أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
الأساطير باقية والحب زائل!!
بقلم : سناء الحافي ... 09.10.2016

الأسطورة الخالدة ليست في معناها المجرد وحده، فنصف سحرها في لغتها وثلثه في رموزها البدائية التي تخاطب أعمق ما فينا وتستبد شغفنا لتفاصيلها، والباقي لمن يريد أن يحيلها إلى سمر وحكم ومواعظ للتأمل والاعتبار.
ومما لا شك فيه أن الأسطورة تعبير عن طفولة العقل الإنساني في رحلته الطويلة والمضنية، كما أنها شكل من أشكال الامتلاك الرمزي للعالم، ولكن ألا نجد في هذه الطفولة بالذات وفي هذا الامتلاك الرمزي للعالم دهشة الإنسان وأسئلته الأولى عن الطبيعة والله وبداية محاولاته لاكتشاف ذاته ككائن مستقل وحر إزاء الأشياء وجبروت الطبيعة وطغيان الملوك والسادة. ولو لم تكن الأسطورة تحمل هذه الأبعاد فكيف يمكننا أن نفسر ذلك الحنين إلى العصر الذهبي الذي تجسده، وتلك الاستعدادات المتكررة منذ قرون لدى كبار الشعراء والأدباء والموسيقيين وفي مختلف الأجناس الأدبية. إن النفس البشرية والطبيعة الصامتة والناطقة هما الميدانان المفتوحان لمباريات الريشة والقلم، وبعض الأقلام تنتصر على الريشة معظم الأوقات في وصف النفس، أما الطبيعة ورسمها فيكون النصر فيها للريشة إلا في حالات نادرة..
وعند اليونانيين أسطورة اسمها «القبلة التي أنقذت العالم من الطوفان» وتحكي عن حبيبين «ديوكالين وييرها» في اللحظات الأخيرة من العصر الحديدي الذي قرر فيه «زيوس» أن يغرق العالم، فطفح الماء ليغطي كل شيء ووصل إلى القمة التي يقف عليها الحبيبان وفي لحظة الحب الوداعية تلك نظر العاشق في العينين الخضراوين للمحبوبة وهي تقول له: لن أدع يدك تفلت من يدي. وأراد ان يقبل تلك اليد لكن الحبيبة أبت إلا أن تذهب «القبلة الثمينة الخالدة إلى مكانها الخالد المقدس».. فلما كان لها ما أرادت رق قلب زيوس ورهطه وتراجعوا عن قرار إغراق الأرض إكراما لتلك القبلة الصادقة التي ولدت تحت هاجس الخوف من الفقدان. وإن كان الحب هو الحالة المضادة للعقل فجماليته وفجائعيته تكمن في أنه مرآة للعمى، إذ تحاول الأساطير اليونانية أن تجيب على أسباب الربط بين الحب والعمى، حيث تروي لنا قصة إله الحب وإله الجنون، حيث كانا صديقين حميمين، ولكنهما اختلفا.. وقامت بينهما معركة حامية، انتهت بأن خرج منه إله الحب وقد فقد بصره.. فانعقد لذلك مجس الآلهة على هيئة المحكمة، وبعد التحقيق والمداولة، تقرر أن يعاقب إله الجنون على جنايته بأن يقود إله الحب الأعمى مدى الحياة. وقد عبر عن ذلك إله الحب قائلا: «مساكين أهل الحب.. إنهم يتبعون أعمى يقوده مجنون». وفي مقولة للإمام علي بن أبى طالب «رضي الله عنه»: «عين المحب عمياء عن عيوب المحبوب وأذنه صماء عن قبيح ما يسمع عنه». وتعد قصة الحب الأسطورية الخالدة بين إيزيس وأوزوريس من أشهر هذه القصص، حيث أحبت إيزيس زوجها حبا قويا وأخلصت له وجمعت أشلاءه من النيل. وتعد تلك القصة من أجمل قصص الحب في التاريخ.
وهناك أيضا قصة حب نفرتيتي لزوجها إخناتون الذي وقفت بجانبه رغم تغيير الديانة وذهبت معه إلى تل العمارنة، رغم المعارضة التي لقيها وظلت بجواره وفية مخلصة رغم كل ما جابهته من متاعب وصعاب. وذكر نص قديم اكتشفه عالم المصريات سويزو أنه لإعداد شراب للمحبة يكفي الحصول على كمية صغيرة من دم الأصبع المجاورة للخنصر في اليد اليسرى، الذي كان يتطابق مع الطحال وكان يسمى بإصبع القلب وبناء على ذلك يتضح لنا سبب وضع خاتم الزواج فى الأصبع- البنصر- في اليد اليسرى في الوقت الحالي.
اختلقوا لنا بطولات وهمية باسم الحب كي نتوه بالبحث عنه فنغدو إلى ما غدو إليه من الوحدة والحرمان، وتلك الخيالات الصباحية بأن يكون وجه من تحب أول ما يقع عليه طرفك ستبقى مجرد خيالات وتلك «الوسادة» ستبقى «خالية» إلا من أشباح الغائبين عن العين ولكنهم في القلب حاضرون.. لأن الكثير من «الحب» «قابل للقسمة والكسر» ولأن «العشق» في أغلب حالاته «ممنوع من الصرف» تذهب كثير من المشاعر «مع الريح» و«تزرع» الكثير من «الشوك» في قلوب المحبين وفي نهاية المطاف ستهرم «سندريلا» بانتظار أمير يرد اليها فردة حذائها وتموت «قطر الندى» قهرا في تابوتها؛ لأن قبلة الأمير التي تعيد الروح إليها مجرد أسطورة؛ ولأننا حين نحب «لن تكف الأرض عن الدوران»! لأن نزار شاعر وقد كذب مهما كان صادقا ولأن درويش مات دون ريتا مختنقا بشوقه لقهوة أمه وحرية أرضه، ولأن كل من كان يخشى الموت وحيدا مات وحيدا، وكل من خشي الفقر مات من دون أن يعطيه الرب خبزة كفاف يومه، ذلك لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وبنا من الغرور والكبرياء ما يكفي ان نبقى مراوحين بين الحزن والحزن والحرمان تلو الحرمان حتى تكف الأرض عن الدوران!

شاعرة مغربية
1