أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
يافا عروس حضارة كنعان الضاربة في عمق التاريخ !!
بقلم : نبيل السهلي  ... 05.05.2014

المدينة الفلسطينية التاريخية تعد إرثا حضاريا عربيا صامدا في مواجهة محاولات طمس معالمها التراثية والثقافية
مدينة يافا من أقدم المدن الفلسطينية التاريخية الثرية بمخزونها الحضاري والثقافي الممتد إلى عصور ما قبل الميلاد، ورغم محاولات التهويد التي تتعرض لها منذ الاحتلال الإسرائيلي إلا أنها تظل صامدة إذ لا يمكن لأي كان محو إرثها الحضاري أو إعادة كتابة تاريخها من جديد.
تشير الدراسات التاريخية إلى أن الكنعانيين هم من أسسوا مدينة يافا في الألف الرابع قبل الميلاد، ومنذ ذلك التاريخ مثلت المدينة مركزا تجاريا هاما للمنطقة، حيث بدأ ساحل فلسطين في تلك الفترة يشهد ازدهار العمران وتواجد السكان الذين بدت لهم رابية (ما ارتفع من الأرض) يافا موقعا جذابا، فازدهرت المدينة عبر العصور القديمة خاصة في عهد الفراعنة الذين احتلوها وعهد الحكم الآشوري والبابلي والفارسي قبل الميلاد.
وكانت للمدينة صلة وثيقة مع الحضارة اليونانية ثم حكمها الرومان والبيزنطيون وكان سكانها من أوائل من اعتنق المسيحية، ومن أهم الأحداث التاريخية التي شهدتها يافا نزول النبي يونس بشواطئها في القرن الثامن قبل الميلاد، ليركب منها سفينة قاصدا ترشيش.
ولما فتحت فلسطين دخل عمرو بن العاص يافا في نفس عام دخول عمر بن الخطاب القدس، وظلت يافا تحتل مكانة هامة بين مدن فلسطين، وبقيت مركزا تجاريا رئيسيا ومرفأ لبيت المقدس ومرسى للحجاج، وفي الفترة العثمانية، وتحديدا عام 1885، تأسس في يافا أول مجلس بلدي.
وتتمتع مدينة يافا بموقع طبيعي متميز على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهي بذلك تعتبر إحدى البوابات الغربية الفلسطينية، حيث يتم عبرها اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط وأوروبا وأفريقيا.
ويُعتبر ميناؤها أحد أقدم الموانئ في العالم، حيث كان مرسى للسفن منذ أكثر من 4000 عام، ولكن في 3 نوفمبر 1965 تم إغلاق ميناء يافا أمام السفن الكبيرة، وتم استخدام ميناء أشدود بديلا له، وما زال الميناء يستقبل سُفن الصيد الصغيرة والقوارب السياحية.
واعتبرت مدينة يافا حتى عام النكبة العاصمة الثقافية لفلسطين، حيث كانت تطبع فيها أهمّ الصحف الفلسطينية اليوميّة ومنها صحيفتا فلسطين والدفاع، فضلا عن عشرات المجلات ودور الطبع والنشر إلى جانب انتشار دور السينما والمسارح والأندية الثقافية.
وخلال الحرب العالمية الثانية، نقل البريطانيون محطة إذاعة الشرق الأدنى إلى يافا، وقد مثلت هذه المحطة أحد المراكز الهامة للحياة الثقافية بالمدينة في السنوات 1941-1948. هذا البُعد الثقافي للمدينة ربطها بأهم المراكز الثقافية العربية حينها كالقاهرة وبيروت، وأصبحت إحدى منارات العلم والثقافة في المنطقة، حتى لقبت بعروس البحر.
وتؤكد دراسات تاريخية أن الحركة الثقافية نشطت في يافا وازدهرت في القرن التاسع عشر، وتم تأسيس عدد من النوادي الثقافية منها أول ناد نسائي عربي سنة 1910، ودفع تقدم وسائل الاتصالات إلى تطور الصحافة مما جعل المدينة تمثل المنارة الثقافية للمنطقة، واشتهر تطريز القماش بيافا بدقته وأناقته، فالغرز منمقة والرسومات أنيقة ومعبرة، وعند دراسة رسومات التطريز على الثياب النسائية نلاحظ أن تمسك سكانها العرب بالثقافة والهوية العربيتين من خلال الهندام والموسيقى والفن التشكيلي والطهي وغيرها من الفنون.
وفي الرابع من شهر يناير عام 1948 م، قامت المنظمات اليهودية بنسف “سرايا الحكومة” في وسط المدينة، التي كانت مقرا لدائرة الشؤون الاجتماعية، وفي 1948/05/15 انسحبت القوات البريطانية من المدينة، ودخلت القوات الصهيونية وعلى رأسها منظمة الهاجانا المدينة ومارست السلب والنهب والاستيلاء على ما تجده، ويوم السادس والعشرين من أبريل عام 1948 احتلت مدينة يافا، وتم تهجير معظم سكانها العرب.
وعاشت المدينة منذ عام 1950 محاولات تهويد الزمان والمكان؛ فقد ضمّت ما يسمى ببلدية تل أبيب مدينة يافا لسلطتها، ودمجا في بلدية واحدة تسمى بلدية تل أبيب- يافا، يشكل فيها السكان العرب حوالي اثنين في المئة، ومنذ اللحظة الأولى وضعت بلدية تل أبيب- يافا مخطط تهويد المكان، فغيّرت كل أسماء شوارع مدينة يافا إلى أسماء عبرية لقيادات الحركة الصهيونية أو أسماء غريبة عن المكان لا تمتّ له ولتاريخه العربي العريق بأية صلة، كما عملت على تغيير الطراز المعماري للمكان من خلال هدم جزء كبير من المباني القديمة، وهدم أحياء وقرى بكاملها.„
ومنذ ذلك الحين تتعرض يافا إلى سلسلة من عمليات تغيير وجهها ومحاولة محو تاريخها وطابعها العربي العريق وتبذل السلطات الإسرائيلية مساعيها لصبغ الأحياء العربية في يافا بالصبغة اليهودية تحت مسميات التطوير، وهي أعلى درجات تزييف التاريخ والتهويد التي تشهدها المدينة.
وتعيش يافا ممارسات لمحاولة طمس معالم المدينة ويتحول أشهر أحيائها العجمي إلى “جنة الأغنياء “، وتهدم البيوت العربية ويمنع أصحابها من ترميمها، ويدفع أثرياء الحركة الصهيونية مبالغ خيالية تصل إلى نصف مليون دولار لشراء بيت متواضع من مالكه العربي، وتقام الفنادق على مقابر المدينة وتحاصر مساجدها بالبنايات العالية ويحاصر الأذان فيها. بالإضافة إلى تحويل المدينة القديمة إلى قرية للفنانين اليهود، لكن مقابل ذلك ثمة حركات شعبية وثقافية تسعى جاهدة للحفاظ على إرث مدينة يافا الحضاري، وترتفع وتيرة تلك النشاطات في الذكرى السنوية لنكبة 1948، لمواجهة سياسات إسرائيل الرامية إلى تهويد الزمان والمكان في فلسطين، وبشكل خاص في منارة فلسطين الثقافية مدينة يافا.

1