أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
"أربع نسوان ورجل مثقف".. رواية تعري عقلية الفحولة !!
بقلم : هيثم حسين ... 20.09.2013

عبير مرعي تقدم الرجل على أنه واجهة لثقافة ملمّعة إقصائيـة برغم ما تتقنـّع به مـن أزياء معـاصرة تـرقع بعض الظواهر.
*في رواية عبير يغيب صوت الرجل وتتسلم شهرزاد مفاتيح القص
تسعى الروائيّة السوريّة عبير مرعي إلى تعرية العقليّة الفحوليّة للرجل الذي يتّخذ من الثقافة وسيلة لتمرير غاياته، وقناعاً لإخفاء همجيّته، وذلك في روايتها "أربع نسوان ورجل مثقّف" الصادرة عن دار"التكوين" بدمشق.
تسرد عبير مرعي حكاية رجل يتصيّد نساءً مميّزات، يُوقعهنّ في شِراكه، رافعاً شعاراتٍ لا يتقيّد بها، زاعماً التقدّميّة والتحرّر والاختلاف، مدّعياً تخفّفه من رواسب بيئته التي يجهر بتخلّفها ورجعيّتها. الشخصيّات الرئيسة أربع: الراوية التي تعرّف نفسها بالقارئة، الثانية هي الديبلوماسيّة، والثالثة هي الصحافيّة والرابعة الزوجة، كلّ واحدة منهنّ من دولة، ومن وسط مختلف.
ورقة التوت
تكشف القارئة أحابيل "المفكّر" الذي يهديها حاسوبه الشخصيّ إشفاقاً عليها، فيقع أرشيفه بين يديها، تقف على مراسلاته مع النساء، فتصدمها الحقائق التي تتعرّف إليها، وتكون فجائعها المتتالية بذاك الرجل الذي عشقت تفكيره المتحرّر وآراءه الجريئة، وحطّم قلبها وروحها. تقرّر القارئة فضح سلوكيّات المفكّر الشائنة، ولاسيّما أنّه يتاجر بالثقافة والفكر، ويتصرّف عكس ما يقول، ما يضعه في صفّ المنافقين.
وحين تنتقل القارئة لدراسة اللغة الإنكليزيّة في إنكلترا، تصادف المرأة الديبلوماسيّة التي كانت عشيقة المفكّر، والتي كانت تظنّ بأنّها هي المرأة الوحيدة في حياته، بالإضافة إلى زوجته التي كان يكرّر لجميعهنّ بأنّها مريضة، وأنّ الواجب الأخلاقيّ يحتّم إبقاءها على ذمّته، وأنّ علاقتهما تفتقد إلى الحميميّة.
تحار القارئة بداية في مفاتحة الديبلوماسيّة بالموضوع، لكنّها تحزم أمرها، وتحدّثها بشأنه، تُفاجِئها بمعرفتها أدقّ التفاصيل عنهما، ما يدفعها إلى الالتزام برغبة القارئة في جمع العشيقات الثلاث في لقاء تعارف وصراحة. تهاتف القارئة العشيقة الثالثة؛ الصحافيّة المقيمة في باريس، تتّفق معها على موعد قريب، تثير فضولها دون أن تكشف لها لغز اللقاء الموعود.
يكون اللقاء بمثابة تعرية مكشوفة للمفكّر الذي تسقط عنه ورقة التوت الأخيرة، تنكشف ألاعيبه، تُري القارئة العشيقتين الأخريين ما تملكه بحوزتها من معلومات ورسائل وصور، وتسهب في شرحها تفاصيل وحيثيّات انتقائه لهنّ، ولغيرهنّ، بشكل تندهش له المرأتان، وتكتشفان أنّهما كانتا ضحيّة لؤمه ودهائه.
فخاخ الذكورة
الديبلوماسيّة التي كانت تظنّ نفسها ثائرة في مجتمعها، ومحظوظة لأنّها تمكّنت من الدراسة في الغرب، والعمل في السلك الديبلوماسيّ، يقهرها الأسى، تحكي تفاصيلَ عملها الذي اكتشفت مؤخّراً أنّها لم تكن إلّا واجهة أنثويّة مكمّلة للمظهر العامّ الذي تتشدّق به دولتها، حول منحها حقوق المرأة، عبر تقديمها كوجه إعلاميّ جذّاب، في حين أنّها كانت تجد نفسها قائدة، تنتكب وتأسف أنّها لم تتجاوز وضعها كإكسسوار للزينة والترقيع لا غير، تسترسل في الحديث عن الإذلال الذي تعرّضت له على يد المتحكّمين برقاب الناس في بلدها، ثمّ تحكي ملابسات علاقتها برجلها المثقّف المختلف، وتكون فجيعتها المدوّية باكتشافها المتأخّر أنّها استخدمت كأداة من قبله أيضاً.
الصحافيّة بدورها تأسى لوقوعها في فخّ الرجل المنافق، هي التي كانت تبالغ في ثقتها بنفسها واستقلاليّتها وتحرّرها، تكتشف أنّها استُعملت من قبله لتكون عينه وأذنه في أوساط الكتّاب والمثقّفين في باريس. أمّا زوجته التي تقرأ الرواية في الفصل الأخير تتعرّف إلى زوجها بعد نصف قرن من العيش المشترك معه، تكتشف أنّها كانت غريبة عنه، وأنّها كانت أداة بدورها في تلميع صورته وتمتين علاقاته في محيطه.
لا تبحث القارئة عن انتقام، تمحو أرشيف المفكّر من حاسوبها، تكتفي بتعريته أمام عشيقاته وقرّائها، تدرك أنّه سيُوقع أخريات في فخاخه، لكنّها تبتهج لتمكّنها من تنغيص بعض هناءته عليه، هو الذي نغّص على الكثيرات حياتهنّ، وشوّههن بزيفه ونفاقه.
أبواب خلفية
تصوّر الروائيّة من خلال استعراض مشاهد من حياة واحدٍ من المتاجرين بالثقافة والفكر في المنطقة، كيفيّة الاستغلال والابتزاز اللذين يتمّان من خلال هذا الباب العريض، وكيف أنّه يتمّ التلاعب بتشكيل الرأي العام وبلورته بما يناسب سياسات بعينها وتوجّهات مختلفة تحت نعوت حداثيّة، ومن خلال وسائل الإعلام التي يهيمن عليها ذاك الرجل وأشباهه من منطقته. حيث تكون الوسيلة غير المباشرة الدخول من الأبواب الخلفيّة، عبر زرع عيون له في عدّة أماكن، تحت ستار الحبّ، في حين تكون الحقيقة موجعة.
يغيب صوت الرجل في الرواية، تستلم النساء مفاتيح القصّ، تتناوب أربع ساردات على حكاية قصصهنّ التي يكون الرجل القاسم المشترك الأوحد فيما بينها، ويكون في الوقت نفسه موضع الإدانة والاستهجان والتعرية، ويقدَّم على أنّه واجهة لثقافة ملمّعة إقصائيّة مُغرقة في تخلّفها، برغم ما تتقنّع به من أزياء معاصرة ترقّع بعض الظواهر، لكنّها لا تتمكّن من ترقيع الأفكار الرجعيّة المتجذّرة في الأعماق.
يكون المفكّر اللعوبُ نموذجاً للمنفتح الباحث عن بذر أفكاره في تربة غيره، والحريص على إبقاء منطقته غارقة في تراكماتها ورواسبها هانئة في عاداتها وأعرافها التي لا تمتّ إلى المدنيّة سوى بالظاهر فقط، في حين يكون الجوهر سادراً في انغلاقه، وموغلا في ضلاله وتضليله.

1