أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
قراءة في رواية "على شواطئ الترحال" للكاتبة الفلسطينية راوية بربارة!!
بقلم : حميد سعيد  ... 14.09.2017

المصادفة وحدها، أتاحت لي قراءة رواية “على شواطئ الترحال” للكاتبة الفلسطينية راوية بربارة، حيث التقيت في العاصمة الأردنية صديقا مغربيا، كان قد شارك في نشاط ثقافي فلسطيني بمدينة رام الله، وفي طريق عودته إلى بلاده أطلعني على ما جاء به من كتب ودوريات، وأعارني بعضا منها، من بينها هذه الرواية.
إن هذه الرواية على صعيد الموضوع تتناول تجربة حب بين إبراهيم الشاب الفلسطيني وسارة الفتاة اليهودية من أم عراقية وأب مغربي، وقد مهدت الكاتبة لهذه التجربة لأن تنحو منحى رمزياً، أو قرأتها هكذا، عسى أن أكون في قراءتي هذه قريباً مما أرادته الكاتبة.
إن سارة جامعية يسارية شاركت في تظاهرة من أجل السلام بمدينة حيفا، وكانت قادمة من تل أبيب، كان إبراهيم هو الآخر قد شارك في هذه التظاهرة، وكان قادماً من قرية تضم فلسطينيين هجروا إليها من مدن وقرى فلسطينية أخرى، بعد أن طردهم الصهاينة الغزاة منها.
كانت سارة قد سقطت مغشيا عليها على رصيف أحد الشوارع، بعد تعرضها لقنابل غازية مسيلة للدموع، فأيقظها وهو لا يعرفها، وحين صحت عرف كل منهما الآخر، فتواصلا ومن ثم أحبها وأحبته.
وكانت تعرف أنه حب مستحيل، حيث قالت “عندما ضاع منك وطنك وترابك، وأنا سكنته، أتيت وسكنتني، لا، هل كان حبك لي انتقاماً لوطنك الضائع؟ هكذا إذن، شعبي احتل وطنك وأنت احتللتني شعباً لتسترده”.
وإذ تزوجا زواجا مدنياً، قوبل بالرفض من قبل أسرتها اليهودية التي استوطنت فلسطين، ومن قبل أسرته الفلسطينية التي هجرت داخل فلسطين وخارجها، وهذا الرفض الثنائي يفصح عن رمزية، تؤكد جوهر العلاقة بين الذي احتُلت أرضه وطرد منها وطورد فيها، وبين المحتل الذي اغتصب وطنا، وطرد مواطنيه، وعمل بكل الوسائل على إلغاء هوية شعب، لذا فإن مثل هذه العلاقة لا تصلح لأن تكون بيئة وئام متخيل.
لقد أنجبت سارة اليهودية من زوجها الفلسطيني بنتاً وولداً، وإذا كان مثل هذا الإنجاب بمقاييس الواقع يرسخ العلاقة بينهما، فما حدث في فضاء الرمز هو العكس تماما، وفي محيط مؤسس على الاغتصاب والإلغاء والقمع، تصبح مثل هذه الولادات مربكة وضائعة بين استقطابين، وهذا ما كان فعلا.
إن عوامل مثل الأيديولوجيا المشتركة والاحتماء بما هو نظري والحب والإنجاب ومواجهة التحديات معا، كما حدث ذلك في المستشفى، حيث تلتقي الأسرتان، لم تستطع أن تنقذ الزواج وتدفع الفشل عنه.
حتى حين حاولت سارة أن تتبرأ مما حدث، وتثبت أن لا يد لها في كل ما كان، لم يتغير الحال، والحب الذي كان وراء كل تلك المتغيرات، بما فيها الزواج والإنجاب والتضحية والقطيعة مع محيطها الاجتماعي والأسري، لم يمنح تجربتها ما يبعدها عن أفق المستحيل، وظلت في حيرة أسئلتها؛ أهي المسؤولة عن كل ارتباكات وارتكابات هذا التاريخ الأحمق؟
إن القضية أكبر من أن تكون عنصرية أو دينية، بل هي قضية وجودية معقدة جدا، لا يفلح معها التراجع أو الترقيع أو حتى التشبث بالوهم، حيث حاول إبراهيم ذلك، بالخمرة حينا وبالتدين حينا آخر، أو حين حاولت سارة، بالتخفي والقبول بما هو غير قناعتها الحقيقية.
وحين انتهت تجربة سارة وإبراهيم إلى الفشل “فهي بيدها المكسورة وقلبها، كانت تدري أن العُقد التي كانت تربطها كل مرة في حبل علاقتها، لن ترتبط ثانية لأن الحبل قد اهترأ، ولأن العُقد قد كبرت وتضخّمت، والحبل قصر وقصر”. إن هذا الفضاء الرمزي الذي شكلته الكاتبة الفلسطينية راوية بربارة، بكل جدارة، أدخلت فيه الواقع، وحاولت أن تتمثله كما هو، أو كما تراه.

1