أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
دروز لبنان يحيون عيد الاضحى بطقوس دينية واجتماعية خاصة!!
بقلم : حمزة تكين  ... 16.10.2013

عبيه ـ جبل لبنان ـ عيد الأضحى هو العيد الديني “الأهم والأكثر شعبية” عند طائفة الموحدين الدروز في لبنان، يحتفلون به كما يحتفل به المسلمون السنة والشيعة، مع تميزهم ببعض الطقوس الخاصة التي يحرص عليها أبناء الطائفة طوال أيام العيد.
زيارة “الخلوة”، التي تعتبر دار التعبد عند الدروز، والزيارات المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء، التصالح وحل المشاكل، التصدق والتبرع على الفقراء والمحتاجين، وصناعة كعك العيد، هي من أهم العادات التي يحرص عليها الدروز خلال أيام العيد الذي يحمل معنى التضحية بشهوات النفس وتقييم للنفس والعمل.
وقال الشيخ هادي العريضي، رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز (يتولى إدارة مختلف شؤون الطائفة)، إن “الدروز يحتفلون بعيد الأضحى كما تحتفل به بقية المذاهب الإسلامي”.
وأضاف الشيخ العريضي، في مقابلة مع وكالة “الأناضول” في قرية عبيه بجبل لبنان (غرب)، التي تضم مقام المرجع الديني الدرزي عبدالله جمال التنوخي، أن “هذا العيد يأخذ عادة طابعا شعبويا أكثر من الأعياد الأخرى التي يحتفل بها الدروز وخاصة المشايخ منهم، كعيد الفطر وعيد رأس السنة الهجرية”.
وتابع: “عيد الأضحى هو الأهم بالنسبة للدروز، لما يحمله من أبعاد دينية وروحية واجتماعية، وتشارك فيه كل شرائح المجتمع الدرزي، فهو العيد الأكثر شعبية عندنا”.
وأضاف أن أبناء الطائفة، والمشايخ تحديدا، يحيون الليالي العشر التي تسبق يوم الأضحى بالدعاء والصلوات ومجالس الذكر والاستماع للمواعظ الدينية والذكر الحكيم.
وأوضح الشيخ العريضي أن المشايخ الدروز، ومع بداية الليلة الأولى من الليالي العشر التي تسبق العيد، يدخلون بإحرام تام بنية قاصدة وجه الله تعالى.
ويبرر ذلك بقوله: “هم ينزعون بذلك ثوب الجهل والحقد والكراهية وما تمثله النفس الأمارة بالسوء، ويلبسون ثوب العلم والطاعة”.
وعن أجواء العيد بين مختلف الطوائف الإسلامية في لبنان، قال الشيخ العريضي إن “مشيخة العقل الدرزية تتبادل التهاني والتبريكات بشكل رسمي مع المراجع الإسلامية الرسمية في لبنان في دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”.
أما عن أجواء العيد شعبيا، فقال: “للأسف، نفتقد اليوم الترابط الحقيقي بين الطوائف والمذاهب في لبنان”، داعيا إلى “مزيد من العمل لتوحيد الصفوف وتصفية القلوب بين كل اللبنانيين”.
ومضى قائلا إن “الترابط والتواصل بين مختلف الطوائف كان مميزا وقويا جدا قبيل الحرب الأهلية البغضية (1975: 1990)، وكان أهالي بلدة بيصور الدرزية وجارتها بلدة كيفون الشيعية في جبل لبنان، يتبادلون التهاني والزيارات بعيد الأضحى في صورة جميلة جدا، وعلى مر سنين طويلة “.
وحول أهم المقامات الدينية التي يقصدها الدروز في عيد الأضحى خاصة، أوضح العريضي أن “مقام العلامة المرجعي الأمير عبد الله جمال التنوخي في عبيه، الذي عاش في القرن الخامس عشر، هو من أهم المقامات الدينية عند الدروز في لبنان والمركز الأول للاستقطاب”.
وأوضح أن “السبب في ذلك هو الأهمية الدينية الكبرى لصاحب المقام، حيث فسر القرآن الكريم بطرق حياتية يأسر بها كل أبناء الطائفة”.
وأضاف الشيخ العريضي أن “الدروز يزورون مقام العلامة التنوخي على مدار العام، ويخصونه بزيارات خاصة في عيد الأضحى للتبرك والدعاء وأداء النذور”.
ودعا المسلمين عامة واللبنانيين خاصة إلى “مزيد من الوحدة والعودة إلى المفاهيم الحقيقية للدين الحنيف من أجل نزع فتيل الفتن وشق الصفوف”.
إضافة إلى تلك العادات والتقاليد الدينية التي يحرص عليها الدروز، فإنهم في موازاة ذلك يحرصون على عادات اجتماعية وشعبية أهمها تحضير وصناعة كعك العيد في المنازل.
السيدة عفاف نصر الدين غيدان، إحدى سيدات قرية عبيه، تحرص كغيرها من أبناء المجتمع الدرزي على تقليد صناعة كعك العيد الذي تعتبره “بركة خلال عيد الأضحى”.
وفي منزلها، تقيم السيدة غيدان طقوسا خاصة لصناعة كعك العيد، إذ يجتمع الأقارب والجارات في منزلها، من أجل المشاركة والمساعدة في تحضيره، فكعك العيد ليس فقط للضيافة، بل “هو فرصة للتواصل الاجتماعي الحميم” .
وكما في أي مجتمع، يأخذ الأيتام والأطفال حصة كبيرة من الاهتمام خلال الأعياد، فبيت اليتيم الدرزي في قرية عبيه، الذي تأسس عام 1939 يضم حاليا حوالي 500 طفل يتيم، تنظم لهم أنشطة خاصة خلال عيد الأضحى لإسعادهم والترويح عنهم.
وقالت رئيسة البيت، حياة النكدي، إن “البيت يقدم للأطفال خلال العيد كل ما يحتاجونه، بدءا من تنظيم سهرة جامعة في ليلة العيد وصولا إلى الرحلات والحفلات والزيارات خلال أيام العيد الأربعة”.
وتتميز قرية عبيه باحتضانها، إلى جانب أهلها الدروز، عددا كبيرا من العائلات المسيحية التي تهجرت خلال المعارك بين ميليشيات درزية ومسيحية في ما عرف بـ”حرب الجبل” عام 1983. وارتكبت خلال هذه الحرب العديد من المجازر في حق المدنيين من الفريقين وتسببت في تدمير العشرات من القرى وتهجير سكانها.
أما اليوم، ومع عودة التقارب بين المسيحيين والدروز والسعي من قبل المسؤولين إلى إرساء مصالحة شاملة كاملة بين الجانبين، بدأ عدد قليل من مسيحيي عبيه بالعودة إلى منازلهم في القرية لترميمها والسكن فيها من جديد على أمل ترسيخ المواطنة بين أبناء القرية.
وتتجلى هذه المحبة المتجددة بين المسيحيين والدروز خلال عيد الأضحى بين سيدتين تحملان الاسم نفسه، الأولى عفت حمزة (درزية)، والثانية عفت كنعان (مسيحية)، اجتمعتا على طاولة غداء في أول أيام العيد، الى جانب عدد من الأصدقاء والأقارب في منزل أثري يتجاوز عمره 700 سنة تملكه الأخيرة .
وشددت السيدتان على أن التاريخ يشهد أن الدروز والمسيحيين كانوا أخوة متحابين في لبنان، يتبادلون التهاني والزيارات خلال الأعياد على اختلافها، مشيرتان الى أن الحرب الأهلية هي التي تسببت بشرخ بين الجانبين.
وقالت عفت كنعان: “كان أصدقاؤنا الدروز يشاركوننا أعيادنا المسيحية، ونحن نسعى إلى أن تعود تلك الأيام”.
بدورها، قالت عفت حمزة :”كفتيات درزيات تربينا أيام صغرنا في إحدى الدور المسيحية”، مبدية سرورها بعودة المسيحيين إلى قرية عبيه وغيرها، على أمل “عودة التعايش”.
وقال سليم كنعان، شقيق عفاف كنعان: “نحن، دروز و مسيحيون، مجتمعون اليوم بمناسبة عيد الاضحى مثل أيام زمان”.
ولا يتخطى عدد الموحدين الدروز، الذين ينتشرون بشكل خاص في بلاد الشام (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين)، عتبة المليون شخص، فيما تغيب الاحصاءات الخاصة بأعدادهم في بلاد المهجر.
ويُعد الدروز أقلية في لبنان مقارنة بباقي الطوائف، إذ لا يتجاوزون الـ8% من مجمل سكان لبنان البالغ عددهم حوالي 4 ملايين نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي ما بين سنة وشيعة ومسيحيون.
وينتشر الموحدون بشكل خاص في منطقة الجبل اللبناني، وبالتحديد في جبل لبنان الجنوبي، ولاسيما في مناطق الشوف، عاليه، المتن، كما في وادي التيم، راشيا وحاصبيا (البقاع وجنوب لبنان)، فيما تعيش أقلية منهم في العاصمة بيروت.
والموحدون يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون؛ فهم يعتبرون القرآن الكريم كتابهم الأساسي، إلا أنهم، وفي بداية القرن الحادي عشر الميلادي، ومن القاهرة، انطلقوا بمذهب جديد على أيدي أئمة فاطميين يقوم على الإسلام كقاعدة أساسية، وعلى الايمان والاجتهاد، ويتأثر بالفلسفة والتصوف.
ويقوم مذهب الموحدين الدروز على مبدأ التصوف، فتُقام الصلوات في مجالس أو خلوات، وهي عادةً تكون أماكن متواضعة لممارسة العبادة. ويُعرف عن الموحدين الدروز أنّهم يمارسون عبادتهم في تكتم وسرية، ويتردد أن عندهم كتاب عن “الحكمة”، يرفضون تعميمه أو الكشف عن محتوياته.

1