بالاضافة لو انهم استمعوا جيدا لمطالب البدو اصحاب الاراضي لما كانوا قد اقدموا على مثل هذه التوصيات التي هي بعيدة عن الواقع ولا تستند الى اي قوانين عثمانية او بريطانية للاراضي قبل ال عام 1948.
فعلى الرغم من موافقه الحكومه على توصيات برافر, فان المواطنين العرب في النقب لن يتخلوا عن مطالبتهم بملكيتهم لاراضيهم التاريخيه وسيبقوا رافعين لواء الاعتراف بحقوقهم حتى ان يظهر الحق. ودليل ما شهدناه مؤخرا في النقب –ربيع النقب- من مسيرات سلمية عديدة والتوجه الى المؤسسات العالمية في سبيل اثناء الحكومة الاسرائيلية عن قرارها ما هو الا خطوة صحيحة من النضال المستمر لرفض مخطط برافر وافشالة. فاذا استمرت جهود اصحاب البلاد بمسيراتهم السلمية ووقفاتهم الاحتجاجية سوف تتكلل بالنجاح وسيعود الحق التاريخي لاصحابه.

* محاضر لموضوع سياسات الشرق الاوسط والعلاقات الدوليه بجامعه اكستر البريطانيه في قسم العلوم السياسية.

www.deyaralnagab.com