أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
"بئس المقاومة ونِعمَ الحصار والاستيطان"!!
بقلم : سهيل كيوان ... 14.07.2016

لم يعد في قاموس اللغة العربية أكثر رذالة وبذاءة من كلمة «سلام»، مع اعتذاري لكل من يحمل اسم (سلام) سواء كان ذكرا أو أنثى.
هذه الكلمة ومشتقاتها وسياقاتها، مثل «السعي لتحقيق السلام»، و»دفع العملية السلمية»، و»تحريك مفاوضات السلام» وغيرها، صارت كلمات بذيئة ونابية!
آخر نموذج أطلقه وزير خارجية النظام الانقلابي المصري سامح شكري أثناء زيارته لإسرائيل واجتماعه لساعتين مع أستاذ الإرهاب الرسمي المخضرم بيبي نتنياهو، فبعد الديباجة المبتذلة عن «الرؤية المستقبلية وتطلع الشعوب للسلام» قال شكري:»إن امتداد الصراعات والنزاعات المسلحة يهدد استقرارالمنطقة، خاصة أن الإرهاب يعرقل عملية السلام فيها!». وهنا بيت القصيد «الإرهاب يعرقل عملية السلام» هذه الجملة بمثابة توقيع مبايعة من قبل السلطة الانقلابية لبيبي نتنياهو وسياسته واحتلاله.
فلا استيطان يعرقل السلام، ولا احتلال ولا حصار ولا قمع ولا إذلال شعب ولا جدار فصل عنصري يمزق المجتمع الفلسطيني حتى أبناء العائلة الواحدة، ولا هدم بيوت وتشريد آلاف الأسر ولا سجناء حرية تكتظ بهم سجون الاحتلال وبينهم مئات القاصرين، ولا اعتداءات يومية على مقدسات المسلمين ولا تهويد للقدس ولا قضية لاجئين، ولا حقوق، لا شيء سوى «عملية سلام يعرقلها الإرهاب»!
«الإرهاب» مصطلح تعميمي هُلامي منافق، يخلط عمدا بين كفاح الشعوب المشروع للتحرر من الاحتلال والاستبداد والفاشية العسكرية، وممارسة مجموعات تحاول الابتزاز المالي مثل المافيات أو الوصول إلى السلطة بالقوة والعنف.
تعريف «الإرهاب» الرسمي يستثني أعتى وأخطر أشكال الإرهاب، ألا وهو احتلال أراضي الآخرين بقوة السلاح، فما بالك بهدم بيوتهم (بمعدل 160 حالة هدم شهريا منذ بداية العام)، وإقامة المستوطنات على أراضيهم رغما عنهم! وهذا يعني أن شكري يتحدث بمعايير وتعريفات بيبي نتنياهو للإرهاب! فكل طفل يرمي حجرا أو رصاصة يصوبها مقاوم توجّه للمحتلين هي «إرهاب»! وهكذا يبرئ شكري ونظامه الانقلابي المشكوك بشرعيته الاحتلال من جرائمه، رغم أن المقاومة حق يكفله القانون الدولي للواقعين تحت احتلال أجنبي، ويدين الرد غير المتناسب على المقاومة، ناهيك عن الاحتلال غير المشروع من أصله.
شكري قصد القول من كلامه هذا «يا حضرة رئيس الوزراء بيبي نتنياهو نحن في مصر نتبنى تعريفكم للإرهاب، بئس المقاومة ونِعم الحصار لقطاع غزة، ولا شأن لنا بالاستيطان، فهذه قضايا تفاوضية»، وهذا يعني ضمنا العداء لكل عمل مقاوم في فلسطين، وهذا يتقاطع مع تصريحات رئيس المخابرات السعودي السابق تركي الفيصل بشأن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي قال إنها هي سبب الفوضى، وكلاهما يتقاطعان مع ما يصرح به ليلا ونهارا قادة الإرهاب المنظم في دولة الاحتلال.
سامح شكري عقد مؤتمرا صحافيا مع رئيس حكومة يجب محاكمته دوليا على جرائم حرب ارتكبها جيشه وبعلمه وتوجيهاته في قطاع غزة، قتل خلالها أكثر من 500 طفل فلسطيني ومئات المدنيين، وهدم أحياء كاملة، ومازال يحاصر حوالي مليوني إنسان ويحرمهم من حقهم الأساسي في التنقل والعمل والمسكن والأمن والغذاء، وهو خرق للقانون الدولي، لأنها عقوبات لا تتناسب مع مقتل مستوطن أو سقوط صاروخ بدائي على مستوطنة، أطلق أصلا كرد فعل على العدوان.
وزير خارجية الانقلاب اجتمع برئيس حكومة يحاصر جيشه مئات آلاف الفلسطينيين في عقوبات جماعية، كما يحدث منذ أسبوعين في محافظة الخليل، إذ أقيم طوق أمني على مئات آلاف الأسر الفلسطينية كرد فعل على مقتل مستوطنة، وأُعلن عن إقامة مئات الوحدات السكنية للمستوطنين (لم تتوقف أصلا) ودعمهم بمئات ملايين الدولارات، يتخلل هذا احتجاز جثامين شهداء ومنع دفنها بشكل مناف للقانون الدولي، الذي ينص على تسليم جثامين «العدو» لأصحابها بدون تأخير، واعتقالات تضاف لآلاف أسرى الحرية، ومن بينهم مئات القاصرين بدون حماية، وإحراق كروم الزيتون والمحاصيل الزراعية، وتدمير مضخات مياه الشرب، واعتداءات على ثمانين صحافيا فقط منذ بداية العام الحالي، وفتح أبواب الأقصى أمام المستوطنين وغلاة المتطرفين، وفي هذا الوقت بالذات عُيّن الرابي الأكبر للجيش الصهيوني، سبق وأفتى بشرعية اغتصاب نساء العدو (العربيات) خلال الحرب «للترفيه عن الجنود». هذا إلى جانب الفتاوى والممارسات بقتل الفلسطيني وهو جريح وفاقد للوعي ولا يشكل خطرا على أحد، أو لمجرد الشبهة وحتى التسلية كما حصل مئات المرات. هكذا وحسب وزير خارجية الانقلاب تصبح دماء مستوطن واحد في كفة، ودماء شعب فلسطين كله بكفة، كيف لا وقد استهتر الانقلاب بدماء المصريين ورفع جثامينهم بالجرافات.
أما عن قمة مصرية فلسطينية إسرائيلية، وربما أردنية «لإطلاق مبادرة السيسي للسلام»، فهي تعني إعفاء الاحتلال من أي ضغوط، وهدفها سيتركز في محاربة «الإرهاب» كما يُعرّفه نتنياهو! وهذا يعني الاصطفاف إلى جانب الاحتلال في قمع الفلسطينيين، وهذا خطر محدق بالقضية الفلسطينية هذه المرة من الجانب المصري، لتحقيق مكاسب لسلطة الانقلاب على حساب القضية الفلسطينية (كالعادة).
من ناحية أخرى صحيح أن هناك خطرا إيرانيا توسّعيا في المنطقة العربية، كما قال رئيس المخابرات السعودي السابق تركي الفيصل، وهذا ما يجري على أرض الواقع، ولكن صحيح أيضا أن هناك من يتخذ من أطماع إيران ذريعة لمهاجمة المقاومة الفلسطينية لشرعنة التطبيع مع دولة الاحتلال.
أطماع إيران لا تواجَه بالتحريض على فصائل المقاومة الفلسطينية، وليس من خلال التحالف العلني أو السرّي مع من يحتل الأرض العربية ويعيث فيها فسادا منذ سبعة عقود.
كثير من دول العالم وحكوماتها ضاقت ذرعا بنتنياهو وجرائمه واستهتاره بالشرعية الدولية، وهناك حركة مقاطعة للاحتلال وملحقاته تتطور في كل أرجاء العالم، وفي المقابل تهرع أنظمة العرب لنجدته والاصطفاف إلى جانبه واستجدائه لإثبات حسن سلوكها، من خلال خدمته دوليا بالحديث عن مبادرات توهم العالم بوجود مفاوضات للسلام، وعملية سلمية! وترديد كلمة (سلام)، لتحقيق أهداف لا علاقة لها بالسلام حتى أصبحت هذه الكلمة مرادفا للبذاءة والقذارة والانحطاط.

1