logo
رنا: حكاية وطن جاءها في حقيبة!!

بقلم : ريما كتانة نزال ... 07.05.2012

اختنق الوطن بأسلافها، فكان أن نمت وتفتحت في فيض من الغربة. فتحت عيونها وقد ورثت هجرة الوطن، لكن الوطن أبى أن يهجرها.. لم تتمكن الصبية من الاستيطان في الوطن، لكن الوطن استوطنها.
البلد البديل الذي احتضن "رنا" وترعرعت فيه عجز عن إدماجها في قنواته. هو بلد كبير ينتقي معانيه لحقوق الانسان وللحرية والديمقراطية والعدالة، أعطاها البلد ما شاءت لكنه عجز عن تبديد غربتها. في المدارس البديلة، عبأت صدرها بقيم جميلة تملأ قلبها بدفء التعابير والمصطلحات، لكنها تكتشف بأن بلد الشتات الذي ورثته يتواطأ على المعاني ويبيعها ويواري الحقائق الساطعة بغربال التمييز، وتتيقن بأن المعاني السامية ليست ملكا للجميع. وتلمس بعقلها والألم يعتصرها نفاق التاريخ وازدواجية معاييره، وتتصاب بالفزع من تجاهل خرائطه لاسم بلدها وشعبها، فتقف مشدوهة ومقهورة أمام التناقض والتفرقة بين النظريات وتطبيقها.
ووضعت يدها على تركتها من هجرة متوارثة، وعرفتها الحقائب الكثيرة على منغصات العيش ومرارته. فالهجرة إرث لا يمكنها رفضه او ردّه.. وأخذت نصيبها الشرعي من ميراث الفقد. تعرفت على وطنها من خلال أخبار عاجلة تُسجى على شاشة التلفاز، ومن بعيد تنفست رائحة خبز التنور والزعتر، وتأصلت هويتها بلكنة أجنبية...
في رحلتها الاستكشافية الأولى لفلسطين طوت السهول الممتدة دون مشقة، وجلست على أكتاف الهضاب دون سابق معرفة .. وبدأت تتعرف على جزئيات الوطن وقضاياه. تخرج من ساعات الصباح لتصافح الايادي المتعبة، وتمارس رياضة الالتفاف الجماعية على الحواجز المدججة.. التحمت في المشهد الخرافي الذي ورثته مع حكاية الاجداد، وانسجمت بشغف المحب مع صوره.
الشابة تبدأ في حياكة ذاكرتها مع اهالي بلعين والنبي صالح، وترتق ثقوبها على هضبة كفر قدوم وقلنديا، وتلمع سطحها بالقرب من القدس ونابلس، وتعمق انتماءها بمشاركة النساء انحناءاتهم المحيطة بجثمان الشهيد.. وببساطة العشرينات وعنفوانها تتخذ قرارها التاريخي بسهولة: تأجيل كل ما يمكن أن يندرج تحت قائمة ما يحتمل التأجيل، وتدرج تحتها عنوانها: الحب والمرح والحياة الملونة الناعمة. وقائمة أخرى أطلقت عليها قائمة الأولويات التي لا يمكن لها أن تحتمل أي تأخير او تسويف، ويتصدرها: قضايا الوطن والنضال من أجل الحرية والاستقلال ومن بينها: الدراسة واستكمال التعمق في هويتها الوطنية وتنقيتها وإزاحة شوائبها... وتضافرت الاادة مع المسببات لتتيح المزيد من الرحلات الاستكشافية التي تختصر المسافات الثقافية.
هذا تعريف موجز "برنا حمادة" فتاة العلم الفلسطيني التي اندفعت به لتواجه بجسدها النحيل آلة القتل والسيطرة، هذه "رنا" التي اعتاد المقاومون على رؤيتها في المناطق الساخنة غير عابئة بالمخاطر. بنت فلسطينية رسمت خارطة طريقها بجدية، تفرح وتحزن مع الناس دون اغتراب أو غربة، لا يفصلها عنهم لكنة أو رطانة. هي الفتاة التي تنتمي الى مدرسة الوطن وتفاصيله وانتماءاته.. تتنقل من مدرسة الأسرى الى معهد مقاومة الجدار والاستيطان.. لتصبح مثالا لبنات البلد. التي تؤمن بأن رسم خارطة الوطن صيرورة حتمية..


www.deyaralnagab.com