أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
رواية «خابية الحنين» للأردني جمال أبو غيدا… التحريض على إثارة الأسئلة!!
بقلم : ظافر مقدادي ... 05.01.2017

تنتمي رواية «خابية الحنين» إلى الرواية التاريخية الواقعية في الأدب، فهي تستند إلى أحداث تاريخية وقعت فعلاً في الأردن. كحرب أيلول عام 1970 بين الجيش الأردني والثورة الفلسطينية، كذلك أحداث جامعة اليرموك في مدينة إربد عام 1986، لكن الرواية لا تهدف إلى أي شكل من أشكال التوثيق التاريخي أو تأريخ الأحداث، وإنما إلى سرد لتجارب وحكايات شخصيات روائية تمّ إسقطها على الخلفية الزمانية ـ المكانية للواقع. وهنا تكمن أهمية الرواية، إذ أنها تعالج روائياً موضوعين لم يـُعطيا حقهما في الأدب الأردني والفلسطيني والعربي. وكأن الراوي يهدف الى حثَ القارئ على الحكم على الأحداث من خلال تجارب شخصيات الرواية وحكاياتها، بعيداً عن المدونة التاريخية والأحكام الإيديولوجية أو السياسية الرسمية لهذه الجهة أو تلك. يذكر أنها الرواية الأولى لمؤلفها «جمال أبو غيدا»، الذي يعمل في مجالي حماية حقوق الملكية الفكرية، والترجمة. صدرت الرواية خلال العام 2016، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ومكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 464 صفحة من القطع المتوسط.
العتبة النصيّة
اختار المؤلف لروايته عنواناَ مركباَ بالاضافة «خابية الحنين» ليكون عتبة القارئ التي من خلالها يلج إلى عالم النص في الرواية. فلكلمة «خابية» ذات دلالة فولكلورية لها علاقة بموضوع الرواية ومكان أحداثها، وكأن الكاتب يريد أن ينبهنا من البداية أن موضوع روايته مرتبط بالوطن وقضاياه، وأننا أمام رواية عن شوق وتوق وأصوت فيها نزعة ألم لشخصيات سكنت في «خابية» من خبايا الذاكرة، عسى لهب النار «يخبو» مع مرور الزمن، إلا أن نشوة الشوق عند هذه الشخصيات المسكونة بذلك الحنين الموجع أبت عليها إلا البوح.
الشخصيات
الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية هما «فوّاز» الفدائي الفلسطيني، وابن أخيه «نايف» الطالب الجامعي في جامعة اليرموك والمنتمي لحزب يساري تقدمي. في فلك هاتين الشخصيتين تدور شخصيات أخرى بحكم القرابة والجيرة والعمل والزمالة الجامعية. عائلة فواز أصلها من حيفا وقد لجأت إلى الأردن وسكنت في عمان في قسم من بيت أم عواد، العجوز الأرملة الاردنية المسيحية التي استشهد زوجها في فلسطين في معركة «باب الواد». معظم هذه الشخصيات كانت تعيش في حارة واحدة قريبة من «حي ماركا» في عمان، وقد جعلت منها الجيرة والهموم والأحلام والمصائر المشتركة عائلة واحدة بكل معنى الكلمة، وكانت تعيش بترقب وقلق وخوف بسبب أحداث أيلول. لا تنمو الشخصيات مع تطور الأحداث في السرد، فالفترة الزمنية للأحداث قصيرة جداً ولا تسمح بذلك، ولكن الشخصيات تتأثر بتجاربها الشخصية ما يؤدي إلى تغيّر في وعيها وفلسفتها وأفكارها وفهمها للحياة، خاصة حين تصل الأحداث إلى الذروة التي من خلالها تتفجر البراكين الكامنة في أعماق وعي ووجدان الشخصيات لتزلزل قناعات كانت مترسخة عميقاً في أذهانها. لذا تبدو شخصيات الرواية عادية وبسيطة، فهي شخصيات شعبية ومتنوعة تعيش حياتها ببساطة وتُمثل المجتمع الأردني، فمنها الأردني والفلسطيني والشامي والعراقي والشركسي، ومنها المسيحي والمسلم واليهودي والملحد، ومنها الحالم والقنوع، ومنها الخيـّر والشرير، الغني والفقير، لكنها رغم تنوعها واختلافها نجد أن ما يجمعها هو إنسانيتها وحبها للعيش بسلام وأمان ومحبة.
المكان المتباين والزمن المُمتد
مكان الرواية الرئيسي هو الأردن، خاصة عمّان وأربد، والزمان هو عام 1970 وعام 1986. إلا أن الرواية تتطرق إلى أماكن أخرى ثانوية للأحداث في فلسطين كالقدس، حيفا، وسلواد، كذلك الشام ومصر في أزمان مختلفة تصل إلى ما قبل النكبة عام 1948. فالرواية مترامية الأطراف تكاد تغطي مساحة القضية الفلسطينية وعلاقتها بالتجربة الوطنية في الأردن.
البناء الروائي
اعتمد المؤلف في بناء معمار الرواية على السرد والوصف والحوار والمناجاة. بداية من الراوي العليم، الذي يروي الأحداث ويصف الأماكن والشخصيات بصيغة الضمير الغائب، لكنه يفسح المجال أحياناً للشخصيات نفسها لتقوم بفعل السرد بصيغة ضمير المتكلم، وبذلك تتعدد الاصوات في الرواية. والسرد نفسه يتقدم ويصعد مع الزمن باتجاه العقدة، ولكن هذا الصعود لا يأتي بخط مستقيم وإنما بتقنية التقطيع والتكسير الزمني للاحداث التي تسير وفق مسارين متوازيين ــ عمان 1970 واربد 1986ــ بحيث أن المؤلف يداوم على القفز بين زمانيْ ومكانيْ الرواية/السرد بالتناوب. إضافة إلى استخدام تقنية الاسترجاع/الفلاش باك. فأسلوب السرد فهو الحكيْ والقصْ البسيط غير المـُتكلّف، حيث تُنسل الحكايات من بعضها البعض. وهو ما انعكس على اللغة السردية التي تنوعت ما بين فصحة لغة الراوي العليم، واللهجات المحلية للشخصيات، حينما يُتاح لها امتلاك ناصية الخطاب، إضافة إلى تضمين الرواية بعض الأناشيد والأغاني الفلكلورية.
النهايات ودلالة المصائر
يعتمد المؤلف على النهاية المفتوحة في نهاية الرواية لمعظم الشخصيات، فلا يخبرنا عن مصائرها بل يُبقيها لحدس القارئ وتوقاعاته بل ورغباته، ربما ليفسح له مجالاً للمشاركة في التأليف، وفق تفاعلات القارئ حسب نظرية التلقي. ويعتمد النهايات التقليدية لحكاية فواز، ربما أراد من ذلك إبراز قوة الحدث وما سيتركه من أثر في وجدان القارئ، وكذلك لتوظيف الإيحاء من خلال الحدث ورمزيته التي تقود القارئ الى ما وراء الحدث نفسه وما يحمله من معنى واستنتاج . أما نهايات حكايات جامعة اليرموك فيتركها المؤلف ما بين بين، والتي يمكن تسميتها بالنهاية المستمرة. سنرى في الفصل الأخير من الرواية أن أشياء كثيرة قد تغيرت في حياة وقناعات الشخصيات.
وفي الأخير .. يمكننا القول إن الرواية تنتمي الى الرواية العربية الحديثة التي انتشرت في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فهي تعتمد الأسلوب نفسه في البناء الروائي بما فيه من استرسال واســــــترجاع، وتتبع نفس تقنـــــية السرد للراوي العليم الذي يروي بصيغة ضمـــــير الغائب الــــذي يُسهب في الاطناب، وهي كذلك رواية واقعـــــية تستند إلى أحــــداث تاريخية موضـــــوعها له علاقة بالوطن، أي أنها تهدف إلى إثارة الأسئلة الوطنية الكبرى!!

1