أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
بسمة مغتالة!!
بقلم : سعاد الصيد الورفلي ... 06.01.2014

الشمس تبدو أشعتها رقيقة كرقة طفلة تداعب دمية وتظن أنها ابنة بطنها، بين اللحظة والأخرى تسترق نظرة في جوانب المكان كي تلقمها ثديها الذي يبدو كحمصة ناتئة مازال لم ينمُ بعد، فبعد أن تتأكد أن لا أحد يراقبها، وبسرعة مخطوفة تلفها في قماط أبيض اللون، وتتجه بها نحو السرير المتحرك الذي كانت ترقد فيه أيام مهدها حيث ورثه من بعدها أخوها الذي مازال في المهد صبيا .
انطلقت مسرعة لتمارس طفولتها بعد أن انتهت من دور الأمومة وبعد أن تأكدت من شبع ونوم الدمية (طفلتها) أخذت الحبل وظلت تقفز قفزات متتالية ..ثم اتجهت نحو بيت الجيران لتطلب من صديقتها الشبيهة بها أن تلعب معها ‘النقيزة’، لكن ذلك اليوم لم يكن ببيت صديقتها أحدٌ سوى شقيقها ـ الشاب- المراهق الذي بلغ مبلغ الرجال، نظر نحوها، لمعت عيناه وأبرقت، أحس بلهب الافتراس يفترسه، سحبها بشدة من عنقها وقال لها : هل تريدين أن تصبحي أما حقيقية؟
دائما أراكِ تخرجين صدرك الصغير وتلقمينه للدمية وغمز بعينه اليسرى وحرك يده على صدرها بينما تدافعت الطفلة الصغيرة نحو الباب ؛وشعرت بأشياء تسري في جسمها لم تعلم كنهها ..إلا أنه أمسك بها وقبلها قبلة طويلة ؛ لم تملك تلك الضعيفة كالغزالة التي تئن تحت وحش غابة لايعرف طريقا للرحمة، إلا الضرب بيدها الصغيرة ومحاولة التدافع والفرار، فضربته على وجهه صارخة ..ومنادية على فدوى صديقتها .
لحظتها تثاقلت بها الدنيا ثقل حمل اجتره البؤس إليها وأي تعاسة تلك التي كانت تنتظرها حيث النبذ والوأد، وهي مازالت في طوق طفولتها، جرّت ساقيها بضعف وألم، كأنهما كانتا تحت جلاد لم يرع لجلدها الغض رهافته ورقته ؛ بينما غط ابن الجيران في نوم عميق كسبع شبع من فريسة داخل الغابة ..أما الطفلة أسرعت نحو البيت لتواري سوأتها تراءت ثيابها وتمزقت تماما – وصارت تشبه فتاة بالغة : فالشعر منكوش …وكتفاها النحيلان وضحا تماما وظهر بياضهما مشبوبا بعظمة ناتئة كطوق لف على عنق حمامة !..أما ساقاها الضعيفتان فتلطختا بسوائل تشبه الدواء ..تسللت إلى غرفتها ..ألقت نظرة على الدمية ..غيرت ثيابها .مشطت شعرها واستلقت على السرير لتعيد كلمات ذلك الشاب : هل تريدين أن تكوني أما حقيقية ؟
جلست وتحسست بطنها …دخلت والدتها لتستغرب حركاتها …كانت الأم تباغتها بين لحظة وأخرى فتجدها مبهوتة شاردة …في ليلة باردة أسرّت لأمها حديثا تقطب وجه الأم ..واتجهت إلى زوجها لتسر له شيئا …كتم أنفاسه ..وظل طوال ليلته ينفث الدخان بشكل هستيري …تسارعت دقات قلوبهم …وظلوا في حيرة سوداء …أما الطفلة فقد كرهت كل شيء : لأنها لم تفقه شيئا .إلا أنها هجرت الابتسام إلا لطفلتها التي ترقد كثيرا بجانبها كل ليلة .
جاء يوم ماطر وعجوز انتفخ كرشه وتدلى ..وقد خلا رأسه الكبير من الشعر يمسك في يده اليمنى سبحة …وشْوش للأب حديثا ..التقت يداهما ..واتجها بيديهما نحو السماء ..رتلا الفاتحة ومسحا وجهيهما ..وانطلقت الزغاريد ..بينما الطفلة لم تفقه ما الذي يجري ..زُجّ بها في ثوب أبيض ..وقد أمسكت دميتها بين يديها ..اقترب منها الرجل العجوز قائلا: هل تريدين أن تصبحي أما حقيقية .؟
ذلك السؤال نفسه …هو الذي جلب عليها القهر طوال سنوات الطفولة ..ألقى الدمية بعيدا بينما أصبحت تلك الطفلة تعاني حملا مبكرا ..أودى بحياتها ..وظل المولود يعاني ويلات الوحدة مع أب عجوز مقعد على كرسي بالعجلات.

قاصة وكاتبة من ليبيا
1