أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
السلطة الفلسطينية تعرقل البناء الفلسطيني!!
بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 26.12.2014

الكيان الصهيوني اللعين يهدم البيوت ويمنع التمدد السكاني، ويلاحق الفلسطينيين حيثما وجدوا بهدف تهجيرهم عن وطنهم وإضعافهم ووضعهم باستمرار في حالة قلق ورعب وعدم استقرار. نحن لا نتقن جيدا إحصاء البيوت التي تم هدمها، وتلك التي مُنع بناؤها، لكن من الضروري أن نحصي عدد البيوت التي حالت السلطة الفلسطنية دون بنائها. ربما يستغرب بعضهم بخاصة أولئك الذين يظنون بالسلطة خيرا من هذا القول، وربما يجادلون عكس ذلك. الشواهد التي تدين السلطة الفلسطينية بعرقلة البناء الفلسطيني كثيرة، وأكتفي بهذه العجالة إعطاء المثل التالي والذي ينسحب على أمثلة كثيرة جدا على طول الضفة الغربية وعرضها:
لي قطعة أرض مساحتها سبعة دونمات في المنطقة بين بلدة عصيرة الشمالية وقرية إجنسنيا، وهي مطوُبة باسمي. الأرض مساحتها أربعة عشر دونما، ومعي فيها شريكان. أردت إفراز الأرض بهدف الاستقلال عن شركائي ومن ثم القيام بزراعتها وربما البناء فيها. لدي النية بزراعتها بالزيتون. قال لي المساح الذي رافقني بأن القطعة التي تقل عن خمسة دونمات لا تفرز لأن المنطقة مصنفة أرض زراعية، وطبعا كل الأراضي المجاورة غير مزروعة لأنها غير مفروزة، ولا يوجد أحد يرغب بتشجير أرض غير مفروزة لأنها قد تؤول لغيره، وعند الفرز يجب فحص وجود قُصّر، وحقيقة أحد شركائي وهو الدكتور باسم المكحول قد توفي رحمه الله، وترك خلفه أبناء قصرا. وقال المساح أننا بحاجة إلى ما يقرب من العام لتسوية الأمر بسبب تعقيد إجراءات المحاكم والإجراءت الإدارية. الأرض غير المفروزة يصعب استغلالها من قبل أصحابها، ولا يستطيع المالك بيعها أو البناء عليها أو التصرف بها بأي شكل كان حتى لو اتفق مع شركائه. ولهذا من الضروري إفرازها، أي تقسيمها وفق نصيب كل شريك ليعرف كل مالك قطعته بالضبط وذلك ليضمن المستقبل فلا يأتيه وريث يدعي أنه شريك في الأرض. الأرض غير المفروزة غير مأمونة، ومعرضة للطعن في كل لحظة من قبل الشركاء أو وارثيهم. الدولة المحترمة تقوم على إفراز الأراضي، وتسهل الإجراءات القضائية والإدارية لتمكن مواطنيها من استغلال الأرض بما يعود بالنفع على الجميع. والسلطة غير المحترمة هي التي تعقد الإجراءات الإداية، وترفع من تكاليف الإفراز وتترك الناس في حيرة من أمرهم. ولهذا تبقى الأرض غير المفروزة بدون استغلال، ومن يطوف في الضفة الغربية يرى مساحات واسعة من الأرض غير مستغلة، ومعرضة للطمع الإسرائيلي والاستيطان. وما أن يستوطن الصهيانة الأرض نبدأ باللطم والبكاء والعويل طالبين من العالم التدخل لوقف الاستيطان.
وقال السيد المساح إن علينا أن ندفع رسوم الطابوإذا كنا سنفرز، والتي تساوي 3% من ثمن الأرض الذي تقدره دائرة الأراضي.، علما أنها كانت 1% فقط فقلت له أن الأرض مطوبة بأسمائنا وكلنا دفعنا رسوم الطابو، فضحك كثيرا على اعتبار أنني جاهل بالموضع، وقال يا حبيبي عليك أن تستمر بالدفع، هؤلاء (يعني دائرة الأراضي) يمصون دم الواحد. لا مفر لا يمكن المصادقة على الفرز بدون أن تدفع رسوما فوق الرسوم.
ضياع الأرض
ولهذا لا غرابة أن الناس لا يقومون بفرز الأراضي، فالتكاليف عالية. إنهم يجردون الناس من أموالهم من أجل تكثيف فسادهم. على الناس أن يمولوا الفساد من أجل أن تبقى رقابهم مهترئة من دوس أحذية الفاسدين.
في فلسطين المفروض تسهيل معاملات الأراضي لكي يتمكن الناس من البناء والزراعة. الأرض هي الوطن، وإن كنا نعرقل البناء والزراعة فإننا نخون الوطن والله والتاريخ والإنسان. إسرائيل تشجع البناء والزراعة وتقدم مختلف التسهيلات من أجل الاستيلاء على أراضينا، أما نحن فنقسو على الناس حتى لا يتمكنون من الحفاظ على وطنهم، وحتى نهجّرهم في النهاية من البلاد. هذا عمل لا يجوز وهو إجرامي وخياني ويدعم إجراءات العدو الاستيطانية، وعلى الناس أن يرفضوه. وعلى الناس ألا يصدقوا ما يسنمعونه في الإعلام. نحن نصدق فقط ما نلمسه على أرض الواقع.
يقولون إنهم خصصوا مساحة واسعة في الضفة الغربية لتكون خضراء، أي زراعية، وهي في الغالب أراض جبلية صخرية، وكان واضحا أن الهدف هو عرقلة نشاطات الناس البنائية وإفساح المجال أمام الأعداء للاستيلاء على الأرض. والدليل على ذلك أن الأراضي الزراعية الخصبة تركت للبناء، بينما خصصت الجبال للزراعة. سهل جنين تأكله البنايات الآن وهو يتقلص بتسارع، أما سهل طولكرم فتم استهلاكه بالبنايات، أما بساتين نابلس لم تعد موجودة. سهل البيرة يختفي رويدا رويدا، وسهول دورا والساوية وعقربا فلن يكون لها أثر في المستقبل. إنهم يكذبون، ولا يريدون اتباع سياسات تحافظ على الوطن.
المشكلة أن السلطة الفلسطينية تريد أن تقف على أقدامها من جيوب الناس، إنها ترف الرسوم المفروضة على المعاملات باستمرار وتبتز الناس لتفقرهم. إنهم لا يتركون مجالا للاستثمار الذي من شأنه أن يقيد الناس ويفيد السلطة على حد سواء، وعلى الناس أن يتحملوا الكثير من الأعباء المادية لكي يستمر الفساد في البلاد. نحن الشعب الفلسطيني نمول الفساد والفاسدين، نحن ندعم الفساد ليرتد علينا جحيما ووبالا.
المشكلة هي لدى الناس أيضا الذين يرضون بمثل هكذا ترتيبات وإجراءات. اللهم لا تغفر لنا.

1