أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
"التيه" فيلم يوثق بعضا من أحلام اللاجئين السوريين وكوابيسهم !!
بقلم :  هيثم حسين  ... 09.04.2016

تصور المخرجة الروسية إيكاترينا كريتوفا في فيلمها الوثائقي “التيه” أحوال عدد من السوريين في مخيماتهم ومهاجرهم وملاجئهم، تقتفي معهم دروب الهروب عبر قوارب الموت إلى الفردوس الأوروبي المتخيّل، ترصد مآسيهم وأحلامهم وتصوّر جانبا من المعاناة التي يلاقونها على هامش رحلتهم الخطيرة نحو الحياة المنشودة، في الوقت الذي يموت كثيرون في طريق حلمهم نحو الحياة.
يجسد الفيلم الوثائقي “التيه” للمخرجة الروسية إيكاترينا كريتوفا معاناة اللاجئين السوريين خلال هجرتهم إلى أوروبا، يتتبع مساراتهم ودروب الموت التي خاضوها وصولا إلى ملاجئهم الأوروبية. يأتي ضمن عدد من الأفلام الوثائقية المنجزة عن حالة التشريد السورية، ويقف على حدود الآلام في تلك النقاط التي تتبدى لبعضهم بأنها نهايات درب، أو بدايات أخرى في مكان آخر.
يقدم الفيلم مسارات التيه التي وجد السوريون أنفسهم متخبطين فيها بعد خروجهم من بلدهم، إثر التدمير الوحشي الذي مارسه ويمارسه النظام على مرأى ومسمع من العالم، وكيف أنهم وقعوا بين براثن مهرّبين أعماهم الجشع ودفعهم إلى التعامل مع البشر كقطعان يقومون بتهريبها عبر البحار ويتقاضون عليها أموالا طائلة.
تنتقل المخرجة بكاميرتها بين مدن في تركيا واليونان وبريطانيا وأوروبا عموما، تختار شخصيات من مختلف المدن السورية، تنقل مأساة اللجوء ومحنة التشرد والضياع، تضبط جزءا بسيطا من تيههم وتنقله إلى المشاهد ليتوقف على حجم الخراب الحاصل على هامش فجيعة اللجوء والخروج من البلد.
يؤكّد بعض مَن التقتهم المخرجة على فكرة الاغتراب المديدة التي تظلّ تلازمهم بعد وصولهم إلى أوروبا، وصدمتهم من واقعهم الجديد، وشعورهم الكارثي بالغربة تنهش أرواحهم وتفتك بهم، ولا يتوانى بعضهم في إبداء ندمه على خوض مغامرة الموت ليحظى بحياة صقيعية يحياها في ملجئه الأوروبي.
مخيمات اللاجئين على الحدود السورية التركية تكون أحد مواقع تصوير “التيه”، هناك حيث الفقر ينهش اللاجئين، وبقاء الأطفال خارج دوائر التعليم والدراسة، والحلم المستحيل بالوصول إلى أوروبا، ثمّ تكون أرصفة المدن البحرية التركية مواقع أخرى للتصوير، وتوثق مشاهد من المساومات بين المهرّبين والشباب الراغبين في الهروب عبرهم، تستعين بتصوير سري أثناء توثيق ذلك، كما تخفي الوجوه، في مسعى للوقوف على واقع الظاهرة بعيدا عن محاولات التجريم.
تشير المخرجة إلى اختلاف النظرة للجوء بين تركيا وأوروبا، ففي تركيا يبقى اللاجئون في مخيمات بائسة، وكأنهم ينتظرون خلاصا ما مرتقبا بالهروب إلى الجهة الأخرى من المتوسط، حيث الشمال البارد سيكون أكثر دفئا وحنانا لهم ولأبنائهم، وتكون المفارقة متمثلة في النظر إلى ما وراء البحار كملاذ آمن أمام تبدد فرص العودة للوطن نتيجة تصاعد العنف وانتشاره بشكل أوسع كلّ مرّة.
ترصد المخرجة مشاهد أليمة عن واقع اللاجئين، وكيف أن أحلام بعضهم تحولت إلى كوابيس تقض مضاجعهم في ملاجئهم الجديدة، وكيف أن تجاربهم المريرة تحرمهم الرقاد بعد سنوات من التشرد، تعود إلى بدايات الثورة، تستعين بلقطات من المظاهرات السلمية، وصور من الدمار اللاحق. تنقل حقيقة أن المدن البراقة السياحية التي تبدو للزائر والسائح خيالية رائعة تضيق باللاجئين السوريين وتعج بهم، تضغط عليهم وتطردهم من شوارعها وشواطئها وأزقتها، تبقيهم على قوارع طريقها في بحث عن مهربين إلى مكان آخر.
يتبدى سعي المخرجة لإظهار تداعيات الكارثة الإنسانية الحاصلة جرّاء الحرب من خلال إيذائها للكثير من الناس بين تشريد ولجوء، وكيف أنّ لاجئا عن لاجئ يختلف، كما أن “خيمة عن خيمة تختلف”، وواقع مدينة يختلف عن واقع أخرى، لكن يجمع بينها رابط الأسى والفقد والغربة والتيه.

1