logo
1 2 3 41122
شط العرب مكب للنفايات، رئة البصرة تختنق!!
28.11.2017

يعاني شط العرب الذي يشق مدينة البصرة العراقية من تفاقم حالات التلوث التي طالته من عدة جهات، حيث تحولت مياهه إلى لون داكن وفاحت منها روائح عفن حالت بينه وبين سفن التجار ومن يرتاده من عائلات وشباب بهدف الترفيه عن النفس، ليصبح بذلك مصبّا لكل أنواع النفايات بدءا بالسفن الغارقة وصولا إلى جثث المنتحرين والمغدورين.
البصرة - لم تمر على شط العرب (نهر تكون نتيجة التقاء نهري دجلة والفرات في منطقة كرمة علي، المدخل الشمالي لمدينة البصرة العراقية)، فترات موجعة كالتي مرت عليه خلال الـ37 سنة الماضية، ففي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي تحول النهر الشهير، الذي يخترق البصرة على مسافة 200 كلم، ويقسمها إلى شطرين، قسم غربي وآخر شرقي، إلى مقبرة للسفن الغارقة ومكب للنفايات والمياه العادمة.
واعتبرت الميليشيات الرابضة في البصرة، النهر وكان اسمه في ما مضى “دجلة العوراء”، منذ العام 2003 مكانا مناسبا لها لرمي جثث المغدورين في مياهه.
وصار الشباب حاليا يستخدمون أعلى نقطة في الجسر الإيطالي، الذي تم إكمال العمل فيه بداية العام 2017، للانتحار من فوقه، حيث تعثر دوريات الشرطة بشكل دوري على جثثهم في مياه النهر. ويعتبر هؤلاء الشباب من المحبطين، والعاطلين عن العمل والمدمنين على حبوب الكريستال الإيراني (حبوب مخدرة يتم تهريبها من إيران للعراق).
كما حولت إيران بعد الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 نفاياتها والمياه العادمة من معاملها في عبادان (جنوب غرب إيران) نحو شط العرب وخصوصا من نهر الكارون وترعة بهمشير، بالإضافة إلى تقليل تركيا حصة العراق من المياه بسبب السدود التي أنشأتها في جنوب البلاد على نهري دجلة والفرات، مما أدى إلى زيادة الملوحة فيه وزيادة نسبة الملوثات.
وعمدت الكثير من المشاريع العمومية والخاصة، نظرا إلى غياب الرقابة الحكومية العراقية، إلى تحويل فضلاتها الصناعية نحو النهر، وآخرها ما تم رميه فيه من كميات كبيرة من النفط الأسود ومخلفات الزيوت المحروقة، التي تسببت في ظهور بقعة كثيفة من الزيت الأسود على صفحته وبقيت طافية لعدة أيام.
قصص الحب
قال حسيب غضبان (70 عاما)، مدرس لغة عربية متقاعد لـ”العرب”، متذكرا الأيام الحلوة التي قضاها قريبا من شط العرب، وهو يتابع موجات النهر الملوثة بعينيه ورائحة عطنة من المياه الثقيلة التي لوثت مياهه تملأ المكان، “قضينا أجمل سنوات العمر قريبا من شط العرب. كان لا يحلو لي مساء من دون أن أقضيه مع شلة أنس من الأصدقاء في زورق بخاري، مما يطلق عليه -زورق عشاري- وكانت آلاتنا الموسيقية معنا؛ كالطبول والدفوف والزنجاري والعود. ونحمل معنا عشاءنا وناركيلاتنا.
وعلى ضوء القمر يسري بنا الزورق البخاري، ونحن في غناء وضحك وسعادة، حتى نصل مزرعة أحد الأصدقاء في أبي الخصيب، لنقضي السهرة إلى الفجر بين داليات العنب وأشجار الرمان ونخيل البرحي ونسيم شط العرب الرطب والصحبة الطيبة”.
وأضاف “كان أهل البصرة يمرون بسيارات أعراسهم عصرا على كورنيش شط العرب، والفرح لا يكتمل بغير هذا المرور المبارك على النهر.
ويجتمع الناس كذلك في المقاهي والكازينوهات المطلة على شط العرب في الأيام الساخنة من شهر يوليو للتمتع بنسيم النهر البارد، وكذلك في عيد نوروز (رأس السنة الفارسية)، ومولد الرسول الكريم، وعيدي الأضحى والفطر. أما حديقة الأمة في نهاية شارع الكورنيش، فقد كانت مكانا للقاء العشاق، وتحكي مصطبات حديقة الأمة والمصطبات المطلة على شط العرب الكثير من قصص الحب التي انتهت بالزواج وتكوين عائلات سعيدة”.
وتابع غضبان “هذا النهر كان بهجة للبصريين ومكان نزهة للسائحين من دول الخليج خصوصا من الكويت، وكان الكويتيون يأتون ليلة الخميس ويمضون إجازة الجمعة في البصرة قبل أن يعودوا إلى الكويت”.
الأبوام الهندية
أوضح نزار عبود، إعلامي عراقي لـ”العرب”، أن مسيرة آلام النهر المأساوية بدأت في الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، وأثناء حرب تحرير الكويت في العام 1990 حين كانت غارات الطائرات تركّز على السفن الراسية في النهر، وتغرقها بالرغم من كونها سفنا مدنية وترفع علم الملاحة الدولية إضافة إلى العلم العراقي.
وأضاف “لقد أدى حطام السفن الكثير في النهر إلى تعطيل حركة مرور السفن القادمة من مياه الخليج العربي. يتذكر البصريون أنه في السبعينات كان النهر يغص بالسفن التجارية الكبيرة التي كانت ترسو وسط النهر، وكل مساء يهبط بحارة هذه السفن إلى مدينة البصرة ليمضوا أوقاتهم في المقاهي والكازينوهات والأسواق وأماكن اللهو المطلة على النهر”.
وذكر إسماعيل علي (60 سنة)، صاحب زورق بخاري في الشط لـ”العرب”، “كان شط العرب يغصّ بالأبوام الهندية (القوارب الخشبية الكبيرة) وكل بوم يحمل عدة أطنان من البضائع من الهند وباكستان، وتحمل في عودتها إلى بلدانها منتجات عراقية، كالتمور والحبوب كالقمح والرز العنبر وغير ذلك”.
توقف الحياة
وقال علي حسين (75 عاما)، صاحب كشك لبيع الحمص المسلوق على النهر، وهو يحرك كفيه في الهواء كأنما يسترجع ذكريات لا تزال حاضرة في ذهنه بكل دقائقها وتفاصيلها بالرغم من أنها حدثت منذ أكثر من ثلاثة عقود، “كانت الحركة لا تهدأ في شط العرب خلال السبعينات، فقد كان عمال نقل حلانات التمر (سفيفة من الخوص مملوءة بالتمور البصرية المكبوسة) في حركة مستمرة قبل الفجر من الدوب الكبيرة (ناقلة ضخمة للبضائع يدفعها زورق بخاري) التي كانت تملأ النهر إلى الأبوام الهندية”.
تلوث النهر
حسين يقول أيضا، وهو يحدق صوب مياه الشط التي تلونت بلون تلوث غامق يعاني منه الشط في الوقت الحاضر، “كنت وقتها أعمل نادلا في كازينو البدر، ومنذ الصباح الباكر أستيقظ لأعد الشاي المهيل لعمال التمور وأظل مع بقية عمال الكازينو إلى ساعة متأخرة من الليل. كان شط العرب في ذلك الوقت كل ما نعرفه عن العالم. وكنا ننتظر أن يجلب لنا كل يوم الخير والفرح. وكنا نلتقي نهارا وليلا مع أناس من الخليج والهند وباكستان وتايلاند وأوروبا، جاؤوا ليتفرجوا على النهر وينعموا بنسماته الباردة، ويقضوا وقتا ممتعا في الكازينوهات المنتشرة على ضفته الغربية، ونتعلم منهم ويتعلمون منا. كان اليوم حافلا بالعمل والفرح وكلما نظرنا إلى طائر النورس في الصباح، وهو يعمل بجد لاصطياد الأسماك الصغيرة شعرنا بأن الحياة جميلة، وينبغي أن نعيشها وفي الصباح نسمع فيروز تغني، وفي المساء نسهر مع السيدة أم كلثوم في إحدى سهراتها الغنائية”.
وأفاد أبوحيدر (30 سنة)، عامل في عوامة بشط العرب، “كثرت في الوقت الحاضر العوامات التي توفر جلسات ليلية ممتعة للزبائن للتمتع برؤية شط العرب في المساء، وقضاء وقت طيب مع الأصدقاء في مكان هادئ ولطيف.
وتوجد عدة عوامات في الشط كمجمع اليقين ومطعم وكازينو تستاهل البصرة والتاكسي النهري الذي ينتقل برواده في جولة بشط العرب، كما توجد مدينة ألعاب ‘هبي لاند’ العائلي على ضفة النهر وتوجد فيها مختلف الألعاب، إضافة إلى لهو الأطفال من الدواليب الطائرة إلى دولاب الهواء الضخم، والأراجيح الضخمة والكازينوهات العائلية”.
حبوب الكريستال الإيرانية
تابع أبوحيدر أيضا القول “رواد العوامات في شط العرب من مختلف المستويات ولكن من روادها أيضا شباب من المدمنين على أنواع المخدرات التي تدخل إلى العراق من إيران، كالحبوب المهلوسة والكريستال. وهؤلاء الشباب المرضى يسيئون لأنفسهم وللرواد، خصوصا وأن الناس أخذوا يمتنعون في الفترة الأخيرة عن قضاء أوقاتهم في هذه العوامات اتقاء لشر هؤلاء المدمنين. ويحاول العاملون إبعاد هكذا أنواع من السهر فيها، ولكن أعدادهم في تزايد ما لم تقم الحكومة بمكافحة تهريب المخدرات وإدخال الشباب المدمنين إلى مراكز لعلاج الإدمان”.
وكشف ناصر محمود، باحث في العلاقات الدولية لـ”العرب” عن الجسر المعلق الجديد على الشط، الذي أفتتح قبل شهور قليلة بالقول “الجسر الذي أقامته شركة إيطالية على شط العرب، هو الجسر الأطول والأعلى على هذا النهر. ويربط المنطقة الحدودية الشلامجة التي تقع بين العراق وإيران. ومرت من فوقه فور افتتاحه بضاعة إيرانية موجهة إلى العراق (خلال فترة أربعة شهور فقط) تقدر بحوالي 7 مليارات دولار”.
وأشار إلى أن “الجسر الجديد على شط العرب يعتبر من الجسور الحيوية للسيطرة على السوق العراقية بعدما عمدت الأحزاب الإسلامية، والتي لها شخصيات نافذة في الحكومة العراقية، إلى تعطيل معظم المعامل والمصانع في البصرة بشتى الذرائع، كمعمل الحديد والصلب، البتروكيماويات، معامل الثرمستون، البناء الجاهز، معمل الورق، والأنابيب الكونكريتية. وتم أيضا تعطيل أكثر من 56 خطا إنتاجيا من معمل الأسمدة الضخم بالبصرة من مجموع 60 خطا إنتاجيا كان عاملا لمعمل الأسمدة قبل العام 2003”.
وأوضح محمود أن “الجسر يسمح بمرور السفن التجارية من تحته، ولكن زيادة الطمي في قاعه، بسبب توقف أعمال الصيانة للنهر، منعت دخول السفن التجارية، التي كانت في السبعينات تبحر لعدة كيلومترات إلى الداخل لتصل إلى ميناء المعقل وتفرّغ حمولاتها. وعلى النهر خمسة موانئ تجارية مهمة هي خور عبدالله والمعقل وأم قصر الشمالي والجنوبي وأبوفلوس”.
وقال يونس عدنان، مهندس معماري، “قضاء شط العرب يقع شرق شط العرب، وعلى امتداد ضفته وتبلغ مساحته 400 كلم مربع، ويربطه بغرب البصرة حاليا جسر على قوارب، وأضيف إليه قبل شهور الجسر الإيطالي ولكن قبل ذلك كانت عبّارة تسمّى ‘الطبكة’ تتناوب بالذهاب والمجيء لنقل الناس والسيارات والبضائع من ضفة إلى أخرى من شط العرب”.
وأضاف “القضاء كان عبارة عن مزارع نخيل ومنطقة سكنية ــ التنومة ــ التي تنتهي أبنيتها بمنشآت جامعة البصرة، ولكن أغلب هذه المزارع اندثرت ومات نخيلها بسبب تلوث مياه النهر وزيادة ملوحته. وبنيت الكثير من البيوت العشوائية بعد الاحتلال عام 2003 ما يسمى بالحواسم وفي الأماكن المخصصة للخدمات العامة مما أساء إلى عمران القضاء.
وتشير خارطة القضاء إلى أن مساحة التصميم الأساسي 11 كيلومترا لكنها في الوقت الحالي أكثر من ذلك بكثير، مما أفقد قضاء شط العرب جماليته المعمارية وهدوءه وانسجامه السكاني!!`
*كتب فيصل عبدالحسن..ّالمصدر: العرب


www.deyaralnagab.com