أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
السودان:إنقاذ الأطفال المشردين في الخرطوم أفضل من إنجاب المزيد منهم!!
بقلم : الديار ... 12.05.2017

يبدو أن إنجاب الأطفال في العائلات الفقيرة والمعوزة مشروع لا يفلح إلا في اكتظاظ الشوارع بالمشردين في السودان الذي تنتشر فيه نسبة الفقر، بالإضافة إلى الحرب الأهلية التي ساهمت في موجة نزوح أثّرت على العاصمة، لذلك اختار مجموعة من الشباب من الجنسين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأطفال المشردين الذين اكتظت بهم شوارع الخرطوم وانتشرت بينهم الجريمة والإدمان بدل التعليم والرياضة والهوايات الفنية.
الخرطوم- في عاصمة يقطنها 9 ملايين نسمة، قسم كبير منهم نزح إليها من الأطراف، بفعل الحروب الأهلية، ينتشر في الخرطوم الآلاف من الأطفال المشردين، وسط بؤس لا يغشاه الأمل إلا لماما، من مبادرات رسمية وأخرى أهلية، مثل منظمة “مجددون” الشبابية.
هذه المبادرة التي يقودها شباب من الجنسين، تنشط منذ 2010 في عدة جوانب خيرية، قبل أن تكرّس جهودها، في الأشهر الماضية، لرعاية الأطفال المشردين بشوارع العاصمة السودانية، وإدماجهم في المجتمع.
وبحسب إحصائيات رسمية، يبلغ عدد المشردين في الخرطوم، وأغلبيتهم من الأطفال، 6 آلاف، لكن منظمات طوعية تقدّر عددهم بأكثر من ضعف هذا الرقم.
ويعتبر اتساع دائرة الفقر والتفكك الأسري من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انتشار ظاهرة أطفال الشوارع أو “الشماسة”، علاوة على انعكاسات الحرب والصراعات القبلية التي أدّت إلى اتساع وتيرة النزوح وساعدت في تغيير التركيبة السكانية في المدن والقرى.
وتتفق كل الدراسات على أن هذه الظاهرة تتفاقم يوما بعد آخر مؤكدة على الإفرازات الاجتماعية السلبية لهذه الظاهرة من تطوّر نسبة الجريمة وتفشي الإدمان وانتشار الأمراض النفسية والاجتماعية والأسرية وانهيار منظومة القيم الأخلاقية وسطهم.
وبدأت “مجددون” مشروعها العام الماضي، بتوفير وجبة الفطور للتلاميذ في مدارس الأحياء الفقيرة، فكان أن لفت أنظار ناشطيها، تجمّع عدد من الأطفال المشردين، للحصول على ما يسدّ رمقهم، فألهمهم ذلك إطلاق مبادرة خاصة بهذه الشريحة.
وارتكز هذا المشروع على شعار “الفطور مقابل التعليم”، وذلك بتوفير وجبات تحفّز هؤلاء الأطفال على الانتظام في حصص دراسية، تمحي الأمية المتربصة بهم.
وتشير علياء عماد الدين، المشرفة على المشروع إلى إن الفكرة بدأت بتوفير وجبات طعام للبعض من الأطفال المشردين، وأثناء وجودهم في الشارع كان البعض منهم واقفين يريدون بعض الطعام، وعندما زاد عددهم، خطرت لنا فكرة المدرسة المفتوحة، واقترحنا على الأطفال الدراسة، فوافقوا وارتفع عددهم من 9 إلى 41 طفلا تتراوح أعمارهم بين 9 و18 سنة، نقوم بتدريسهم عبر منهج عشوائي أو محو الأمية إلى جانب إرشادات صحية.
وتقول “إن الأطفال ملتزمون بالحضور بعد أن عملنا على تحفيزهم بتوفير البعض من الفاكهة مع السندويتشات، ونأخذهم إلى محلات السمك، وعقب الحصة الصباحية يتم تنظيم مباريات كرة قدم يوميا، إضافة إلى تنظيم دوري بين المتشردين حسب مناطقهم، شارع المطار، السوق العربي، أم درمان ، كما أننا نعطيهم وقتا لاكتشاف مواهبهم في الغناء والرسم وغيرهما من الهوايات”.
وبعد مرور 7 أشهر على إطلاقها، جذبت المبادرة عشرات المشردين، وتطورت إلى مشروع أوسع، يستهدف إعادة تأهيلهم، بتوفير سكن للإقامة الدائمة، يبعدهم عن حياة التشرد وتبعاته من الإدمان واحتراف الجريمة.
برنامج "تو فور ون"
يحتوي المشروع على برنامج “تو فور ون”، الذي تقوم فكرته على أن يرعى إثنان من ناشطي المبادرة أحد التلاميذ، يقدّمان له الدعم النفسي والرعاية الصحية وتقديم دروس سواء كانت رسمية عبر تسجيل الطفل في مدرسة أو غير رسمية عبر تدريسهما للطفل بصفة مباشرة.
إضافة إلى توفير الملابس والترفيه والسعي إلى معرفة مكان أسرته لإعادته، ويتم ذلك بإشراف إثنين من الأطباء النفسيين لتوجيه الكافلين كيفية التعامل مع الأطفال، وبدأ تنفيذ المبادرة فعلياً بكفالة بعض الأشخاص لعدد من الأطفال.
اتخذت “مجددون” من مساحة مكشوفة على شاطئ نهر النيل، مقرّا لتدريس الطلاب، وفقًا لمنهج “محو الأمية” الرسمي.
وغالبا ما يكون المستوى التعليمي لأطفال الشوارع متدنيا، إذ أن النسبة تصل إلى 96 بالمئة، منها 32.3 بالمئة من الذكور، أما الإناث فغالبا ما يكنّ أقل حظا في فرص التعليم، ويمثّل الفقر والعجز عن دفع رسوم ومصاريف الدراسة من الأسباب الرئيسية لعدم مواصلة هؤلاء الأطفال تعليمهم.
ومن الدروس الأولى التي يتلقاها الأطفال في مدرسة “مجددون” كيفية غسل الأيدي بالصابون جيداً بعد الخروج من دورة المياه وقبل الأكل وتطبيق ذلك عمليا في ذات الحصة، مع بعض الرقصات التي يقومون بها أثناء الغسيل كنوع من التحفيز والتشجيع والحرص على الالتزام بهذه العادة من أجل المحافظة على صحتهم وتفادياً للأمراض.
وجاء اختيار الشاطئ كمقر للمبادرة لكونه المكان الذي يتجمّع فيه غالبية الأطفال المشردين، علاوة على قربه من المخيّم، الذي أسسته المبادرة، ليقيم فيه الطلاب بشكل دائم، كما تقول علياء عماد الدين، المشرفة على المشروع.
وأوضحت علياء، بعد إنهائها لواحدة من الحصص لطلابها، الذين بلغ عددهم حاليا 60 طالبا، أن “الدراسة موزعة على 3 مستويات، تبدأ بتعلم القراءة والكتابة العربية، قبل الانتقال إلى تدريسهم الرياضيات واللغة الإنكليزية”.
ولا يقف المشروع عند التعليم الأكاديمي، بل يمتد إلى معاونة الطلاب على الالتحاق بمعاهد التعليم الحرفي، وذلك لإتقان حرف مثل صيانة السيارات، يخرجون بعدها إلى سوق العمل وهم مؤهلون تمامًا، بحسب المشرفة على المشروع.
وبملامح مغتبطة، مفعمة بالأمل الذي يطويه بين دفتي كراسته، قال الفتى مازن (12 عامًا) “أشعر في هذا الشاطئ ولأول مرة بأن لي قيمة، بعد 5 سنوات قضيتها متشردًا”. وبنبرة مقتبسة من ماض أثقل عليه الجوع والخوف، يحكي مازن كيف أنه غادر منزل أسرته بعد وفاة والدته، هربًا من قسوة والده، وكيف أن شباب “مجددون” أعانوه، ليهرب مرة ثانية من معاناة الشوارع، محتميًا بأسرته.
وخلال أشهر عملها القليلة نسبيا، نجحت هذه المبادرة في إعادة عدد من الأطفال المشردين إلى ذويهم، مع التكفل بكل مصاريفهم، من غذاء وملبس وغيرهما.
خطر الإدمان
يحرص أعضاء المبادرة على اليوم الصحي للكشف الطبي العادي للأطفال بعيدا عن طرح معالجة مشكلة الإدمان بصفة مباشرة، لأن كل الجهات التي تحاول رعاية المتشردين تبدأ معهم بمشكلة الإدمان، وهذا أصعب أمر قد يواجه الأطفال في بداية رعايتهم وإنقاذهم من العالم القاتم الذي كانوا يعيشون فيه.
تقول علياء “نحن لم نضغط عليهم أو نفرض عليهم التخلص منه وكانت النتيجة أن كثيرا منهم لا يتعاطون المواد المخدرة على الأقل أثناء الحصة ووقت الفطور والتمرين الرياضي، وفي إحدى المباريات عندما خسرت مجموعة ضد الأخرى قال أحد تلاميذ المجموعة الخاسرة لزملائه “نحن خسرنا بسبب الإدمان” أي أنهم سيتركونه من تلقاء أنفسهم لأنهم قد علموا أنه ضار بصحتهم ويؤثر على نشاطهم وقوتهم”.
ويتباهى مازن بأنه أقلع عن تعاطي “السبيرتو”، تلك المادة المخدرة، زهيدة الثمن، التي دأب وأقرانه من المشردين على تعاطيها، وبات الآن يتمتع بـ”حياة صحية أفضل”.
وممتدحًا أستاذته كوثر بكري، التي تدرسه حصصًا في التربية الإسلامية، جزم مازن، وسبابته تشير إلى رفاقه في الفصل، بأنه “مصمم على مواصلة تعليمه مع زملائه”.
المعلمة كوثر بكري قالت “أكثر ما يميّز هؤلاء الأطفال هو ترابطهم وحبهم لبعضهم البعض، الأمر الذي يسهّل التعامل معهم”. وبكثير من الإعجاب تشرح المعلمة كيف أن طلابها “يتميّزون بدرجة مواظبة عالية ورغبة حقيقية في التعلم”.
وما يسعد كوثر ورفاقها أن مشروعهم بدأ يثمر، حيث أكمل أحد التلاميذ المقرر، وبات مؤهلا للالتحاق بمدرسة نظامية، وآخر تفوق في اللغة الإنكليزية، ويخطط للجلوس مستقبلا لامتحان الثانوية البريطانية، من أحد المعاهد في الخرطوم. من ضمن المشاكل التي تواجه الفريق المشرف على مبادرة “مجددون” تقول كوثر “أحيانا تجد طفلا مريضا ويحتاج إلى رعاية فنضطر إلى إبقائه في مكاتب المنظمة، ومرة كان لدينا أربعة أطفال مرضى، والمشكلة الأخرى هي هروب البعض منهم من المشروع ككل، كما
إنه لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المتشردين في الولاية لكننا نستقبل أي طفل يحضر إلينا.
أما بالنسبة إلى الإجراءات أو التراخيص فنحن لا نضطر لفعل أي شيء منها، لأننا لم نجد أي جهة تقف في طريقنا أو تعترض على المشروع ووجودنا في الشارع العام، بل على العكس حضر إلينا وإلى الخرطوم الكثيرون، وأيضا البعض من الجهات الأمنية وقاموا كلهم بتشجيعنا”.
ولدى المنظمة مشاريع أخرى من ضمنها “مشروع إنسان” وهو خاص بدعم الأسر الفقيرة بحيث تعطي كل أسرة رأس مال يتم إرجاعه من أرباح المشروع في فترة زمنية محددة، إضافة إلى “مشروع تحسين البيئة المدرسية” وهو عبارة عن توفير السقي وآبار وصيانة للمدارس، وكذلك “مشروع تنمية الريف” وينتمي إليه المعلمون والأطباء والقابلات والدعاة في المناطق الريفية وتقوم الفكرة على أخذ المنظمة لتمويل من البنك وتشغيله في مشاريع مختلفة، مثل تسمين عجول أو زراعة، ثم تقوم بتوزيع الأرباح على الأشخاص الذين قاموا بتسجيل أسمائهم مسبقاً لدى المنظمة.
وهناك أيضا “مشروع بنك الملابس” ويقوم على جمع الملابس ومن ثمّ توزيعها على المحتاجين. وتخطط المبادرة إلى توسعة مشروعها، ولا يحدّ أحلامها في نجدة هؤلاء الأطفال أن عددهم يتسع، مقابل تمويلهم المحدود، الذي يعتمد بالأساس على تبرعات الخيّرين.

المصدر : العرب
1