logo
1 2 3 41122
صديق المهاجرين في الجنوب التونسي يجمع رسائل البحر المؤلمة!!
05.12.2017

تتكرر مشاهد الغرقى والأغراض التي يلفظها البحر على طول الساحل التونسي وخاصة في الجنوب يوميا وتؤلف حولهم الروايات والقصص المؤلمة التي ينسوها كلما لفظ لهم البحر غرقى آخرين، لكن محسن لهيذب موظف البريد في الجنوب التونسي جعل من أغراض المهاجرين غير الشرعيين شواهد في متحف خاص بمنزله على قسوة المغامرة البحرية التي يقوم بها الشباب من مختلف الجنسيات نحو القارة الأوروبية.
جرجيس ( تونس) - على مدار نحو ربع قرن، ظل محسن لهيذب يقضي الكثير من أوقاته على شاطئ مدينة جرجيس، جنوبي تونس، في انتظار أغراض المهاجرين غير الشرعيين التي تلقي بها أمواج البحر.
ويطلق لهيذب (في الستينات من العمر) على نفسه لقب “صديق المهاجرين” غير الشرعيين، أحياء كانوا أو أمواتا.
لا يكتفي لهيذب بجمع تلك الأشياء بل يحاول جاهدا بعث الحياة فيها من جديد سواء كانت أحذية أو ملابس أو قوارير، ووضعها على رفوف متحف خاص أقامه في منزله.
ومن داخل هذا البيت، وسط مدينة جرجيس، يقول الستيني “ما أقوم به هو حركة بيئية تهتم بذاكرة البحر والإنسان”.
ويضيف لهيذب “انطلقت الهواية معي منذ عام 1993، أخرج كل صباح باحثا عن كل ما يأتي به البحر وخاصة بقايا أشياء المهاجرين غير الشرعيين من أحذية وملابس وقوارير مياه لجمعها وإعادة رسكلتها (تدويرها) فنيا داخل فضاء ثقافي”. ويتابع “أصبحت أجد الكثير من الأشياء خاصة منذ عام 1996 عندما بدأت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من ليبيا نحو أوروبا”.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت تجارة الهجرة غير الشرعية في ليبيا، ومعها تزايدت أعداد الجثث المنتشلة على سواحل جرجيس وجربة وبنقردان في الجنوب التونسي، كما تفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية انطلاقا من السواحل التونسية، بين سبتمبر وأكتوبر الماضيين. وأعلن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، وصول 5 آلاف مهاجر تونسي غير شرعي إلى السواحل الإيطالية (فقط)، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وخلال السنة الحالية انتشلت السلطات التونسية 74 جثة لمهاجرين أفارقة على السواحل الجنوبية للبلاد. ويضع لهيذب كل ما يجده على الشاطئ في متحفه الخاص الموجود في الفضاء الخارجي لبيته على مساحة 500 متر مربع.
وينقسم المتحف إلى قسمين؛ الأول خارجي يعرض فيه الآلاف من الأشياء المكدسة فوق بعضها في شكل فني من قوارير مياه وقبعات وعظام لأسماك بحرية، إضافة إلى لوحة خشبية كُتب عليها باللغة الإيطالية “باستا حارقا” (يكفي من الهجرة غير النظامية).
أما القسم الثاني فداخلي، وفيه يعرض لهيذب لوحاته الفنية المتنوعة التي تحمل كل واحدة منها قراءات مختلفة، كما يعرض أحذية مُعلّقة في الفضاء ويقوم بتحريكها لبعث الحياة فيها مجددا بعد أن مات أصحابها. ومضى شارحا “أحاول من خلال هذه الحركات التلقائية التضامن مع هؤلاء المهاجرين الذين لقوا حتفهم في البحر”.
وتابع لهيذب بحسرة تبدو على ملامحه “أكثر الأشياء التي تحز في نفسي عندما أجد أحذية أو ملابس خاصة بالأطفال الصغار غير المسؤولين عن مصيرهم”.
“في إحدى المرات وجدت ثوب طفلة صغيرة وتأثرت به إلى درجة أني علّقت الثوب فوق سيارتي، وانطلقت نحو وسط المدينة بأهازيج موسيقية في محاولة لإقامة عرسها الذي لم تستطع إقامته في الدنيا بعد أن قتلت أمواج البحار آمالها وخطفت روحها البريئة”، هكذا روى لهيذب إحدى القصص الحزينة التي ترويها الهجرة غير الشرعية.
وفي عام 2002، تمكن التونسي لهيذب من دخول موسوعة “غينيسه للأرقام القياسية وذلك نظرا للمجهود الفردي غیر العادي الذي قام به في حماية البیئة والمحیط، وهو المجهود الذي تكلل بجمع القوارير والأكیاس البلاستیكیة وغیرها من النفايات العائمة على سطح البحر والملوثة للنظام البیئي والإيكولوجي البحري والبري والمضرة للإنسان والثروة السمكیة.
قناني الحكايات
وبحسب لهيذب فإن شهادة “غينيسه مهمة جدا، ولكن الأهم عنده هو تنبيه الشباب إلى خطورة الهجرة غير الشرعية، فالكثير من الشباب الزائرين للمتحف، ومن خلال الحديث معهم، اقتنعوا بضرورة الإقلاع عن فكرة ركوب قوارب الموت نحو أوروبا.
ويقوم لهيذب بهذا العمل للتوعية بخطورة الهجرية غير الشرعية وعواقبها المريرة، فهو يفتح متحفه للرحلات المدرسية، ويتنقل إلى المدارس أحيانا لتقديم دروس حول خطورة الهجرة غير الشرعية. ويقول في هذا الإطار “أغلب المهاجرين ينتهي بهم الأمر غرقا في البحر ليكونوا لقمة للأسماك أو جثثا تدفعها الأمواج إلى الشاطئ، لهذا يجب دائما تنبيه الشباب والصغار لهذا الأمر”.
ويوضح “أنا ضد الهجرة غير النظامية في مدن شمال أفريقيا رغم صعوبة العيش في هذه المنطقة، ولكن هذا الوضع غير موجود في تونس مثلا، صحيح أن هنالك ظروفا صعبة لكنها ليست ظروفا قهرية كالموجودة في بلدان أفريقية أخرى”.
وفي جانب آخر من متحفه، يعرض التونسي العشرات من القوارير المائية التي تحتوي على رسائل بحرية قام بجمعها على مدى أكثر من عشرين سنة.
ويقول محسن لهيذب “أكثر من مرة وجدت رسائل بحرية من أشخاص في أوروبا أو غيرها، وتواصلت بعدها معهم، وآخرهم فتاة من إسبانيا كتبت في رسالتها أنها ستقدم على الانتحار واتصلت بها في ما بعد هاتفيا وأقنعتها بضرورة العدول عن فكرة الانتحار”.


www.deyaralnagab.com