أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
ثلث اللبنانيين يلبسون رداء الفقر !!
بقلم : الديار ... 17.08.2018

*الفقر ظاهرة تنتشر في أغلب الدول العربية، لكنها في لبنان صارت مثل الوباء تنتشر لتشمل طائفة من الطبقة المتوسطة، التي أصبحت تعاني بدورها من غلاء المعيشة.
الفقر لا يشمل فقط من يعانون من البؤس؛ الذين يتسولون ويبحثون في القمامة عما يأكلون، بل يشمل أيضا من ليس له دخل جيد وقدرة شرائية جيدة، ومن لا يستطيع تأمين السكن والصحة والتعليم، ومن ليس بإمكانه الحصول على فرص العمل، ولا يمكنه أن يؤمن احتياجاته وأسرته بالقدر الذي يرغب فيه.
وتشير آخر دراسات البنك الدولي عن لبنان إلى أن 30 بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر ما يعني أن حوالي ثلث الشعب اللبناني هو من الطبقة الفقيرة. وخط الفقر هو معيار يعتمده البنك الدولي ويصنف على أساسه فئات المجتمع اقتصاديا.
ويستخدم البنك الدولي عادة خط الفقر الدولي المعدل البالغ 1.90 دولار أميركي للفرد يوميا، وهذا يعني أن ثلث اللبنانيين يعيشون على أقل من 3 آلاف ليرة لبنانية في اليوم مع ما تحتاجه حياتهم اليومية من أكل وشراب ودواء ومياه وغيرها، وهذا مبلغ غير كاف لحياة إنسانية سواء في الريف أو المدينة.
ويسكن هؤلاء الفقراء في الضواحي الجنوبية والشرقية لبيروت وفي طرابلس ووادي خالد وأقصى مناطق عكار إلى جانب الحدود السورية وفي عرسال والقاع وضواحي مدينة صور وصيدا وبعلبك ومناطق متفرقة من البقاع والهرمل وشبعا والنبطية.
ويؤكد الخبير أديب نعمة، أن “ثلث اللبنانيين هم فقراء، 5 بالمئة منهم فقراء جدا، يتوزعون على مناطق مختلفة، وتنخفض نسبة الفقر في بيروت وفي القسم الأكبر من جبل لبنان إلى 15 بالمئة، فيما تتضاعف النسبة إلى الثلثين في الأطراف مثل الضنية، بعلبك الهرمل، عكار، مرجعيون وحاصبيا، وداخل المدن مثل مدينة طرابلس”.
ويجبر الفقر كثيرا من اللبنانيين على النزول للشوارع يسألون الناس عن إعانة يسدون بها الرمق، أو شراء علبة دواء، ومنهم من دفعه الحفاظ على كرامته إلى الاتجاه للقمامة لعلها تسعفه ببعض الطعام، فالأغنياء يلقون بفضلات يراها الفقراء ذات قيمة ومفيدة خاصة أذا لم تتعفن.
وينشر اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لرجل عجوز أو امرأة مسنة يبحث عن الطعام في صندوق قمامة أو مكب للنفايات، رغم ما تخلفه هذه الصور من ردود فعل منددة بإهانة هؤلاء من خلال نشر صورهم طالبين حذفها من مواقع التواصل.
هؤلاء الفقراء اكتسبوا خبرة بمعرفة الأماكن التي يجدون فيها الطعام وحتى التوقيت، عليهم فقط بكثير من الصبر على الجوع، وخاصة في فصل الشتاء البارد، أما في الصيف فالحال أهون عليهم وخاصة أولئك الذين ينامون بالشارع.
يقول المسن أبومازن الذي ينام تحت جسر الدورة ويقتات من الشوارع المجاورة، إن الحياة غدرت به فلم يتزوج بعد أن ماتت زوجته الأولى التي لم تنجب له أطفالا، وترك الغرفة التي كان يسكنها بعد أن رفع صاحبها الإيجار، فاضطر إلى إخلائها ليفترش الأرض ليلا، ويتجول صباحا بين مكبات النفايات يبحث عن كل ما يمكن أن يباع أو أي شيء صالح للأكل. وتكون المدن الكبيرة كبيروت وطرابلس ملاذا للذين لفظتهم الأرياف والبلدات الصغير وأتوا للبحث عن شغل وتأمين حياتهم، فانتهوا إلى متسولين، هم وأطفالهم بعد عجزهم عن تسديد تكاليف الحياة الباهظة.هؤلاء، وإن توفر لهم سكن، فستكون غرفا شبه مسقوفة مسكونة بالرطوبة بلا حمام ولا مطبخ ولا تستجيب إلى أدنى الشروط الصحية في أحياء بعيدة لا يسكنها إلا الفقراء.في لبنان اليوم لا يأمل الفقراء أن تتحسن أحوالهم وينتقلون إلى ظروف الحياة الكريمة بل يزداد فقرهم، كما يزداد فقر متوسطي الحال نتيجة غلاء الأسعار وارتفاع معلوم إيجار السكن وتدهور القيمة الشرائية لرواتبهم.يقول أحمد (32 سنة أب لطفلين)، إن راتبه بالكاد يصمد أمام الأيام العشرة الأولى من الشهر، الأمر الذي يدعوه إلى البحث عن عمل ثان، بالرغم من أن زوجته تعمل.ويضيف، “راتبي بأكمله يذهب لتسديد أقساط مدرسة الأطفال وفوائد المصرف، وراتب زوجتي يذهب لإيجار المنزل، وفواتير الماء والكهرباء” وباقي المصاريف نعتمد فيها على “الاستدانة من بعض المحال التجارية التي نسدد لها أموالها شهريا، وعلى الاستدانة من الأقارب أو الأصدقاء في المصاريف غير الغذائية”.الموظفون الذين يعانون من تدبير مصاريف البيت كل شهر كثيرون، وخاصة من كان له أطفال وزوجته لا تعمل، فالأمر يزداد سوءا.
فحال الشباب ممن لا يزال في العزوبية قاتم أيضا حتى أولئك الحاصلين على شهادات جامعية، فأغلبهم لم يحصلوا على شغل براتب يلبي لهم طموحاتهم، كما حال كارم الذي تخرج من الجامعة في اختصاص الاقتصاد، لكنه يعمل في مؤسسة بيع الأجهزة الإعلامية براتب 800 دولار، لكي لا يبقى عاطلا عن العمل، يقول كارم “بالكاد يستطيع راتبي أن يكفي مصروفي الشخصي رغم أني ما زلت أسكن مع عائلتي التي تتكفل بالسكن والطعام”.ويؤكد أنه يلجا إلى والدته في تدبير مصروف ثلث الشهر الأخير، خاصة إذا ما قرر أصدقاؤه تنظيم سهرة أو كان له موعد مع صديقته التي صارت تعرف جيدا أن في النصف الثاني من الشهر يقلل فيه كارم من مواعدتها.سيرين تقدر ذلك، فهي مثله تعاني من الراتب الضعيف، خاصة وأنها تدفع نصف إيجار البيت ما يعادل 300 دولار مع صديقتها. مثل هؤلاء الشباب لا يتحدثون اليوم عن الاستقرار والزواج وتأسيس أسرة، بل يعيشون يومهم حالمين بمغادرة البلاد التي لا يحب السياسيون إصلاح شأنها.في ظل هذه النسبة المرشحة للارتفاع، يطالب الناشطون في المجتمع المدني وخبراء علم الاجتماع الحكومة بالتحركات الجدية لمعالجة هذه المشكلة التي قد تؤدي إلى بروز مشاكل إضافية أخرى خاصة وأن أبناء الطبقة الفقيرة هم الفئة الأكثر أمية وتخلفا وأكثر عرضة للأمراض والتي غالبا ما تتفشى بينهم على شكل وباء، إضافة إلى انتشار تجارة الممنوعات كالمخدرات وارتفاع نسبة السرقة والجريمة بصفة عامة.

1