logo
1 2 3 41121
رغم تجاوزه 80 عاما.. التونسي العم سعيد متشبث بمهنة حفر الآبار!
29.10.2020

يرتدي ملابسه ويضع مظلة على رأسه ثم يأخذ معولا وفأسا وينطلق نحو عمله، ذاك هو دأب العم سعيد (85 عاما) حافر الفساقي والمواجل (آبار منزلية لحفظ مياه الأمطار) من محافظة مدنين جنوب تونس منذ شبابه، فهي مهنته الوحيدة التي ورثها عن أبيه، ولم يتخل عنها إلى اليوم رغم كبر سنه وصعوبة الحفر.
الماجل أو الفسقية منشأة في باطن الأرض أقل عمقا من البئر، تستعمل لتخزين مياه الأمطار من أسطح المنازل أو الأراضي المنبسطة، ولا يكاد بيت في الجنوب التونسي يخلو منها، فهي عادة متوارثة منذ سنين بين الأجيال المتعاقبة لكن حافريها أصبحوا قلة لصعوبة الحفر ومشقته.
مثابرة وإتقان
ينطلق العم سعيد من بيته كل صباح نحو بيت أحد سكان منطقته الريفية الذي اختاره ليحفر له ماجلا داخل منزله بعد أن ضاق ذرعا من انقطاع المياه المتواصل، يقول المواطن للجزيرة نت "إن أرياف منطقة بني خداش تعاني الأمرين من قلة المياه، والمسؤولون لم يحركوا ساكنا، لذلك عولنا على أنفسنا وعدنا إلى عادة الأجداد وحفر المواجل والفساقي، ولن أجد أفضل من العم سعيد المعروف بمثابرته واتقانه لعمله".
يضع الرجل معداته البسيطة جانبا، ثم يقف ليعاين مكان الحفر، ويشرب قليلا من الماء، ثم يشرع في الحفر بضربات سريعة ومتتالية، فالأرض صلبة جدا.
يقول إن البدايات صعبة دوما خاصة الطبقة الأرضية الأولى أو ما يسمى "الترشة" وهي عبارة عن صخور صلبة ومتماسكة تتطلب جهدا كبيرا ووقتا أطول كي تتفتت، وبعد ذلك تصبح العملية أكثر سهولة.
رغم كبر سنه ونظره الضعيف فإن العم سعيد لم يترك مهنته وبقي يكابد نحو بقائها فآلات الحفر الحديثة لم تثنه عنها، وقد كسب ثقة الجميع بإتقانه لعمله مما جعله مشهورا في منطقته والمناطق المجاورة، يقول جاره صالح (55 عاما) "هذا الرجل لا منافس له في العزيمة والصبر وإتقان العمل رغم مشقة الحفر وكبر سنه، إنه أيقونة تُدرس".
بعرق الجبين
تتطلب عملية الحفر المعرفة والإتقان، وهو ما يميز العم سعيد الذي له أكثر من 40 سنة من الخبرة بالمجال، وقد أشاد كل سكان المنطقة بعمله المميز والمتقن، يقول للجزيرة نت "كانت البداية مع والدي وعمري 20 عاما تقريبا ثم أخذت عنه المشعل، وواصلت طريقي في مهنة أعلم مدى مشقتها لكني أحبها وسعيد بها، فقد أصبحت هواية، ثم إني أحب أن آكل لقمة حلالا من عرق جبيني".
في ظرف زمني وجيز تمكن العم سعيد من كسر الصخور التي كانت تعيق عملية الحفر، وبدأ يتوغل شيئا فشيئا داخل الأرض إلى أن أصبحت الحفرة في طوله تقريبا، مسح عرقا تصبب من جبينه ونظر إلى يده التي تعبت وتيبست من صلابة تلك الصخور العنيدة، يقول إنه تجاوز المرحلة الأصعب، وما بقي إلا أن يحدد المقاسات ويواصل الحفر بعمق 4 أمتار أو أكثر حسب رغبة صاحب المنزل.
شكل الماجل
يكون الماجل عادة دائري الشكل ضيقا من الأعلى، ثم يتسع شيئا فشيئا إلى أسفل. ويتراوح عمقه من 4-5 أمتار حسب الحاجة. وحال الانتهاء من حفره، يتم تمليسه بالأسمنت ثم بناء "القعادة" أي الجدار المستدير فوقه، ويتوسطه باب مربع الشكل، ويربطه مزراب بسطح المنزل يمر عبره ماء المطر، وفوهة صغيرة بجانبه يخرج عبرها الماء الزائد عن طاقة استيعابه.
لا يتجاوز حفر الماجل بالنسبة للعم سعيد الشهر أو أقل أحيانا، فهو سريع وشغوف بمهنته التي يزاولها بحب، ويكون سعيدا جدا إذا ما أنهى الحفر في وقت وجيز، فهو في سباق مع نفسه وعزيمته، حسب قوله.
ويحرص على حفر عدد أكبر من المواجل والفساقي ليعيل أسرته دون طلب يد المساعدة من أحد، ويساهم دائما في حفر مواجل يعدها أصحابها صدقة يستفيد منها عابرو السبيل في المناطق النائية، وتسمى مواجل السبيل.
رغم قلة حافريها فإن سكان منطقة بني خداش جنوب تونس ما يزالون بحاجة إلى المواجل والفساقي، ولم يتوقفوا عن حفرها لشدة حاجتهم إلى الماء، والذي ينقطع لمدة أشهر أحيانا رغم شكاويهم المتكررة للمسؤولين، لكن دون جدوى.
*المصدر : الجزيرة نت


www.deyaralnagab.com