أحدث الأخبار
الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024
إنهم يعدّون الملاجئ والمستشفيات والصواريخ العابرة للقارات!!
بقلم : سهيل كيوان ... 03.05.2018

بلا شك أن أصحاب القرار في تل أبيب وطهران يعيشون لحظات حرجة من تاريخهم السياسي. القيادة الإيرانية تعيش في دوامة حول كيفية الردّ الذي وعدت به على عدوان وعنجهية نتنياهو، إذ لا يمكن تجاهل هجومه العنيف للمرة الثانية على القوات الإيرانية على الأرض السورية، ناهيك عن الضربات المتكررة لقوات نظام الأسد تحت سمع وبصر الحلفاء الإيرانيين والروس.
التجاهل الإيراني، سيزيد نتنياهو غياً وطمعاً بمزيد من الضربات، خصوصاً أن الكنيست خوّله مع وزير دفاعه ليبرمان، صلاحية إعلان الحرب بدون الرجوع للحكومة المصغّرة، وهذا أخطر مما كان حتى الآن، خصوصاً أنه يعتبر نفسه سيّد الأمن، وشخصيته متنفّجة جداً، وهناك مطلب بمحاكمة زوجته بشبهة الفساد، وهو مستعد الآن للإقبال على أي مغامرة.
بلا شك أن إيران قوة إقليمية عظمى، فهي تملك قدرات بشرية هائلة تقدّر بحوالي خمسة وسبعين مليون نسمة، على مساحة من حوالي مليون وستمئة وثمانية وأربعين ألف كيلو متر مربع، أي حوالي تسعة أضعاف مساحة سوريا، وسبعين ضعفاً من فلسطين المحتلة عام 1948. ورغم هذا يأتي بنيامين نتنياهو، ليصفع ويتحدى كبرياء إيران، ويعربد ويعلن بأنه لن يسمح لها بأن تستقر في سوريا، وهذا يعني أن الصراع في سوريا مفتوح، ولن يتوقّف أو ينتهي باحتلال أو تدمير قوى المعارضة السورية، على مختلف انتماءاتها.
يهدف نتنياهو من خلال تهديداته بالحرب وإعداد الملاجئ والصواريخ العابرة للقارات إلى ابتزاز الغرب وأمريكا، وإعادة صياغة الملف النووي وربطه بالوجود الإيراني في سوريا، وإلا فهو يهدد بتفجير حرب لا أحد يعلم نتائجها سوى الله.
من ناحيته أعلن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي اتفاقه التام مع ما عرضه بنيامين نتنياهو من وثائق حول نشاط إيران النووي، كذلك فقد بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضعيفاً وخاضعاً لابتزاز نتنياهو وترامب، فأعلن مساء الثلاثاء أن الاتفاق النووي قد يحتاج إلى تعديلات، وتحدّث عن الوجود الإيراني في سوريا، وقد يتبعه زعماء أوروبيون آخرون، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي لا توفّر فرصة إلا وتنافق إسرائيل، انطلاقاً من الشعور بالذنب تجاه الشعب اليهودي، على حساب شعوب المنطقة، خصوصاً الشعب الفلسطيني.
المؤشرات تقول إن ترامب يُعدُّ الأرضية لنفض يده من الاتفاق النووي، وسيجرُّ أوروبيين معه، وهذا سيضع إيران في مأزق، فقبول فتح الملف من جديد هو رضوخ للابتزاز، خصوصاً أنه سيرتبط بتحجيم انتشار قواتها في سوريا، ومن ناحية أخرى فإن رفض فتحه قد يؤدي إلى تجديد عقوبات اقتصادية تتعلق بمدخولات البترول، وفتح الطريق لمواجهة اعتداءات إسرائيلية متصاعدة، علماً بأن قوة إيران في سوريا محدودة مقارنة بقوة إسرائيل القريبة من الأهداف، ولن يكون من السهل على إيران الرّد على العدوان الإسرائيلي من الأراضي السورية، لأن ردّها يعني الدخول في مواجهة غير متكافئة، أما الحليف والذراع الأساسية لإيران المتمثلة بحزب الله، فهو ليس في أفضل حالاته، من جرّاء خسائره البشرية في سوريا، وتآكل حاضنته الشعبية في لبنان، حتى لو رد بآلاف الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على إسرائيل نصرة لإيران، فإن السطر الأخير في حرب كهذه، سيكون دماراً واسعاً للبنان، خصوصاً مناطق سيطرة حزب الله، ومهما سيسبب من أذى لإسرائيل، فهو لن يصل إلى 5% من الأذى الذي ستسببه إسرائيل له وللبنان وللقوات الإيرانية في سوريا.
أما إذا ردّت إيران بصواريخ بالستية من إيران على العمق الإسرائيلي فسوف تتورط بحرب واسعة مع أمريكا، وبعض حلفائها من حلف شمال الأطلسي إضافة لإسرائيل، وحينئذ يتعرّض كل ما أنجزته في العقود الأخيرة على حساب العرب بشكل خاص إلى الخطر.
ترامب ونتنياهو يعدّان جبهة عريضة ضد إيران، تضم أمريكا وإسرائيل وبعض الأوروبيين والعرب، فقد آن الأوان لوقف تمدّدها، والحؤول دون السماح لها بتنمية قدراتها العسكرية أكثر مما وصلت إليه. ترامب يُرحّب بأن تشكل إيران تهديداً للعرب، بل يضّخم هذا التهديد، لأنه يخدمه جيّدا في ابتزاز السعودية ودول الخليج بحجّة حمايتها، وقد أسهمت سياسة إيران بهذه التخوّفات، من خلال سيطرتها على العراق وأجزاء كبيرة من اليمن وسورية ولبنان والتدخل بالشأن البحريني، أما أن يتحوّل الوجود الإيراني في سوريا إلى تهديد لأمن إسرائيل، ولو على المدى البعيد، فهذا ما لا يسمحون به، ويجري تحجيمه.
هنا لا بد من سؤال، أين الحليف الروسي مما يجري؟ أين الانتصارات العظيمة في سوريا؟ أين الطيران الروسي والسوري الذي يدك القرى والمدن والمخيمات الفقيرة في سورية بآلاف الغارات؟ لماذا يصبح هذا الحلف أعمى وأطرش عند ظهور العدوان الإسرائيلي؟ هل روسيا عاجزة؟ بالتأكيد أن روسيا ليست عاجزة. لدى روسيا منظومات دفاع جوية متطورة جداً، قادرة على شلّ الطيران وتقليص تأثير الصواريخ الإسرائيلية، ولجم جنون نتنياهو ووزير حربيته وإعادتهما إلى صوابهما، وجَعْلهما يعيدان حساباتهما قبل أي مغامرة. ولكن يبدو أن الحليف الروسي يصمت طالما أن مصالحه المباشرة و»خطوطه الحمر» بخير، وهي قواته والقصر الجمهوري في دمشق، بل ربما أنه يرى بنيامين نتنياهو ونظامه أقرب إليه من حيث الجوهر من نظام إيران الإسلامي الأصولي.
أخيراً، بلا شك أن سياسة نتنياهو وترامب هي سياسة بلطجة وتمرّد على القانون الدولي، ورغم هذا لا بد من الإقرار بأن الأنظمة التي تحارب شعوبها وتقمع حرياتها، وتسيطر على الحكم بقوة السلاح، لن تستطيع حماية نفسها في نهاية المطاف، من الأطماع والعربدات الخارجية.

1