logo
1 2 3 41122
رمضان وسوءة الحرب في اليمن..عندما يصوم الفقر تتوحش المعاناة!!
11.06.2017

صنعاء ـ سقوط سلمى مغشياً عليها بنوبة عصبية في شارع الميثاق في صنعاء في نهار رمضاني مشمس كان مشهداً صادماً للناس الذين هرعوا نحوها وهي مكومة تنتفض وإلى جانبها رضيعها مُلقى على الأسفلت يصرخ في مشهدٍ يُدمِع العين.
مشاهد الإغماء جوعاً ومرضاً صارت تتكرر في شوارع صنعاء لنسوة ورجال يسقطون مغشياً عليهم تحت ضربات موجعة من الضائقة المعيشية التي يمكن القول إنها قصمت ظهر هذا البلد المصنف ضمن أفقر دول العالم، كما تهدد ما تبقى من قيم تحكم ما بقي لديه من ضابط أخلاقي لنسيج اجتماعي مهترئ، حيث أفقدت هذه الضائقة الكثير من السكان ما يمكّنهم من الحصول على أكلٍ أو دواء يساعدهم على البقاء واقفين. ونتيجة لذلك باتت حيواتهم في مواجهة مصائر مجهولة، خصوصاً عند تعفف الكثير منهم عن الانتقال إلى مواقع «اليد السفلى» ومثل هذا التعفف قد لا يكون كافياً لمواجهة عوز قاتل في بلد بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الكامل مع إصرار سلطات الحرب على مواقف الصراع وتخليها بكل وحشية عن مسؤولياتها القانونية وواجباتها الإنسانية تجاه شعب ألقت به مقامرات النزاع في آتون أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن الصراع في اليمن أدى إلى مقتل أكثر من 9 آلاف شخص، وإصابة أكثر من 45 ألفا معظمهم من المدنيين منذ تصاعد أعمال العنف قبل أكثر من عامين بين قوات الجيش اليمني الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي مسنوداً بتحالف تقوده السعودية من جهة ومسلحي «أنصار الله» (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق على عبد الله صالح من جهة ثانية.
ثمن مضاعف
تفاصيل مؤلمة في قصة سلمى، نقرأ فيها فداحة الأثمان التي تدفعها الفئات الضعيفة في المجتمع من الفتيات والأطفال والنساء جراء هذه الحرب الدائرة، كما تمثل هذه الحكاية عنواناً عريضاً من عناوين أزمة الأمن الغذائي والدوائي المتفاقمة في البلاد، وهي الأزمة التي تتكشف فضاعتها كثيراً في رمضان. ففي رحاب هذا الشهر الفضيل للأسف-تتعرى أكثر سوءة الحرب التي ألقت بظلالها الثقيلة على جميع فئات المجتمع، ولعلها كانت أكثر وطأة على الأطفال والفتيات والنساء اللواتي يتعرضن إلى مزيد من الايذاء والاستغلال وأشكال مختلفة من العنف، وقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن معدلات العنف ضد المرأة في اليمن زادت عن 63٪ منذ عام 2015 «ما يعني أن هناك نحو 2.6 مليون امرأة وفتاة معرضات الآن للخطر».
رمضان الغائب
يترنح الكثير من اليمنيين تحت حمولة العوز الثقيلة في رمضان هذا العام، والتي تراجعت معها بلا شك-المشاعر الإيمانية والأجواء الاجتماعية والثقافية والمظاهر الاقتصادية التي أعتاد الناس على تمثلها خلال هذا الشهر، بل بلغت قسوة الحال أن يقول عبد الحكيم/57 سنة، وهو ضابط في الجيش وكاتب صحافي وشاعر «بالنسبة لي لم يكن رمضان هذا العام سوى كمية إضافية من الألم والحسرة والشعور بالمهانة أمام أسرتي جراء مزيد من العوز تشعر معه كل يوم وهي تفتقر لمتطلبات رمضان البسيطة. باختصار فإن رمضان هذا العام غائب في منزلي لكنه حاضر في حسرات لا تكاد تغيب». وطالبت الأمم المتحدة العالم بتحرك عاجل لإنقاذ اليمن مما وصفته «الانهيار الكامل» وحذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، من أن اليمن يواجه «انهياراً كاملاً اجتماعياً واقتصادياً ومؤسسياً» وقال في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي أنه من الضروري «اتخاذ إجراءات عاجلة» إزاء الأزمة الإنسانية الطاحنة التي يعيشها اليمن جراء الصراع. وتشير التقديرات إلى أن 18.8 مليون شخص في اليمن في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في ظل مؤشرات خطيرة عن المجاعة التي باتت تهدد 7 ملايين شخص لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وهي مؤشرات قد تدفع البلد إلى هوة سحيقة قد تكون كلفة انتشاله منها باهظة جداً.
رمضان بلا تمر
في منتصف شارع القاهرة وسط صنعاء، يغادر فتحي/45 سنة، البقالة بعلبة زبادي. يقول فتحي، وهو موظف حكومي يعول أربعة أطفال ولم يستلم مرتباته منذ ثمانية شهور متوالية «أول رمضان في حياتي لم أستطع فيه أن اشتري تمر الإفطار، ولك أن تتصور بقية التفاصيل» مؤكداً أن «معاناتنا في رمضان أكبر، لأن احتياجاته مختلفة، ولهذا يضعنا رمضان أمام المستور من المعاناة. فأنا لم أستطع أن اشتري أي شيء مما كنت أشتريه كل رمضان، باستثناء الزبادي والشُربَة البلدي في هذا الشهر».
بلا شك أن رمضان هذا العام في اليمن قد يكون أشد الشهور معاناة وقسوة، حيث تسبب عجز سلطات الحرب عن صرف مرتبات موظفي الدولة في تأزيم حيوات مليون و200 ألف موظف أسهم انقطاع مرتباتهم في تراجع القدرة الشرائية وبالتالي تراجع دخول العاملين في المهن الحرة، كما تراجعت بذلك عجلة إنتاج القطاع الخاص ما تسبب في تسريح آلاف العاملين إلى أرصفة الشوارع…لتتمدد المأساة وتشمل معظم سكان البلاد.
سطوة العوز
ولهذا لا تقتصر المعاناة على موظفي الدولة بل تطال الجميع بمن فيهم أصحاب المِهن الحرة، فمنصور /52 سنة، يعمل في بيع الأحذية على الرصيف في شارع الدائري الغربي، ونتيجة ظروف الحرب لم يستطع مغادرة صنعاء لرؤية أسرته في القرية في محافظة تعز جنوبا، للعام الثالث على التوالي «هذا هو ثالث رمضان أقضيه بعيداً عن أولادي، لأن ما أجنيه بالكاد أرسل منه ما يوفر الاحتياجات الضرورية لهم وأعيش منه في صنعاء، فما أجنيه يومياً هو بين ألف وألف وخمسمئة ريال (4 دولارات أمريكية) ولهذا لا أستطيع أن أوفر حتى أجرة سيارة السفر إلى القرية».
وعلى الرغم من كل ذلك الإحساس المرير بالعجز والغربة داخل بلاده، إلا أن منصور لا يملك إلا الصبر والعمل 12 ساعة يومياً على الرصيف، مكتفياً بمكالمة هاتفية يسمع فيها بين الفينة والأخرى أصوات أولاده متحدثاً إلى (أم العيال) التي يقول إنها تُنهي معظم المكالمات، وهي تبكي رأفة لحاله. يقول: لقد تراجع البيع في رمضان هذا العام بشكل كبير عما كان عليه في العام الماضي، فما نبيع هو أقل من نصف ما كنا نبيعه في رمضان الماضي، لأن ظروف الناس صعبة جداً، وهي في رمضان مأساوية لما يتطلبه هذا الشهر في ظل فقر شديد».
رمضان والكوليرا
وتسببت الحرب المشتعلة منذ 25 اذار/مارس 2015 في تدمير نسبة كبيرة من مقدرات البنى التحتية وبالتالي تدهور قطاع الخدمات وتوقف العمل في معظم المرافق الصحية وتدمير وتضرر آلاف المدارس وتخلف كثير من المدرسين عن وظائفهم نتيجة توقف صرف المرتبات وتسرب نسبة كبيرة من الطلاب من صفوف التعليم، بالإضافة إلى نزوح الملايين عن مساكنهم….الخ، وهو ما ضاقت معه دائرة الحياة المعيشية وأدت إلى لجوء كثير من الناس إلى مصادر غير آمنة للأكل والشرب ما تسبب في انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة وآخرها وباء الكوليرا الذي يأتي رمضان هذا العام مع استمرار ارتفاع أرقام الوفيات والإصابات يومياً وعجز السلطات الصحية مع المنظمات الدولية عن احتواء الوباء، وهو ما يضاعف من المعاناة خلال هذا الشهر.
وتفيد التقديرات الخاصة بهذا الوباء أنه قتل في موجته الثانية التي بدأت في 27 نيسان/أبريل وحتى كتابة هذا التقرير، أكثر من خمسمئة شخص وأصاب أكثر من ستين ألفا في 19 محافظة، مع استمرار تصاعد مؤشرات تهديده وبشكل مخيف وفق منظمتي الصحة العالمية و «يونيسيف».
ضائقة المعيشة
ونتيجة لكل ذلك فإن واقع شهر رمضان في اليمن في هذا العام مؤلم جدا،ً حيث تظهر نتائج الحرب واضحة في يوميات الناس، ويمكن رؤيتها واضحة في ضوائق المعيشة ونزيف الفقد، والتي تتجلى في ملامح الوجوه ومؤشرات الشراء في الأسواق. العزي مطهر، وهو صاحب سوبر ماركت جوار جامعة صنعاء يقول إنه وخلال الأسبوع الأول من رمضان لم يبع من مستلزمات الشهر المعروضة ما يساوي 10 في المئة مما كان يبيعه قبل الحرب، مشيراً إلى الحال الصعبة للناس في رمضان لدرجة أن الكثير بات يعجز عن شراء القُشمي «الفجل»).
تصحو صنعاء مثل كل المُدن اليمنية متأخرة في رمضان، إذ تبدأ الحركة بملئ شوارع المدينة مع آذان صلاة الظهر في الساعة 12 ونيف. حينئذ يكون الباعة المتجولون قد بدأوا بافتراش أماكنهم على الأرصفة، وأمثال هؤلاء من الباعة يعيشون واقعاً صعباً وتختزل حكاياتهم الألم اليومي اليمني الرمضاني، كما يمثلون في الوقت ذاته شهوداً لكثير من قصص الناس حيث يعيشون معهم في الشارع تفاصيل كثيرة. ولهذا تختزن ذاكرتهم كثيراً من الصور لمعاناة وجوه ألفوها تمر من أمامهم كل يوم، وأخرى يعرفونها جيداً قبل الحرب، ويدركون ما صارت إليه أوضاعهم بعد أكثر من عامين من النزاع، وهي المعاناة التي تسقط عنها في رمضان ما تبقى لها من ورق التوت. ففي هذا الشهر تبدو المعاناة عارية تماماً يتجلى فيها الفقر متوحشاً وقاسياً تحت ظلال حرب لن يسمح تجارها بتوقفها قبل أن تحقق لهم أهدافهم في السلطة والثروة بعيداً عن حسابات الوطن والمواطن.
أحمد الأغبري..المصدر : القدس العربي


www.deyaralnagab.com