أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
كيف فشلتُ في دعم الإرهابيين!!
بقلم : سهيل كيوان ... 13.07.2017

دعوني أعترف بأنني حاولت دعم ثلة من الإرهابيين ولكن كانت قوى النور والديمقراطية والحرية واقفة لي بالمرصاد فهزمتني شرّ هزيمة. محاولتي الأولى لدعم الإرهاب كانت قبل سنوات قليلة، صادرت السلطات الإسرائيلية حسابات وأموال لجنة الإغاثة الإسلامية وأخرجتها عن القانون واعتقلت قياديين فيها.
لست عضوا في الحركة الإسلامية ولم أكن كذلك، وأدعو لفصل الدين عن الدولة، ولكن تعجبني بالذات قدرات الحركات الإسلامية على العمل في المجال الإنساني، في تنظيم ودعم الفئات الضعيفة، وقدرتها على أن تكون الوسيط البشري المنظَّم والمنظِّم بين فكرة مساعدة المحتاج الدينية وتطبيقها، خصوصاً حيث تكون الدولة مهملة ومقصرة أو غير موجودة أصلا، وخصوصاً عندما تكون هناك آلية معروفة للمراقبة وثقة من قبل الجمهور.هذا ليس لدى المسلمين فقط، فهناك ديانات وطوائف أخرى كالمسيحيين واليهود والبهائيين لديها صناديق مالية لدعم رعاياها ومساندتهم.
مصادرة حسابات لجنة الإغاثة الإسلامية وأموالها حرمت الآلاف من مساعدة محتاجين من خلال مشروع كفالة اليتيم، حيث كان الكافل يحول مبلغاً شهرياً متواضعاً عن طريق لجنة الإغاثة. صودرت الحسابات وصودر معها حق آلاف الأطفال من الأيتام في دعمٍ ومساعدةٍ أمر بها الله والمنطق السليم والقيم الإنسانية. كنت واحداً من آلاف من أولئك الذين فشلوا بمواصلة تقديم هذه المساعدة الإنسانية البسيطة لطفل لا أعرفه، ولكنه كان يرسل لي رسالة كل بضعة أشهر يشكرني فيها، كنت أخجل لبساطة المبلغ، ولكنه على بساطته كان يساعد طفلا بشكل أو بآخر، وبالمقابل كان يمنحني شعوراً بأنني فعلت شيئاَ ما صالحاً يرضي الله وضميري. أعترف بأنني فشلت في مواصلة دعم ذلك الإرهابي الصغير الذي لا بد أنه أصبح شاباً.
المحاولة الثانية الفاشلة في دعم الإرهاب كانت قبيل عيد الفطر السعيد الأخير. وصلتني رسالة مؤثرة على الخاص في الـ»فيسبوك» من رجل يقيم في قطاع غزة، لا أعرف لماذا اختارني بالذات لهذا الامتحان، شرح لي وضعه المالي الصعب جداً، فهو متزوج وعنده أطفال وحالته يرثى لها، وكان بين جملة وأخرى يُشهد الله على ما هو فيه من بؤس وهم وغم. وشرح لي ما أعرفه ويعرفه الجميع عن الوضع، وعن أن الإعانة من وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية في قطاع غزة هي ألف شيكل في كل ثلاثة أشهر تقدم للأسرة، وهذا يعني أقل من مئة دولار في الشهر للأسرة الواحدة وهذا لا يوفر حتى الخبز. قلت له توكل على الله. أخبرت صديقاً بالأمر وقررنا التعاون معا لتمرير مبلغ ما للرجل وأسرته فهو أولى من غيره، قبل هذا اتصلنا بإحدى الجمعيات الفاعلة في منطقة سكن الرجل وسألنا عنه، فأكدوا أن للرجل أسرة وأطفالا ويعيش في وضع مزرٍ وبحاجة ماسة. جمعنا مبلغاً متواضعاً ولم يبق علينا سوى توصيله من الجليل إلى مستحقه في قطاع غزة.
ذهبت إلى فرع البريد في بلدتي وسألت عن إمكانية التحويل إلى القطاع عن طريق ال(ويسترن يونيون)، فقالوا لا يوجد خدمة كهذه مع قطاع غزة.
حصلنا على رقم حساب الرجل في أحد فروع البنوك في منطقة سكنه واسمه الكامل، وسافر صديقي إلى نابلس قبل العيد بأسبوع بهدف تحويل المبلغ من البنك إلى فرعه في القطاع، فقالوا بأنه لا يستطيع تمرير أي مبلغ لقطاع غزة، إلا إذا كان قريباً من الدرجة الأولى. سألنا الرجل إذا له قريب درجة أولى في الضفة نعطيه المبلغ ليحوله له فلم يكن له هذا، ولكنه قال إن له صديقاً في مخيم البريج في القطاع له قريب في مخيم الجلزون في الضفة، وممكن تحويل المبلغ لقريب صديقه وهذا يحوله لقريبه فيسلمه المبلغ، ولكن تبين أن قرابة صديقه هذا لم تكن أولى، إذن ما العمل؟ كيف ندعم هذه الأسرة الإرهابية وندخل على قلوب أبنائها شيئا من العزاء!
فشلنا قبل العيد، واعتذرنا على أمل البحث عن وسيلة أخرى. فكرنا في أحد التجار الذين يتنقلون بين الضفة والقطاع، ولكنه لم يعثر على التاجر المطلوب. ازددنا حرجاً. قبل بضعة أيام كتب لي أن هناك طريقة قد تنجح بأن نرسل المبلغ إلى إحدى الشركات في الأردن التي لها علاقة ما مع تاجر في القطاع، وعند تحويل المبلغ إلى الشركة في الأردن عن طريق (الويستيرن يوينون) يقوم التاجر ذو العلاقة مع الشركة بتحويل مبلغ مماثل للرجل وهو يتحاسب معها، فوعدته بأن أحاول هذه الطريقة بعد ان أعطاني عنوان هذه الشركة الأردنية.
هذا المبلغ البسيط ليس دفعة لشراء براميل متفجرة، ولا لصنع مفخخات ولا لتطوير صواريخ، ولا هو لقصف الرياض أو القاهرة أو تل أبيب وباريس، ولا هو رشوة لشراء غواصة ألمانية لحركة حماس، إنه مبلغ بسيط بالكاد يكفي لتغطية نفقات بسيطة وأساسية جداً لهذه الأسرة.
ترددت في الكتابة عن هذه التجربة البسيطة، ولكن قررت النشر كي يعرف من لا يعرف ماذا يعني وجود ملايين من البشر تحت الحصار، سواء في القطاع أو في سوريا أو في العراق واليمن، فهل كانت أسرة هذا الرجل تهدد أمن العالم؟ أليس من يحرمون الناس أسباب الحياة هم أكبر منتجين للإرهاب؟ قبل يومين أعلنت الأمم المتحدة على لسان روبرت بايبر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية أن قطاع غزة لم يعد صالحا للحياة، فهناك 60% من البطالة بين الشباب، وهبوط حاد في الخدمات الصحية ومياه الشرب النقية وانقطاع شبه دائم للكهرباء.
وفوق هذا هناك من يقترح بهمجية وبهيمية وسادية وحقارة فاشية نازية، وقف مساعدة الأونروا للاجئين. قالوا في أمثالنا الشعبية «لا برحمك ولا بخلي رحمة ربنا تنزل عليك» وأضيف إليها.. وأقتلك وأهدم بيتك وأحاصرك وأجوّعك وأسجنك ثم أتهمك بالإرهاب وأحشد الأمم والجيوش عليك!!

1