أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
الأسرى: الموت.. أو الحريّة !!
بقلم : رشاد أبو شاور  ... 27.02.2013

لم تشر اتفاقات (أوسلو) إلى حقوق الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، فالمفاوض الفلسطيني رضي بتأجيل كل القضايا الرئيسة: الدولة، الحدود،القدس، حق العودة، وتجاهل تحرير الأسرى، اعتمادا على حسن نوايا شريك السلام، أو، ربما، لأن ( حريتهم) لا تعني شيئا للمفاوضين، وهي أصغر من أن يتم التنبه لها، والتوقف عندها!
الاحتلال تعامل دائما مع الثوار الفلسطينيين، سواء أحملوا السلاح، أم ناضلوا سلميا، على إنهم (إرهابيون) يحق له أن يزج بهم في السجون، ويخضعهم لصنوف من التعذيب لا يمكن تخيلها، ويحتجزهم لمُدد يقررها بحسب ما يرى، مستخدما كل أساليب ووسائل التعذيب التي تمكنه من انتزاع الاعترافات التي يردها.
انتظر الأسرى، وصبروا على (قيادتهم) المشغولة جدا في المفاوضات التي لا تنتهي، والتي تمضي بطيئة وبلا جدوى، في حين يمضي الاستيطان سريعا في نهب الأرض الفلسطينية، وتبديد وهم الدولة الفلسطينية، ويتواصل الصراع بين السلطتين.
آخر شهداء الحركة الأسيرة هو الأسير عرفات جرادات من بلدة سعير قضاء الخليل، الذي فقد حياته تحت التعذيب بعد أيام قليلة من اختطافه من بين أفراد أسرته، والذي دفن يوم الاثنين، ليتصاعد غضب الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية، والقطاع، والشتات.
الاحتلال ادعى أن عرفات (مات) بجلطة قلبية، في حين افتضح الأمر بآثار التعذيب على بدنه، كما روى والده، وفي تقرير أحد المعاهد الصهيونية الصحية الذي شرح الجسد، والذي قرر بان جرادات لم يمت بالجلطة، وأنه تعرض للتعذيب.
لم يكن ذوو الشهيد جرادات بحاجة للتأكد من معهد صهيوني، بأن ابنهم قتل تحت التعذيب، فابنهم شاب، لا يعاني من الأمراض، وقد اختطفه جيش الاحتلال وهو بتمام عافيته.
استشهاد عرفات جرادات يطرح قضية الأسرى من جديد، الذين خُذلوا، والذين فقدوا الأمل بنيل حريتهم بالمناشدات، والمفاوضات، وبالرهان على قيادات متصارعة، تضيع الوقت بالحديث عن (المصالحة) في حين تتبدد سني أعمارهم باستهتار من الاحتلال، وانعدام الجدية من قيادات السلطتين.
في كل المرات التي أُفرج فيها عن ألوف الأسرى، تم ذلك بعمليات تبادل للأسرى بجنود الاحتلال الذين أسرتهم المقاومة ميدانيا، أو اختطفتهم، أي بالقوة، وبوضع الاحتلال أمام خيار يستحيل أن يتهرب منه، وهذا ما فعله حزب الله، ومن قبل فعلته الجبهة الشعبية القيادة العامة في عملية (النورس) التي حررت أكثر من ألف أسير، كانوا خميرة الانتفاضة الكبرى الأولى، وفعلته فتح، ومن بعد فعلته حركة حماس.
لا يمكن أن يرهن الأسرى حياتهم للمصادفات، فليس هناك مخطط فاعل لتحريرهم، لذا اعتمدوا على أنفسهم، فاختاروا سلاح الإضراب عن الطعام، ووضعوا حياتهم وحريتهم في الميزان، ولسان حالهم يقول: الموت..أو الحرية.
انتزع بعض الأسرى حريتهم بالإضراب عن الطعام، حين بلغوا حافة الخطر، فاضطر الاحتلال أن يفتح لهم أبواب السجن، وأن (يرحلهم) إلى قطاع غزة، وهو ما فعله مع الأسير خضر عدنان، والأسيرة هناء شلبي.
تطرح قضية حرية الأسرى بدم الشهيد عرفات جرار، بينما الأسير سامر العيساوي يواصل إضرابه عن الطعام، والذي دخل اليوم ال221، وهو إضراب غير مسبوق للسجناء في العالم، وبحسب محاميه فقد انهارت صحة البطل سامر، وتدنى وزنه إلى 45 كغم!
هناك حاليا عدد من الأسرى يضربون عن الطعام، وهم ينطلقون من فلسفة بسيطة: نحن لسنا رهائن لدى الاحتلال، وحريتنا نحققها بأجسادنا التي نقاوم بها، وكما أنشد عبد الرحيم محمود:
فإما حياة تسر الصديق
وإمّا ممات يغيظ العدا
هؤلاء الأسرى يوجهون رسالة واضحة للشعب الفلسطيني كله: هذا التناسي لنا لا نسمح بأن يستمر، فنحن نختار الموت بكرامة، أو ننتزع الحرية بأجسادنا.
وهذا ما دفع كثيرين في جنازة الشهيد جرادات: نحن مسئولون عمّا جرى لجرادات، وعن كل ما يعانيه الأسرى...
هؤلاء الذين صرحوا للفضائيات التي نقلت مشهد الجنازة الحاشد المهيب، هم من الشباب، والكهول، والفتيان، والنساء، يعني يجمعهم الغضب، والغضب الفلسطيني الهادر آت آت آت.
والد الشهيد ردد عبارة حاسمة ردا على كذب حكومة نتينياهو، وادعائها أن عرفات مات بالجلطة: الظالم كذاب. هل هناك ابلغ من هذه العبارة في وصف الظالم الصهيوني؟ الاحتلال كذاب. السجان الصهيوني كذاب. الإعلام الصهيوني الخادم للاحتلال والعنصرية كذاب.
من قبل قال المثل الشعبي الفلسطيني: القوي عايب، يعني: عائب..والاحتلال الصهيوني قوي بضعف الحكام العرب التابعين، وقوي بأمريكا، وقوي بالغرب الاستعماري البغيض العنصري الذي لا يهزه موت فلسطيني تحت التعذيب، ولا خروج الكيان الصهيوني على كل الشرائع والقوانين، وقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، هذا الغرب الذي تجند قادته (لتحرير) الجندي شاليط، غير معني بألوف الأسرى الفلسطينيين..غرب النفاق (الديمقراطي) الكاذب!.
الكيان الصهيوني، وحكومة نتينياهو قلقة من أن ينفجر الوضع الفلسطيني ويتصاعد إلى انتفاضة تعيد خلط الأوراق، وتضع قضية فلسطين من جديد أمام العالم، بعد أن تم تناسيها، بسبب الخلاف الفلسطينيين وانشغال العرب ب(الربيع العربي)، وبالصراع في البلدان التي سرقت (ثوراتها)، وبضعف الوضع الفلسطيني المُنهك داخليا!.
حكومة نتينياهو العنصرية ردت على الجريمة بمحاولة امتصاص للغضب الفلسطيني، بتحويل مستحقات الفلسطينيين عن شهر كانون ثاني، والتي كانت تحتجزها، وطلبت من السلطة أن تمتص الغضب الشعبي بهذه (المكرمة) الصهيونية!
هذا التصرف الصهيوني الوقح يوضح إلى أي حد يستهتر هؤلاء العنصريون بشعبنا، وكرامته، وثقافته، وانتمائه، وتراثه الثوري، فهم يحسبون أنهم روضوه، وانه سيتبعهم كيفما شاءوا له، بعد أن جوعوه، وامتهنوا كرامته على المعابر، وفي السجون...
هم طمعوا (فينا) من الهمالة التي لمسوها من المتعاملين معهم، ومن الصراعات العبثية بين السلطتين، ومن نظم الحكم العربية التي تحاصر شعبنا ماليا خدمة لمخططات الاحتلال، وللأوامر الأمريكية.
لكن جذوة النار تتأجج تحت الرماد، وغضب الفلسطيني الذي لا يعيش ليأكل، ولكنه يعيش ليثور، ويحرر وطنه، ويعود إلى قراه ومدنه، ويترك المخيمات وراءه رمزا لعار البشرية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ورمزا لعظمة شعب لم يقو الاحتلال، والتشرد، والمذابح، على تغييب هويته، ومسخ أهدافه، وتنسيته دوره الذي اختارته له الأقدار.
الحركة الأسيرة كانت خميرة ودينمو الانتفاضة الكبرى، والحركة الأسيرة توقظ النار التي لا تخمد من جديد، فنار فلسطين لا ولن تخمد أبدا.
ترك عرفات جرادات زوجته حاملا، وترك طفلا وطفلة، وخلف وراءه حالة غضب أحسب أنها لن تنطفئ، ولعل البطل سامر العيساوي الواقف على الحد بين الحياة والموت، ينادي ويهيب بنا من جسده الذاوي أن نهب تلبية لنداء أخوتنا الأسرى.
ختاما أقول لكل الفلسطينيين، على اختلاف مشاربهم: لو أننا دفعنا الاحتلال ثمن دم الرئيس السموم عرفات، لما تجرّا المحتلون الصهاينة على اغتيال عرفات جرادات!

1