logo
ضوء على معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة!!

بقلم : ريما كتانه نزال ... 23.8.06

ترتبط معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة ارتباطا وثيقا بظروف اقتلاعها وتشريدها من أرضها في أرجاء الأرض، هذه المعاناة لم تخف وطأتها بعد ثمان وخمسين عاما على كارثة اللجوء؛ حتى وإن كانت الارض التي احتضنتها جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين التاريخية، وجزء من هويتها الوطنية والسياسية والثقافية، فالمكان الأصلي بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص مرتبط بتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي؛ واحد مصادر العطاء والتواصل والبقاء والتوازن، فالتشرد والدخول في دوائر الغربة والاغتراب؛ يعني مذلة التهجير والبعد على الصعيد الانساني، ويعني في ظل الاحتلال للوطن وفقد السيادة سقوف للنضال الاجتماعي والمطلبي والديمقراطي .
والمعاناة الانسانية والمعيشية هي القاسم المشترك للمرأة اللاجئة في جميع أماكن تواجدها وتحديدا في داخل المخيمات، وربما كانت الظروف المعيشية والحياتية للمرأة في مخيمات قطاع غزة وفي لبنان؛ هي الأكثر قسوة وشقاء عن اخواتها في مخيمات سوريا والأردن دون تبهيت للظروف المعيشية والحياتية للفلسطينيين مصر؛ أو تلك الأوضاع الفلسطينية البائسة التي بدأت بالتشكل في العراق. ومن جانب آخر فإن الأوضاع الحياتية في جميع مخيمات الشتات تختلف عن مثيلتها في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بسبب وجود الاحتلال الذي يضيف معاناة نوعية على حياة اللاجئات وهن يعشن على بعد بضعة كيلومترات من بيوتهن؛ مع احتساب الهوامش المتاحة المتعلقة بقدرة اللاجئات في مخيمات الوطن على تحقيق مكتسبات ذات علاقة بالابعاد المطلبية والديمقراطية للنضال؛ لكونها تعيش ضمن نظام سياسي فلسطيني؛ تستطيع أن تخاطبه وتطالبه بتحقيق تطلعاتها؛ مهما ضعفت صلاحيات هذا النظام وسلطاته العملية بسبب سيادته الناقصة بسبب الاحتلال على أرضه ومقدراته.
أعداد اللاجئات:
يقدر مجموع النساء الفلسطينيات اللاجئات بمليونين ونصف امرأة، ويشكل هذا العدد نصف عدد اللاجئين الفلسطينين تقريبا؛ الذين يقيمون في 59 مخيما في داخل الوطن وخارجه، بالاضافة الى الفلسطينيات اللاجئات في وطنهن التاريخي في فلسطين المحتلة عام 1948؛ من اللواتي أجبرن على الهجرة قسرا مع عائلاتهن من قراهن المدمرة البالغ عددها 418 قرية في إطار المشروع الصهيوني القائم على طرد السكان واحتلال الأرض، وهن بالتالي مهجرات من ديارهن على الرغم من وجودهن في وطنهن على مقربة منها، وهن يشكلن مع مثيلاتهن من اللاجئات في مخيمات الضفة والقطاع وفي مخيمات سوريا 49% من اعداد اللاجئين ، أما في لبنان فيشكلن 58% من أعداد اللاجئين الفلسطينيين؛ ويعود الخلل في التوازن الى هجرة دائمة وعلى مراحل للذكور؛ والى أعداد الشهداء في الحروب الاسرائيلية والى الحروب الاهلية والطائفية التي شهدها لبنان. اما في الاردن فيشكل عدد اللاجئات 48% من اجمالي اعداد اللاجئين الفلسطينين في مخيمات الاردن حصرا؛ حيث يشكل اللاجئون الذين يعيشون خارج المخيمات في الاردن حوالي 60% من مجموع لاجئي الاردن.
تباين وتوحد في الظروف المعيشية:
تتشابه معاناة المرأة اللاجئة مع بعضها في عديد القضايا والعناوين وبالتالي تتوحد برامجها ، وتختلف مع بعضها وتتباين في محددات أخرى وفق سياسة البلد المضيف وقوانينه والحريات والمكتسبات التي يمنحها أو يوفرها لهذا القطاع الواسع الذي يطلق عليه اللاجئات الفلسطينيات .
فعلى سبيل المثال فإن المعاملة التمييزية التي تخضع لها المرأة الفلسطينية في لبنان؛ الناجمة عن وجود قوانين تحرم العاملات من حق العمل في عدد كبير من المهن كالطب والمحاماة والهندسة والصيدلة على الرغم من المؤهلات المتقدمة التي يمتلكنها؛ الى جانب حرمانهن من حق امتلاك العقارات، لا شك أن هذه المعاملة التي تبررها الدولة اللبنانية برفض التوطين؛ تضيق سبل العيش أمام المرأة وتحد من إمكانيات تطورها وتقدمها الحضاري الانساني؛ وتفاقم من معاناتها الناجمة أصلا عن التهجير، مما يجعلها تعيش في مجتمع يشعرها بالممارسة بأنها منفصلة وغريبة عنه عمليا، مما يدفعها إلى التقوقع والانزواء بمشاعر مريرة من الاغتراب والتوحد، ويجعلها غير قادرة على تطوير ذاتها؛ أو الانخراط في أعمال اجتماعية أو سياسية منظمة؛ ونلحظ العزلة والانزواء في مستوى تفاعلها مع العمل العام تحديدا في بلدان اللجوء الأجنبية؛ التي تتضاعف غربتها بسبب خصوصيتها الثقافية؛ فتعيش في مجتمع منفصلة عنه على الرغم من انطباق قوانينه وثقافته ومناهجه التعليمية عليها وعلى أسرتها.
في الوقت الذي نجد فيه أن دولة كالاردن حيث تعيش الغالبية العظمى من جسم الفلسطينيين اللاجئ؛ في بيئة يتساوى فيه كلا الشعبين في الحقوق المدنية والسياسية؛ ضمن اشتراطات متفق عليها بين الحكومة الاردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ بحظر عمل الفصائل والمؤسسات الفلسطينية في مجال تنظيم وقيادة الجماهير الفلسطينية، وعلى سبيل المثال يقتصرعمل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية؛ في حدود الدور التمثيلي والاسنادي للمرأة الفلسطينية في الوطن المحتل مما يولد شعور بقمع الهوية الوطنية؛ على الرغم من المكتسبات المتحققة على الصعيد الحقوقي.
بينما تعيش المرأة الفلسطينية في المخيمات السورية ضمن قانون المساواة الكاملة باستثناء حق ممارسة الترشيح والانتخاب للبرلمان السوري، وتعمل الؤسسات النسوية الفلسطينية في تنظيم الجماهيرالنسائية وقيادتها ضمن برنامجها السياسي والاجتماعي دون قيود تنظيمية سوى تلك القيود السياسية المعروفة على التنظيمات الفلسطينية.
المعاناة المعيشية:
على الرغم من شح مصادر المعلومات الدقيقة حول الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمرأة الفلسطينية في المخيمات، الا أن جميع المؤشرات تقود الى حقيقة أن حياة الفلسطينيات في المخيمات صعبة؛ وتفتقر الى الحد الادنى من شروط الحياة في أماكن لا تصلح أحيانا للسكن الآدمي؛ من خيم وبركسات وبيوت الزينكو والصفيح في مخيمات لبنان وغزة، في بيئة تفتقر الى الشروط الصحية والى الخدمات الضرورية التي تعتبر شرطا ضروريا للحياة الانسانية، وهذه المشكلات هي احد سمات مخيمات لبنان؛ ونجدها في غزة وفي حالات أقل في بعض مخيمات سوريا والاردن .
ومن جانب آخر فان المشكلة التي خلقها التهجير والتي أنتجت تشتت الأسر الفلسطينية في ارجاء الارض، انتج واقعا قانونيا وسياسيا حال دون التئام الأسر منذ عشرات السنين، مما رتب مشكلة ذات ابعاد انسانية ربما أصبحت مزمنة.
كما أورث اللجوء والتشرد البؤس والفقر، حيث يصنف سكان المخيمات بالاكثر فقرا في المجتمع الفلسطيني بالمناطق الفلسطينية؛ بسبب سوء الاحوال الاقتصادية بشكل عام؛ وازمة البطالة المتفاقمة بسبب الاجراءات الاحتلالية المتمثلة بالحصار والإغلاق؛ وتدمير المنشآت المشغلة للعاملات، كما أن الظروف النضالية التي خلفت اعدادا كبيرة من الشهداء والاسرى والجرحى والمطاردين, انتج نسبة إعالة عالية بين النساء ، حيث بلغت نسبة الاعالة النسائية 15% في احصائيات الكتب المركزي للاحصاء في منتصف عام 2000، والتي من المرجح أن تكون قد زادت بسبب ما خلفته الحملة العدوانية الاسرائيلية الشاملة من شهداء وأسرى وإعاقات.
وفي لبنان لا يختلف الوضع عما هو عليه في المناطق الفلسطينية؛ حيث تتأثر المرأة الفلسطينية بالظروف الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون، حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة السنوي 3500دولار، بينما من المفترض أن يكون حسب معايير الانروا 8400 دولار سنويا، الأمر الذي يدفع المرأة الى الإنخراط في سوق العمل ضمن محددات القانون الذي يحظر على الفلسطينيين العمل في مهن عديدة، وتكون الحلول العملية امامها ضيقة؛ لذلك فاننا نجد ان عمل اللاجئات في لبنان يتركز على الخدمة المنزلية؛ حيث تعمل 28% من النساء في هذا المجال؛ وتتوزع باقي العاملات على مجالات الزراعة والصناعة الحرفية والتجارة والتعليم. ويختلف الواقع الاقتصادي للفلسطينيات في سوريا والاردن، حيث مكنت القوانين السورية المرأة من العمل في كافة المهن المتاحة للسوريات؛ على الرغم من أن سوريا لم تبادر الى منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية السورية انطلاقا من اعتبارات سياسية.
أما في الاردن حيث منحت المرأة الفلسطينية اللاجئة الجنسية الأردنية؛ تفاعلت بحدود مع العمل العام؛ وتمكنت من الاندماج في سوق العمل، إلا أنه وبعد فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية؛ فقد بعض الفلسطينيين جنسيتهم الاردنية، واستبدلت بجوازات اردنية مؤقته ليس لها علاقة بالمواطنة أو بالجنسية؛ مما ولد اشكالات جديدة للبعض في مجال الحصول على العمل والتوظيف .
وتعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة أيضا من صعوبات كبيرة في مجال التنقل والسفر؛ الامر الذي ينعكس على أوضاع اللاجئات آخذين بالإعتبار أن معاملة اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة بشكل عام غير منظمة بقوانين تشريعية واضحة؛ بل تنظمها قرارات وأحكام تصدرها في معظم الأحيان الأجهزة الأمنية؛ ففي لبنان أخضعت المخيمات لقوانين جائرة؛ حيث تمنع اللاجئات من العودة الى مخيمها الذي تقيم به؛ في حال السفر الى الخارج الا بعد الحصول على تأشيرات دخول جديدة؛ مما يقيد حرية الفلسطينيات في التنقل، بينما تسمح سوريا بعودتهن على وثيقة السفر الممنوحة لهن في حال مغادرتهن، مما يجعلهن قادرات على السفر و التواصل العائلي والاجتماعي؛ ومن البحث عن عمل خارج القطر ومن ثم العودة.
كما تعاني المرأة الفلسطينية اللاجئة من إمكانيات اللجوء المتعدد، بسبب الحروب والصراعات المسلحة كما يحدث حاليا في العراق؛ وكما حدث في لبنان على مراحل مختلفة، سواء كانت تلك الحروب بسبب العدوان الاسرائيلي المتكرر؛ أو بسبب الصراعات الأهلية، التي أدت الى نزوح ولجوء جديد من مخيم الى مخيم آخر أكثر أمانا، مما انشأ مأساة متكررة من اللجوء المستمر؛ بالأضافة الى خطر تهديدهن بالإخلاء من جديد.
وتعاني اللاجئات الفلسطينيات في مخيمات غزة والضفة من ذات المخاطر، فبسبب السياسة الاسرائيلية الشرسة؛ وقصف المخيمات الفلسطينية الدائم وتدمير المنازل والمنشآت، تلجأ العائلات الى اللجوء من جديد الى أماكن جديدة بحثا عن الأمان كما حدث في مخيمي رفح وجباليا؛ ولا زال يحدث في جميع أرجاء المناطق الفلسطينية بالإضافة الى بروز مخاطر لجوء جديد بسبب بناء الجدار العنصري العازل؛ الذي يدفع السكان الى مغادرة قراهم المعزولة قسرا الى اماكن أخرى؛ لتلافي الحرمان والعزلة الذي يفرضهما الجدار.
وأخيرا، هذا غيض من فيض؛ ولا يمكن في هذه العجالة أن يتم الإحاطة بكل الظروف التي تحيط بحياة المرأة الفلسطينية اللاجئة وهمومها، وفي ضوء الحرب القائمة حاليا على لبنان بأسره؛ والتي لن تنج المخيمات والشعب الفلسطيني من شرورها ونتائجها؛ فستكون الأمور مفتوحة على تهجير جديد وواقع مختلف.

المصدر: المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأه.

www.deyaralnagab.com