أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
استرداد الثورة في مصر!!
بقلم : سمير كرم ... 02.07.2013

لا أحد يمكن أن يقول إن مصير مصر سيتحدد من خلال الصراع المقبل في الثلاثين من شهر حزيران/ يونيو الحالي، إنما يمكن القول بالتأكيد ان الصراع المقبل سيحددّ مصير "الإخوان المسلمين".
مصر باقية حتى لو لحقت بها هزيمة في الصراع ضد سلطة "الإخوان المسلمين". كم خاضت مصر من حروب وكم لحقت بها من هزائم ولكنها بقيت وانتصرت؟ أمّا "الإخوان المسلمون" فإنهم يخوضون أول صراع لهم في السلطة. قبل ذلك كانت صراعاتهم من أجل البقاء.. البقاء فحسب.
الصراع المقبل بين مصر وسلطة "الإخوان المسلمين" هو صراع بين الثورة والثورة المضادة إذا أردنا إختصار التسميات. ذلك ان ثورة "25 يناير" 2011 تخوض هذا الصراع بجماهيرها التي تشكل اغلبية ساحقة من المصريين من أجل تأكيد وجودها ضد جماعة "الإخوان" التي استولت على السلطة في مثل هذا الوقت من العام الماضي وبرهنت خلال هذا العام الذي إنقضى أنها هي الثورة المضادة. وفي تاريخ الثورات على مدى العالم كلّه، فإن الثورات تتعرّض لما تعرضت له ثورة مصر على يد الثورة المضادة.
قد يتحوّل الصراع المقبل بين الثورة المصرية والثورة المضادة إلى صراع مسلّح أو إلى حرب أهلية، ستكون الأولى في التاريخ المصري الحديث كلّه، ولكن على الرغم من إقتراب موعد "30 يونيو" الذي حددّته الثورة بنفسها لإنطلاقة جديدة لها، إلاّ أن أحداً لا يستطيع أن يجزم بان هذا الصراع سيتحّول إلى صراع مسلح أو إلى حرب أهلية. مع ذلك، فثمّة ظواهر عديدة تحمل على الإعتقاد بان الثورة المضادة هي التي ستقدّم، إن إستطاعت، على حمل السلاح ضد الجماهير السلمية غير المسلحة. ذلك ان "الإخوان المسلمين" تنظيم مسلح منذ سنواته الأولى. ويتحول إلى ميليشيات عند الضرورة. أما الجماهير الشعبية المصرية فانها تملك من الثقة ما يكفي بأن جموعها، المليونية بالتعبير الشائع الآن في مصر، تستطيع أنّ تتصدى للثورة المضادة من دون أسلحة، بمحض أعدادها الغفيرة. وكانت آخر تجارب الثورة المصرية قد برهنت على انها قادرة على إسقاط نظام مبارك معتمدة على أعدادها من دون حاجة إلى سلاح من أيّ نوع.
والدلائل تشير إلى أنّ جماعة "الإخوان المسلمين" مستميتة للإحتفاظ بالسلطة. ولهذا يميل كثيرون من المراقبين إلى الاعتقاد بأن "الاخوان" سيحملون السلاح ضد الجماهير المصرية في يوم "30 يونيو" أو بعده. ذلك هو في تقدير خبرائهم، السبيل الوحيد إلى السيطرة على السلطة والإحتفاظ بها. فإلى أين تصل مثل هذه التطورات وهل تستطيع جمـاعة "الاخـوان" أنّ تضمن الإحتفاظ بالسلطة بقوة السلاح؟ ليست هناك إجابة على مثل هذا السؤال إلاّ الإجابة القائلة: بعض الوقت. باستطاعة "الاخوان المسلمين" ان يحتفظوا بالسلطة بقوة السلاح لبعض الوقت، وما بعد ذلك متروك لإرادة الجماهير التي لن تسكت على ممارسة الحكم عليها بقوة السلاح، حتى لو كان ذلك مشفوعاً بمحاولة الإستناد إلى قوة الدين وحججه في مواجهة شعب يوصف بل ويصف نفسه بأنه شعب متديّن.
الوضع في مصر هذه الايام، ولفترة لا يمكن التنبؤ بطولها، بالغ التعقيد والغموض، الا من هذين الطرفين المتصارعين: الثوار المصريون الذين يشكلون غالبية الشعب المصري الذين يسعون لإستعادة السلطة من الثورة المضادة بقوة حشودهم غير المسلحة، وعناصر الثورة المضادة المتمثلة في "الإخوان المسلمين" والذين لا يستبعد لجوؤهم إلى السلاح لإستبقاء السلطة. ومعنى هذا ان مصر قد تكون مقبلة على حرب أهلية أو ما يشبه الحرب الأهلية. ومعناه ان الشعب المصري مقبل على احداث يدفع فيها من أرواح أبنائه ثمن إستعادة الثورة، سلطة الثورة، وستكون هذه المرة الأولى في تاريخ مصر الحديث التي يدفع فيها الشعب المصري هذا الثمن لبلوغ هذا الهدف.
إن الدعوة التي اطلقها ثوار مصر بجعل يوم "30 يونيو" يوماً لإسقاط نظام حكم "الإخوان المسلمين"، بما في ذلك رئاسة محمد مرسي، هي دعوة لإستعادة الجماهير المصرية سيطرتها على الثورة. دعوة لإستعادة سلطة الثورة من أيدي الثورة المضادة. هذا لأن الثورة المصرية لا تزال قائمة على الرغم من استيلاء "الاخوان المسلمين" - بالخداع والمناورة وحتى الكذب والتزوير، على السلطة، في ظرف التزم فيه الجيش المصري الحياد بين الثورة والثورة المضادة، لأسباب ليست واضحة بما فيه الكفاية حتى اللحظة الراهنة. هذا ما تؤكده حركة الجماهير المصرية في شوارع المدن منذ أنّ بدا بوضوح أن هذه الجماهير لا يمكن ان تقبل رئاسة مرسي لأنه، أولا، اثبت تبعيته لقيادات تنظيم "الإخوان المسلمين" في كلّ ما يصدر من قرارات وما يعبّر عنه من آراء. وبالنسبة لجماهير الثورة فإن قرار محاكمة مرسي، بعد عزله على ما ارتكب من أخطاء وخطايا بحق الشعب المصري والثورة المصرية، هو قرار مؤجل إلى ما بعد قيام السلطة المؤقتة التي ستتسلم الحكم بسقوط مرسي والحكومة التي عينّها ولم تستطع أن تثبت قدرتها على الحكم بأي حال.
الدلائل تشير الى ان رد فعل الشعب المصري على نجاح ثورته في مرحلتها الثانية يؤيد هذه المحاكمة ويؤيد عقاب مرسي وأعوانه. لكن الأمر الذي يحتّم معاقبة مرسي ويجعلها خطوة مؤكدة بعد سقوطه هو لجوء تنظيم "الإخوان المسلمين" إلى السلاح وبالتالي سقوط شهداء من الجماهير المصرية بهذا السلاح قبل انزال الهزيمة بهذا التنظيم على أيدي الجماهير الثورية المصرية.
ان يوم "30 يونيو" هو في الحقيقة يوم استرداد الثورة. والذي يستردها هو الشعب المصري نفسه صانع هذه الثورة. تستردها الجماهير الشعبية المصرية وترفع من جديد أعلامها في سماء مصر. وهذا يعني استعادة مصر نفسها من ايدي تنظيم "الإخوان المسلمين" الذي أراد أنّ يستولي على الثورة ويحوّلها إلى كيان مختلف يتفّق فقط مع أهداف "الإخوان" وأغراضهم. ذلك أن "لاخوان"، بحكم مبادئهم وأعرافهم لا يعرفون مصر ولا يقدّرونها ولا يحترمونها كوطن لأن مفهوم الوطن نفسه غريب على تفكيرهم وحتى على مشاعرهم. لقد حاولوا وهم في الحكم أن يثبتوا غير هذا ولكن أسس ما يعتقدون، كشفت حقيقة نظرتهم إلى هذا الوطن، بل وحقيقة نظرتهم إلى كل وطن آخر. وحينما يسترد الثوار الثورة فإن الأمور تعود إلى نصابها. تعود مصر إلى الثورة وتعود الثورة إلى مصر. ومهما بدا هذا الكلام أقرب الى الوجدان منه الى العقل فإنه يؤكد صحته بخروج ملايين المصريين لإستعادة ثورتهم من اجل مصر.
قد لا يمكن الحكم بانتصار استعادة الثورة خلال أيام من يوم "30 يونيو"، ولكن الأمر المؤكد أنه إذا لم تنتصر هذه الحركة فإنها لا تموت، لا تنتهي، إنما تتراجع بانتظار لحظة الإنطلاق من جديد. وسيكون حكم "الاخوان" خلال الفترة المقبلة، اذا استمر أسابيع أو شهوراً ـ بمثابة انتكاسة أخرى للثورة، ولكنها انتكاسة مؤقتة لا تلبث ان تنطفئ في ضوء تحرّك ثوري جماهيري جديد. وسيكشف حكم "الاخوان" خلال هذه الأسابيع أو الشهور المزيد من عوراته من خلال مزيد من الأخطاء والإنتكاسات التي لا يستطيعون الإفلات منها بأي حال.
ان انتصار الثورة حتميّ كما علمّنا التاريخ. وعلى هذا الأساس يتساءل الشباب المصري الثوري ولا يتوقف عن التساؤل: من سيحكم بعد "الاخوان"؟ والإجابة هي أنه بعد الفترة المؤقتة التي أثبتت الأحزاب السياسية المؤمنة بالثورة وباستعادتها ستكون الثورة والثوار قادرين على تقديم إجابة مخططة بوضوح توضع مواضع التطبيق بلا عثرات ولا صعوبات. سيكون الثوّار أنفسهم هم الذين يحكمون بعد أن يكون "الاخوان" قد ابعدوا عن السلطة كما ابعدوا عن التأثير الفكري والعقائدي.
لقد انعكس كلّ هذا على صورة "الإخوان المسلمين" حتى لم يعد بالإمكان إعطاؤهم فرصة إستكمال فترة السنوات الأربع التي انتخب مرسي ليشغل فيها منصب الرئيس.
مصير مصر أبقى وأقوى من مصير "الإخوان المسلمين". قد يبدو هذا واضحاً في حزيران/يونيو 30 يونيو وقد يبدو أوضح أبعد من هذا التاريخ.

المصدر:جريدة "السفير" اللبنانية
1