أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
تجارة الفحم تقضي على ما تبقى من غابات أفريقيا !!
بقلم : الديار ... 28.09.2019

هل هي الحاجة التي تدعو إلى قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم أم جشع الربح والتجارة دون وازع بيئي وحساب للمخاطر البيئية التي تحل بالغابات الأفريقية التي تتنفس بها القارة؟ هما عاملان يتشاركان في ما يمكن أن نسميه جريمة بيئية أضرارها ستمتد لسنوات وعلى مر أجيال، فرغم القوانين والمبادرات البيئية ما زالت صناعة الفحم في مختلف الغابات الأفريقية نشيطة.
كمبال- رودني موهوموزا- يتوغل الرجال الذين يحملون المناجل إلى أعماق الغابات لمدة أسابيع في المرة الواحدة، ويقومون بقطع الأشجار التي سيتم حرقها ويقسمونها إلى قطع من الفحم.
ولأن هذه العملية تتم غالبا في الليل وتستهدف الأراضي العامة، فإنها تمر دون عقاب بينما تقضي على الغابات في أجزاء من أفريقيا. وقد أكدت الحرائق التي حدثت في غابات الأمازون المطيرة في البرازيل تحديات الحفاظ على الغطاء الغابي للأرض والذي يوجد قدر كبير منه في أفريقيا.
وبعد الأمازون، تأتي الغابات الاستوائية المطيرة لحوض الكونغو، التي تغطي مساحة بحجم أوروبا الغربية، كثاني أكبر الغابات في العالم، وغالبا ما يشار إليها بالرئة الثانية لكوكب الأرض.
تكافح أفقر قارات العالم، التي يقطنها أكثر من 1.2 مليار نسمة، لحماية غاباتها وسط انفجار سكاني يزيد من الطلب على مصادر الطاقة القائمة على النباتات التي يراها الكثيرون رخيصة الثمن، خاصة الفحم.
حوالي 25 بالمئة إلى 35 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة المتغيرة للمناخ تأتي مما يسمى بحرق الكتلة الحيوية، والتي تشمل أيضا الحرائق الموسمية التي تتم عمدا لتطهير الأراضي للزراعة، والتي تأتي غالبيتها في المناطق المدارية في أفريقيا، وفقا لوكالة الفضاء الأوروبية.
ويعتبر الاعتماد على الفحم أو الحطب هو الأعلى نسبة في أفريقيا وآسيا، وفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة عام 2018، حيث تعتمد بعض المدن الأفريقية اعتمادا كليا على الفحم لأغراض الطهي. وفي كينشاسا، عاصمة الكونغو، يعتمد 90 بالمئة من السكان على الفحم بشكل رئيسي، حسبما ذكر التقرير.
وفي الصومال، فإن قطع الأشجار للحفاظ على تجارة الفحم غير المشروعة منتشر على نطاق واسع إلى درجة أن الأمم المتحدة حذرت من أن عملية التصحر هناك تهدد الاستقرار.
وتقدر قيمة تجارة تصدير الفحم من دولة القرن الأفريقي إلى الشرق الأوسط وأماكن أخرى، على الرغم من حظرها، بأكثر من 360 مليون دولار سنويا. وتم استخدام حوالي 8.2 مليون شجرة للفحم بين عامي 2011 و2017، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
وفي أوغندا، إحدى دول شرق أفريقيا التي ألهمت نباتاتها المورقة ونستون تشرشل في تسميتها “بلؤلؤة أفريقيا”، حذرت السلطات منذ فترة طويلة من الطبيعة غير المستدامة لتجارة الفحم، والتي لا تزال قائمة على الرغم من امتداد شبكة الكهرباء في عمق البلاد. ولا تزال الطاقة الكهرومائية مكلفة للغاية بالنسبة للعديد من الناس حتى في العاصمة كمبالا، حيث تدير العائلات من الطبقة المتوسطة مواقد الفحم للحفاظ على فواتير الكهرباء.
وقال إدوين موهوموزا، وهو ناشط في مجال حماية البيئة يدير مجموعة “يوث غو غرين” التي تتخذ من كمبالا مقرا لها، “إن زيادة الطلب على الفحم حوّلته إلى سلعة ثمينة تشبه إلى حد كبير الذهب أو القهوة”. وقال موهوموزا “نحن قلقون حقا. ما يزعج هنا حقا هو أنهم يقطعون الأشجار ولكن لا يستبدلونه“.
وتحث الهيئة الوطنية لإدارة البيئة، وهي وكالة حكومية، السلطات على إلغاء ضرائب الاستهلاك على غاز البترول السائل، وهو مصدر بديل لطاقة الطهي، لإنقاذ الغابات من تجارة الفحم.
وتظهر الأرقام حجم الكارثة التي تحدث، حيث بلغت نسبة الغطاء الغابوي في أوغندا كنسبة مئوية من إجمالي الأراضي 9 بالمئة في عام 2015، بعد أن انخفضت عن 24 بالمئة في عام 1990، وفقا لبيانات الحكومة. لكن السلطات في المناطق الشمالية مثل غولو، التي توفر الكثير من الفحم الذي يدخل كمبالا، تقاتل مرة أخرى في حملة أسفرت عن احتجاز العشرات من شاحنات الفحم منذ عام 2015.
وينظم رئيس منطقة غولو، مارتن مابندوزي، غارات وحملات على أمل اعتقال تجار الفحم، يقول “قطع الأشجار غير القانوني انخفض لكن تدمير الغابات لحرق الفحم لا يزال مرتفعا، هو أمر إشكالي بالنسبة لنا، لكننا نقاتل”.
وارتفع سعر كيس الفحم، الذي يمكن أن تستخدمه عائلة صغيرة لعدة أسابيع، بشكل مطرد في كمبالا، حيث وصل إلى حوالي 28 دولارا في أغسطس، بسبب انخفاض الإمدادات التي تأتي من أماكن مثل غولو. ولا يمكن للكثيرين تحمل ثمن شراء حقيبة كاملة، ويقومون بشراء كميات أقل بشكل يومي.
وقالت روز توين، صاحبة مشروع بيع موقد صديق للبيئة، إن ثمن الفحم لا يزال مرتفعا جدا بالنسبة للكثير من العائلات، وحذرت ضد ما تسميه بالاعتماد غير المستدام على الفحم. يكلف الموقد الواحد، والذي يستخدم فيه الصخور البركانية التي يمكن أن تستمر لمدة تصل إلى عامين، 110 دولارات.
وقالت، إن نفقات الفحم السنوية لعائلة نموذجية عند حوالي 80 سنتا في اليوم، يمكن أن تتجاوز 300 دولار، مضيفة “الفحم في الواقع ليس أرخص ثمنا. لكن الناس يتمسكون بطرقهم القديمة”.
وقالت إنه منذ عام 2011، تم بيع حوالي 55 ألف فقط من المواقد الصديقة للبيئة للأسر في دولة يزيد عدد سكانها عن 40 مليون شخص، مما يؤكد تحديات بيع بدائل الفحم. وقد ألهم تدهور الغابات المستشري حملات في بعض الدول الأفريقية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وقال برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، إن الغابون أصبحت هذا الأسبوع أول دولة أفريقية تحصل على مدفوعات مقابل جهود لخفض انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن إزالة الغابات، واصفا الصفقة التي تبلغ قيمتها 150 مليون دولار على مدى عشر سنوات بأنها “تاريخية من نواح كثيرة”.
وفي يوليو، قاد رئيس وزراء إثيوبيا مجهودا تمت فيه زراعة أكثر من 350 مليون شجرة في يوم واحد في جميع أنحاء البلاد المعرضة للجفاف، والتي انخفض غطاؤها الغابوي إلى 4 بالمئة في عام 2000 مقارنة بـ35 بالمئة في القرن السابق، وفقا لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.
تم إطلاق مبادرة مماثلة للبيئة في كينيا، حيث يتم وضع خطة لإخلاء نحو 60 ألف شخص بالقوة من النظام البيئي لغابات ماو، التي تقول السلطات إنها مهددة بعمليات الإزالة.
ومع ذلك، يقول بعض النشطاء ودعاة الحفاظ على البيئة إن غرس الأشجار وحده قد لا يكون كافيا لإنقاذ غابات أفريقيا، ويحثون الحكومات على الاستثمار أكثر في مصادر الطاقة البديلة للأسر الفقيرة. وقد دعا مابندوزي، المسؤول الأوغندي الذي يشن حملات ضد حرق الفحم، إلى إنشاء تشريع عقابي، وحث السلطات على جعل الكهرباء أرخص.
وقال إن المسؤولين في بعض المناطق الشمالية أقروا قوانين تحمي بعض أنواع الأشجار من القطع للاستخدام كأخشاب أو فحم. وقال عن محارق الفحم “لا يمكننا أن ننجح في تعقبهم في الغابة طوال الوقت”.
ويعتقد آخرون بأن اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة فقط مثل فرض حظر على تجارة الفحم يكفي. وقال موهوموزا، الناشط المعادي لإزالة الغابات “لا بد من فرض حظر كامل بنسبة مئة بالمئة”.

1