أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
"طوق العمامة" لوضاح شرارة: تشريح الميثولوجيا والسياسة الإيرانية!!
بقلم : محمد منصور  ... 03.03.2014

يثير كتاب (طوق العمامة: الدولة الإيرانية الخمينية في معترك المذاهب والطوائف) للمفكر اللبناني د. وضاح شرارة، الصادر عن (رياض الريس للكتب والنشر) في بيروت 2013، تساؤلات عميقة وحارة حول جوهر دولة الملالي، ولعبها المكشوف والمؤذي بالورقة الطائفية في الخليج وبلاد الشام والعراق، ودلالات بنيتها الطقسية والدينية والأيديولوجية، التي عمل أستاذ علم الاجتماع على تشريحها بجرأة وعمق، غير عابئ بكثير من الاتهامات والتصنيفات التي يمكن ان يسوقها ضده محور المقاومة والممانعة، والقومجيون الذين تحالفوا مع أحفاد الشعوبيين لبلورة تيار استبدادي جديد، يجمع أشد أشكال التطرف الديني مع أنظمة توصف بأنها علمانية في تركيبة غرائبية لم يشهدها تاريخ المنطقة من قبل!
دولة الاضطهاد القومي والمذهبي!
تنقسم فصول هذا الكتاب التشريحي الضخم الذي يصل عدد صفحاته إلى اكثر من (380) صفحة، إلى ستة أقسام رئيسية، تضم (36) فصلاً.
القسم الأول: (الدولة الإيرانية الإسلامية والمسألتان المذهبية السنية والقومية) ويتناول التباس ‘الإسلام’ و’المذهب’ وسياسة ‘الأقوام البوليسية والكولونيالية، والقوميات الإيرانية وليس المذاهب، ويركز على الترتيبين المذهبي والقومي في دولة ولاية الفقيه.
ويرى المؤلف في هذا القسم، أن السلطة ذات القومية الفارسية والمذهب الجعفري الاثني عشري، تمارس الاضطهاد على بقية القوميات والمذاهب التي تتشكل منها الديموغرافيا الايرانية. ويظهر الاضطهاد القومي أشد من المذهبي في أحيان كثيرة. لذلك تعمد القوميات والمذاهب المغايرة لقومية السلطة ومذهبها الى المواجهة ولا تستكين، بل تناضل من أجل حقوقها. وتلجأ القوميات الى أعيادها الوطنية ذريعة لطروحات يعتبرها النظام مناهضة له.
ويتوقف شرارة بكثير من الاهتمام عند الاحوازيين العرب باعتبارهم طليعة الكتل القومية التي تدافع عن وجودها في وجه محاولات تغيير ديموغرافيا منطقتهم الممنهجة، إذ تعمد سلطة ولاية الفقيه إلى عمليات نقلهم الى أماكن أخرى بغية تشتيتهم ككتلة قومية، وإجراء نقل معاكس إلى مناطقهم، وفي كل سنة يحتفلون بـ’يوم الغضب’ وهم يجددون تعاهدهم على مقاومة تذويبهم في هوية قومية وثقافية وطائفية واحدة، مواجهين أبشع عمليات الاعتقال الجماعي والإعدام الذي يعد هواية مفضلة لدى الحرس الثوري في التعامل مع القوميات والمذهبيات الأخرى.
الحرس الثوري في سدة الدولة!
أما القسم الثاني فيركز فيه على (منازعات الداخل الإيراني) مقدماً خارطة شديدة الدقة لصراعات إيران الخمينية وحرب الإسلام والجمهورية، وما يسميه ‘ثورة المخمل’ على مراتب الأوليغارشية الحاكمة، وآلية تحول الانتخابات الرئاسية الإيرانية من التسويد النجادي إلى الكرنفال الحزيراني الذي يطلق صور وأسماء قتلى الحرس الثوري على (4700) ساحة وميدان ناشراً صورهم وضحكة الموت على شفتيهم في كرنفال طقسي ‘يشبه إلحاق المدينة بمقبرة أمواتها’… متوقفاً عند شكل وجود الحرس الثوري في سدة الدولة وولاياتها، وأجهزة القوة المركزية وجسم العلماء. ويشير المؤلف هنا إلى أن الحرس الثوري يتولى في المحافظات السنيّة شرقي البلاد، مهمات سياسية وإدارية وأمنية واقتصادية، وتشمل مهماته الاقتصادية، منع أي تطور اقتصادي وإبقاء الأقلية المذهبية والقومية (البلوش السنة) فقيرة ومقهورة، مع فتح أبواب تهريب المخدرات من البلدين الجارين المضطربين: باكستان وأفغانستان. أما على الصعيد العام فيصف د. وضاح شرارة أداء الحرس الثوري الإيراني بالقول:
‘ينزع الحرس إلى اختزال سياسة بلد كبير ومعقد ومحوري مثل إيران في قيامه على (الاستكبار) وبسط قبضته الفظة على دوائر الدولة والمجتمع الإيرانييين، والانتخابات الإيرانية الأخيرة أثبتت أن هذه القبضة أصابها التآكل إصابة قاتلة’
إلا أن أهم فصول هذا القسم الفصل الخامس الذي حمل عنوان: (إيران أولا وقميص فلسطين وكوفيتها)… والذي رغم أنه يمثل ما يسميه المؤلف: ‘السياسات الإقليمية الإيرانية الخمينية التي أرادت الاستيلاء السياسي على الدول والمجتمعات العربية عن طريق حيازة القضية الفلسطينية’ إلا أنه تحول في السنوات الأخيرة إلى موضوع منازعة داخلية في إيران حين تجرأ المتظاهرون الإيرانيون في يوم القدس (18 أيلول / سبتمبر 2009) على الهتاف: ‘لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء إيران’ منكرين على هذا اليوم العتيد علته ومسوغاته!
والمعروف أن يوم القدس أعلنه الخميني لأول مرة عام 1988 عشية انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية، ويفسر المؤلف بلغة حادة حاجة إيران الخميني ومن اتى بعده إلى قميص فلسطين بالقول:
‘فإيران الإمامية والمتشعية (استثناء) في العالم الإسلامي الذي يغلب عليه أهل السنة غلبة عددية ساحقة، ويشكل العرب الإماميون (اي الشيعة) قلة ضئيلة في العالم العربي السني في معظمه… ليس في وسعها، ووسع إمامها ومرشدها الطموح إلى قيادة الأمة الإسلامية، وانتزاع القيادة بشقيها الإسلامي والعربي، إلا من طريق إسلام يجمع – على رغم الانقسام المذهبي على قضية واحدة’
حرب تموز والقرار الإيراني!
القسمان الثالث والرابع من الكتاب يخصصهما المؤلف لآلة الحروب الأهلية- الوطنية في إيران، مؤكداً في هذا السياق: ‘تسليط السياسة البرية على المدنية الوطنية’ ومتطرقاً إلى قضايا تتصل بدور إيران الإقليمي، وما يسميه د. وضاح شرارة: ‘المقاومة والشقاق… حزام أمان’ او ما يطلق عليه في فصل آخر: ‘أحكام طوارئ المقاومة’
ولعل أخطر ما يقوله المؤلف في هذا السياق أن استفزاز إسرائيل عبر خطف جندييها من قبل حزب الله، الذي يسميه المؤلف (المقاومة الخمينية) في تموز من عام 2006، كان بقرار إيراني… وكان هدف هذا القرار، هو إشاعة الفوضى وإنهاك لبنان مجدداً من أجل امتصاص مفاعيل خروج الجيش السوري المذل من لبنان بعد جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ومنع قيام دولة متوازنة في لبنان، تستلهم روح ثورة الأرز ومشاعر الاستقلال عن الهيمنة الأسدية التي استفاقت لدى اللبنانيين ووجدت دعماً دولياً لها:
‘كان على القوى الأهلية الشيعية المسلحة غداة الجلاء السوري العسكري تولي دوام ازدواج الدولة، وما ينجم عنه من تعليق السلطات والهيئات، وإبطال مفاعيل قراراتها ومفاعيل سياستها الجديدة والمستقلة. وأداة الازدواج ودوامه: هي المقاومة الوطنية والفلسطينية والعربية والإسلامية تباعاً ومعاً، فهي مسوغ تدفق السلاح والمقاتلين والمال والمنظمات والسياسات’
القسم الخامس من الكتاب والذي حمل عنوان: (دوائر الحرب والأمن) يتناول في فصوله الثمانية، جهود دولة ولاية الفقيه، في مقايضة حركة إنتاج السلاح بصفقات الأمن الاستراتيجي، والعبث بأمن المنطقة… فيتحدث عن خطابة الردع النووي الإيرانية، ويرسم حدود الإقليم الإيراني الأمني والاستراتيجي بين جنوب آسيا وشرق أفريقيا، ويخصص فصلا كاملا لدراسة كوريا الشمالية وإيرانية كنظامين نوويين وصاروخيين، فيما يعتبر في الفصل الخامس أن السلاح البالستي هو ‘نافذة فرص لإيران’. ويرى المؤلف حول هذه المسألة النووية في سياق آخر من الكتاب أن: ‘الميل إلى حماية النظام الإسلامي الخميني، من طريق سياسة ردع نووي حازمة ومغامرة، وبواسطة طوق من المنظمات العسكرية والأمنية الموالية، على مثال (حزب الله) و(حماس) و(لواء بدر السابق واللاحق) والمبادرة إلى حروب اختبار إرادية، واستنزاف إقليمية، تقتضي سلطة مركزية متماسكة ومرصوصة في الداخل والخارج معاً ‘… ولهذا لا ينسى المؤلف في هذا القسم أن يتحدث عن رعاية طهران للحروب غير المتكافئة، وعن القوة المذهبية المسلحة اللبنانية ممثلة في حزب الله، وعن عماد مغنية بوصفه: ‘قطباً شيعيا إيرانياً’ مخصصا آخر فصول هذا القسم لما أسماه: العلاج بالمقاومة: الشراكة المميتة ‘ في إشارة إلى سوق الشبان الشيعة العرب من اللبنانيين إلى حروب تخدم سياسات إيران، ويستخدمون فيها كوقود لمشروعها كما يحدث اليوم في سوريا أيضاً!
شرق أوسط إيراني!
(أقاليم شرق أوسط إيراني) هو عنوان القسم السادس من الكتاب، وفيه يستكمل د. وضاح شرارة بجرأة وصبر ودأب، ملامح ‘الشرق الأوسط الإسلامي الإيراني’ كما تتبدى في السعي نحو تشكيل الهلال الشيعي، متطرقاً إلى العلاقة مع إخوانيي مصر والمشرق العربي، والعمل الفلسطيني، وتقسيم العراق المفترض، والخلاف الإيراني العراقي على القواعد الأمريكية والمعاهدة الأمنية، والالتقاء الفرنسي الإيراني في لبنان…
ولا ينسى المؤلف مفاعيل التدخل الإيراني في اليمن عبر دعم الحوثيين، إلا أنه يفرد قسماً خاصاً لذلك بعنوان: (الجماعة الحوثية المقاتلة في صعدة) وهو الأخير من أقسام الكتاب… حيث يتحدث في الفصل الأول عن ولادة لحمة طائفية وعامية غذتها إيران في ثنايا دولة وطنية مترنحة هي اليمن… فيما يخصص الفصل الثاني لهذه الفرقة الطائفية والأهلية الخارجة على الأبنية التقليدية.. كما يراها!
- إن كتاب (طوق العمامة) الذي يحاكي في عنوانه كتاباً تراثياً شهيرا في الحب هو (طوق الحمامة) لابن حزم في مفارقة ساخرة يثيرها العنوان منذ البداية، يبدو كتاباً عن سياسة إقليمية إيرانية مأزومة ومثيرة للأزمات في العالمين العربي والإسلامي… وأهمية عمل د. وضاح شرارة على صورة نظام ولاية الفقيه بصبغته الداخلية الاستبدادية المغلقة، التي تخوض صراعاتها في ساحات الآخرين، هي في عمله على تحليل الميثولوجيا الدينية التي صاغت أيديولوجيته، وشكلت منطلقاته، فأرهقت الإيرانيين، وحولت بلدهم الكبير والمحوري، إلى حالة معادية لقيم التطور والانفتاح، خلا سباق التسلح المحموم، الذي استخدم كورقة في خلق ازمات إقليمية ترحل المشاكل الداخلية وتحاول التعمية عليها.
إنه كتاب تشريحي بالغ الجرأة والأهمية، عميق الرؤية، واضح الهدف والمسار، وهو يتصل بسلسلة إصدارات هامة قدمتها دار الريس للكتب والنشر على مر العقدين الأخيرين عن إيران والتي كان أبرزها: (مصاحف وسيوف: إيران من الشاهناهية إلى الخاتمية) و(رياح الخليج بدايات مجلس التعاون والصراع العربي الإيراني 1980- 1990) لرياض نجيب الريس، و(إيران الأحزاب والشخصيات السياسية: 1890- 2013) لشاكر كسرائي، وصولا إلى كتاب فايز قزي: (حزب الله: أقنعة لبنانية لولاية إيرانية) الذي صدر العام الماضي.
*كاتب سوري

المصدر: القدس العربي
1