logo
1 2 3 41122
سوق برقاش للجمال مقصد المصريين في عيد الأضحى!!
27.08.2017

أصبح للحم الجمل الأولوية عند الكثير من المصريين بعد أن كان آخر البدائل التي يلجأون إليها، والسبب ارتفاع أسعار اللحوم الأخرى، وخوف الناس من انتشار أمراض الحيوانات، ومن تسرب لحوم الحمير إلى الأسواق، وهذا الإقبال أدى إلى انتعاش سوق “برقاش” للإبل، التي استمدت اسمها من جبل برقاش الذي يحيط بالقرية التي توجد السوق بها وتحمل نفس الاسم، وهي قريبة من القاهرة.
القاهرة - مع اقتراب عيد الأضحى، تتهيأ أسواق الجِمال في مصر للاحتفال بالعيد الذي يُعد الموسم السنوي لبيع اللحم والأضاحي، وأكثر تلك الأسواق شهرة سوق “برقاش” بمحافظة الجيزة (شمال غرب القاهرة)، التي تشهد في هذا التوقيت إقبالا غير مسبوق حيث يفد إليها التجار والمواطنون، على خلاف الأوقات الأخرى التي يكون فيها شراؤهم للحوم من الجزارين.
أزمة ارتفاع أسعار اللحوم الأخرى، مثل الأبقار والجاموس والأغنام، أدت إلى زيادة الإقبال على لحم الجمال، إضافة إلى ظهور أمراض وأوبئة في الحيوانات الأخرى غير الجِمال ما زاد من ثقة المواطنين وإقبالهم على لحومها.
وعلاوة على هذا، فإن سوق الإبل تجاوزت كونها مجرد سوق للحوم ومتنفس غذائي للبسطاء، وأصبحت مقصدا مدرجا على أجندة الزيارات السياحية للعرب والأجانب كنوع من الترفيه للسائحين بما تقدمه من سباقات للهجن، فباتت قبلة للكثير من المصورين المحليين والعالميين.
الحسن أبوزياد عامل بالسوق وينتمي إلى قبيلة العبابدة بحلايب وشلاتين، أوضح أن الجمال تأتي من كل أنحاء أفريقيا، إثيوبيا وأوغندا والصومال وجيبوتي، لكن 90 بالمئة منها تأتي من السودان.
“العتالة ” أو “الكُلّة” هي الوصف الذي يطلق على مهنة شحن وتفريغ الإبل التي تأتي من السودان إلى الأراضي المصرية عبر منفذ “حدربة” جنوب حلايب، وكذلك من سوق الجِمال بمدينة الشلاتين، حيث يتم تحميل الجمال في السيارات.
أبوزياد شرح لـ”العرب” أنه في الماضي كانت القافلة تتعرض أحيانا للسطو والسرقة، لكن هذه الظاهرة قلت الآن كثيرا لأن الطريق أصبح أكثر أمانا، وأكد أن الخبير الذي يقود القافلة لا بد أن يكون قد مارس مهنة الرعي لمدة 30 عاما، حتى يرقى إلى درجة خبير بالرحلة.
ومازالت القوافل تسلك نفس الطريق الذي سلكته منذ مئات السنين عبر شريان بري يربط بين مصر والسودان، فتقطع الآلاف من الأميال فوق رمال الصحاري القاحلة والوديان الوعرة بعيدا عن مجرى النيل كون شواطئه موطنا لحيات سامة تباغت الجمال وتفتك بها، وأيضا بعيدا عن أماكن الصخور لأنها تدمي أقدام الجمال.
تلك الرحلة لا تحتملها إلا الجمال القوية، وتسير في قوافل تضم الواحدة منها نحو 150 جملا عبر “درب الأربعين”، الذي استمد اسمه من رحلة الأربعين يوما التي تقطعها الإبل منذ انطلاقها من “أم درمان” في السودان حتى وصولها إلى حلايب وشلاتين.
وأشار أبوزياد إلى أن سير الرحلة عادة ما يكون أثناء الليل لشدة حرارة الشمس في الصيف، والجمال الواردة من السودان يطلق عليها “التبوكة” وتصل سيرا على أخفافها، ثم يتم تحميلها على السيارات من على “تبّة الجمال” لنقلها إلى محافظات أخرى.
وأوضح عامل “الكلّة” أنه في الماضي كان يتم صعود الجمال إلى السيارات عن طريق تبة ترابية (قمة مرتفعة) تقترب من سطح صندوق السيارة ويُسحب الجمل إليها لتحميله، أما الآن فقد تم إنشاء تبة أسمنتية طولها 98 مترا وارتفاعها يصل إلى ارتفاع سيارة النقل وبها تجهيزات لركن السيارات وتحميلها.
وعندما تصل الجمال إلى مصر تمر بما يزيد على عشرين محطة، أهمها المحجر الصحي (المحطة الطبية)، حيث يتم توقيع الكشف الطبي عليها للتأكد من خلوها من الأمراض مع احتجازها لمدة 48 ساعة توضع خلالها تحت الملاحظة الطبية.
وعقب انتهاء هذه المدة يتم استخراج شهادة صحية تسمى “بطاقة تسجيل بيانات حيوان” تعلق في أذن الجمل ويكون مدونا عليها سلالته ومكان نشأته وكل صفاته كما أن بداخلها بيانات التاجر، وتلك البطاقة ترافقه حتى الوصول على سيارات النقل إلى سوق “برقاش”.
سوق برقاش أنشئت منذ 22 عاما تقريبا، بعد أن نقلت من موقعها القديم (سوق البراجيل بمحافظة الجيزة) في عام 1995 بقرار من الحكومة المصرية بهدف تسيير حركة المرور وضمان السيطرة الأمنية على تلك التجارة التي كان يُعتقد أنها تستخدم في تهريب الأسلحة من السودان ومدن الصعيد إلى القاهرة، وهي الآن تستقر على مساحة 25 فدانا بقرية برقاش، وسنويا يباع في السوق قرابة المليون جمل.
وتشكل تجارة الجمال مصدر رزق رئيسيا لسكان القرية البالغ عددهم 44 ألف نسمة، فغالبيتهم فقراء يعتمدون على المهن المساعدة لأنشطة السوق، كبيع الأدوات المستخدمة في الذبح والسلخ، وتقديم الشاي والمأكولات للمترددين على السوق، وتوفير سكن مناسب لمن يرغب في الإقامة يوما أو يومين بالقرية لإتمام تجارته، ورعاية الجِمال وشحنها في سيارات النقل.
وفي رحلتها إلى سوق “برقاش” رصدت “العرب” أن الإبل تصل إليها عبر طريق ملتو نصف ممهد يشق صحراء شبه جدباء تتناثر حولها شجيرات صغيرة ونباتات يابسة بالرغم من قطرات الندى الحائرة على أوراقها، وفي هذه الامتدادات كلما اقتربت السيارة من السوق تمر بالعشرات من الجمال النافقة الملقاة على جانبي الطريق، منها ما هو مشتعل فيه النار ومنها ما هو على حالته.
الحاج ناصر (صاحب محل جزارة ومرشد في الرحلة إلى السوق) أشار بسبابته إلى الجمال النافقة، فأوضح أن البعض ممن ليس لديهم ضمير يحضرون إلى القرية في منتصف الليل، فيقومون بتحميل تلك الجمال النافقة لإعادة تداولها وبيع لحومها للناس على أنها لحوم صالحة للأكل.
وقال لـ”العرب” إن الأهالي باتوا يحرقون الجمال النافقة بعد أن لاحظوا بأعينهم العشرات من الجمال الملقاة في المساء وفي الصباح الباكر يكون المكان خاليا تماما منها.
والدخول إلى السوق مسموح به مجانا للتجار والمشترين، أما السائحون فيتم تخصيص تذكرة دخول لهم يعادل سعرها دولارا ونصف الدولار ليتمكنوا من التصوير.
وعند المرور من بوابة السوق الحديدية الضخمة يجد المرء نفسه مُحاطا بجدران عالية تفصله عن الواقع الرتيب بألوانه، ليدخل بعد ذلك إلى عالم له ثلاثة ألوان (أصفر وأبيض وأسود) حيث يمتزج لون وبر الإبل باصفرار رمال الصحاري، ليعيش من الساعة الخامسة فجرا وحتى الرابعة عصرا في عالم لا يمت بصلة إلى المدنية الحديثة.
وسط رغاء الجمال
في السوق، حالة من الصخب يرتفع فيها رِغاء الجمال، وحركة الجمال رشيقة رغم أنها معقولة (حيث يتم ثني إحدى قدميها) وتملأ المكان يمينا ويسارا بين شدّ وجذب مع بائعيها، وتتلقى ضربات بعصى غليظة كي تصعد بصعوبة إلى سيارة نقلها.
مشمش ناجي (عامل)، أشار إلى أن كل تاجر له الوشم الخاص به يوشم به جماله على الرقبة أو الفخذ أو الجلد منذ خروجها من موطنها الأصلي، حيث يوشمها عن طريق الكي بالنار حتى يمكنه التعرف عليها في أي مكان، إلى جانب أنها بمجرد وصولها للتاجر الجديد يرسم عليها حرفا أو رقما حتى لا تختلط في السوق بجمال أخرى.
ومكاتب التجار يصل عددها إلى أكثر من 32 يقوم أصحابها بمتابعة حركة السوق وتنتشر بينهم مصطلحات تجارية شعبيّة ومفردات تنتمي إلى عالم مختلف غريب على سمع القادمين الجدد على السوق، فهي تعبر عنهم فقط ولا يستخدمونها غالبا في الحياة اليومية خارجه.
وأصوات المئات من الرجال لهجتها غير قاهرية، ربما صعيدية أو سودانية، بملامح سمراء صارمة وأجسام قوية ترتدي عباءات فضفاضة تحتها صديري (قطعة من القماش لها أزرار أمامية) وفوق الرؤوس عمامة.
الحاج بسيوني (تاجر جمال) أكد لـ”العرب” أن بعض العائلات احتكرت البيع في الداخل من خلال مكتبها الخاص، فلا تترك مزادا أو صفقة بيع إلا واستحوذت عليها، وتحصل على جمل واحد أو صفقة جمال كاملة من البائع، لتعيد بيعها للزبائن، وفي بعض الأحيان تترك البائع يبيع ما بحوزته مقابل الحصول على هامش ربح يتعدى 150 دولارا في الجمل الواحد. هذا الاحتكار يرافقه الاحترام والمودة بين التجار، فالأسعار موحدة في ما بينهم يتفق عليها المعلمون الكبار بلا زيادة أو نقصان، كما أن لكل تاجر ‘حوش’ (مساحة معروفة محددة) لا يتعداه، وفي الغالب يلتزم الجميع بالقوانين لأن معظمهم عائلات بينها صلة قرابة.
مساحة السوق مقسمة إلى أحواش، ولكل تاجر مكانه الثابت ومكتب يجلس عليه ليتابع تفاصيل البيع، ويبدأ المشترون في التوافد متنقلين بين الجمال والمكاتب لاختيار ما يناسبهم من الأنواع المختلفة، مثل الدنقلاوي والبيشاري والزمكلي والعنافي والألعناني.
وكل أيام الأسبوع تشهد عمليات البيع والشراء، إلا أن يومي الذروة هما الجمعة والأحد، وفيهما يتغير نظام البيع من “ممارسة البيع والشراء” إلى “المزاد”.
والمزاد الذي يشارك فيه نحو 500 تاجر يبدأ دائما بكلمة “صلوا على الزين” (الرسول محمد صلى الله عليه وسلم)، وينتهي بكلمتي “الله يبارك” بعد فصال واختلاف وبعض الكلمات الغريبة التي يتفوه بها التجار ولا يفهمها سواهم، فيتغير مسار البيعة ليصلوا في نهاية اليوم إلى اتفاق ورضا بين البائع والمشتري.
وعلى مدار هذين اليومين تفتح السوق أبوابها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الثانية عصرا، فتتحول إلى قبلة للتجّار ومهرجان للإبل التي يكون لها راع مخصص متمكن وواع بما يفعل لأن السيطرة على الجمال ليست سهلة.
وفي المزاد يتم تزيين الجمل بالخيوط الملونة في الرأس وفي الساق، ثم يوضع في دائرة يظل يلف ويدور فيها للعرض على التجار والتعرف على مميزاته، ويقوم التجار بـ”عقل” الجمل حتى يُظهروا للمشتري أنه قادر على الوقوف على ساق واحدة، فيطمئن لسلامته وأيضا حتى لا يتحرك الجمل كثيرا في مساحة أكبر من الدائرة، وإذا لم يتم بيعه يخرج من المزاد.
أما إذا تم اختيار الجمل من جانب أحد التجار فيطلب من صاحبه أن ينيخ الجمل لكي يتفحص ظهره وأسنانه وسنامه، والجمل الجيد تكون عنقه طويلة وأذناه رفيعتين وعيناه واسعتين، مرتفع القوام وسنامه ممتلئ بالشحوم فوق ظهره وجلده خاليا من البكتيريا والطفيليات.
هيثم وجيه (مرب للجمال)، أشار إلى أن السوق في هذه الأيام لها طبيعة مختلفة، فمعظم الجمال التي يتم عرضها تكون كبيرة وسمينة باعتبارها ذبائح مع اقتراب عيد الأضحى. وأوضح أن علف الجمال يكون الذُرة الصفراء والبطاطا والبرسيم والفول والقمح، فضلا عن جميع الخضروات، وعمر الجمال القابلة للذبح تكون من عامين حتى ست سنوات.
وأكد وجيه لـ”العرب” أن وزن الجمل في المتوسط يكون حوالي مئتي كيلوغرام، وسعره يصل إلى ثلاثين ألف جنيه (ما يعادل 1666 دولارا)، وهناك جِمال قد يصل وزنها لـ600 كيلوغرام، ويصل سعرها لسبعين ألف جنيه (ما يعادل 3888 دولارا).
أسنان الجمل دليل قوته
أشهر أنواع الجمال التي يقبل عليها التجار نوعان، هما البَكر (الجمل الصغير جدا)، والقاعود أو الأعود (البالغ)، لأنهما يتميزان بوفرة لحمهما، وفي الشهور الأخرى تعرض وتباع الجمال القوية الرشيقة مثل “الآنية” ويستخدمها المشتري في نقل المحاصيل، وهناك سلالة الإبل الزبيدي وهي ذات وبر كثيف في منطقة الكتف والسنام، ويكون الوبر خفيفا على الأذن والبطن ويتعامل معها التجار كحيوانات تنتج اللحم والألبان معا، ويتفاوت لون جسمها بين البني والأحمر الفاتح.
أما البدو فيأتون لشراء الجمال الصغيرة ليربوها ثم يبيعونها، وهناك من يفضل جمال السباق ويطلقون عليها الأصهب والصهوب، وهي الأغلى سعرا في السوق نظرا لخفة الوزن وتحمل المشقة.
صابر أبوسليم (تاجر جمال من محافظة المنوفية شمال مصر) أوضح أن عدد أسنان الجمل تدل على عمره، فمنها ما هو “كاسر جوز” (أي كسر اثنين من الأسنان) أو كاسر أربعة أو كاسر ستة (أي الذي سقطت أسنانه ونبتت بدلا منها أسنان أخرى أكبر وأضخم وأكثر حدة) .
وأضاف أبوسليم لـ”العرب” أن الجمل البلدي هو أغلى سعرا من الجمل السوداني لكن وجوده نادر، أما الصومالي فيأتي في المرتبة الثالثة وباقي الجمال المستوردة تأتي بعد ذلك.
وأشار تاجر الجمال إلى أنه تم اللجوء للاستيراد من إثيوبيا والصومال لقلة الجمال التي تأتي من السودان بسبب الاضطرابات المتتالية فيها والتي بدورها أثرت على تجارة الجمال في مصر وأدت إلى ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، لأنه كلما قل الوارد زاد السعر.
والجمل لا يصاب إلا بمرض السُل الرئوي فيتغير لون لحمه إلى اللون الأصفر، وعندما يلاحظ التجار ظهور علامات المرض على أحد الجمال أثناء انتقاله من مكان لآخر يسارعون بذبحه ويقومون بنشر لحمه على ظهور الجمال الأخرى حتى يجف لحمه تماما تحت الشمس ثم يأكلونه.
مديحة عبدالقادر (أستاذة التغذية بالمركز القومي للبحوث) أكدت أن إقبال المواطنين على لحوم الجمال سيؤدي إلى تخفيف الضغط على اللحوم الأخرى، وأشارت إلى أن الجمال من أكثر الحيوانات التي تمتلك قدرة كبيرة على مقاومة الفيروسات، وبالتالي يصعب انتقالها من جمل لآخر، والجمل الذي يصاب بمرض خطير يموت في الحال.
وأوضحت لـ”العرب” أن الإبل من مصادر البروتين الآمنة والرخيصة نسبيا في نفس الوقت، وأن الدراسات تشير إلى زيادة الإقبال على لحوم الجمال في مصر بنسبة 40 بالمئة لخلوها من الكوليسترول.
*المصدر : العرب


www.deyaralnagab.com