أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
لا فائدة ترجى من لقاءاتهم!!
بقلم : رشاد أبوشاور  ... 13.02.2013

ألوذ في الصباح الباكر بالراديو، ومن عادتي أن استيقظ مبكرا، فأبدا يومي مع السيدة فيروز التي تبث أغانيها إذاعة إف إم لا تقدم نشرات إخبارية تسم البدن على الريق، وهي بهذا تسدي لمستمعيها خدمة لا تقدر، لأنها تنقذهم من نشرات إخبارية لا تقدم لهم سوى النكد والحزن، كأنما ينقصهم المزيد على ما هم فيه من بلاء!.
استمعت صبيحة هذا اليوم لأغنية فيروزية خُيّل لي أنني أسمعها لأول مرّة، مع إنني سمعتها كثيرا، ولكن يبدو أن حالنا السياسي الفلسطيني قد منح الأغنية معنى لا يبوح به (نص) الأغنية مباشرة، وهذا ما يبرهن على غنى الكلمات، وعمقها.
تقول الأغنية.
طلع المنادي ينادي
ما فيهاش إيفادي
الرعيان في وادي
والقطعان في وادي
ولمن يجهل المفردات الشعبية اللبنانية، وبخاصة أهلنا في المغرب العربي الكبير، فلا بد من تفسير كلمة (إيفادي)، وهي تعني: لا فائدة.
مع إن الأغنية واضحة، فلنفصحها قليلاً:
طلع المنادي ينادي
لا فائدة في هذه الحالة
فالرعاة في واد
والقطعان في واد
وهكذا فالرعاة يغنون على لياليهم، أو (ليلاتهم)، ولكل ليلاه، والقطعان متروكة برعاية الله، فلا رعاة يردون الذئاب عنها، لأن الرعاة مشغولون بخلافاتهم، أي بصراعاتهم على المنافع، والتي في حال استمرارها، وهي في حالتنا الفلسطينية مستمرة: لن تترك قطعانا، ولا مراع، ولا أراض للرعاة، ولا مساحات تقام عليها مضارب بني فلسطين.
فشلت جولة (القاهرة) الجديدة في الانتقال لتنفيذ خطوات عملية على طريق (المصالحة)، فالتصريحات التي أعقبت الجلسات بددت ما بُث من أمل روّج له في الشهرين الأخيرين.
مرارا وتكرار كتبت: هناك فرق بين العمل لتحقيق الوحدة الوطنية، ببرنامج نهوض وطني مقاوم، و(المصالحة) بين السلطتين، أو سلطتي فتح وحماس، وحتى اللحظة فإن الطرفين ينطلقان من أُلهية المصالحة، وكل طرف يريد أن يكسب، ويحجم الآخر.
تحقق (انتصاران) من وجهة نظري الطرفين: انتصار غزة على العدوان الصهيوني، وانتصار السلطة في الأمم المتحدة بالحصول على دولة غير كاملة العضوية، ولكن الانتصارين لم يُضما معا لينتفع بهما في الصراع مع الاحتلال، بل وضع كل طرف انتصاره أمامه على الطاولة، وهو يلعب انطلاقا منه، وفي ظنه، وحساباته، أنه لا يكسب إن فرط بما لديه!
فتح احتفلت بعيد انطلاقتها في قطاع غزة، بعد طول تردد من حماس في السماح لها بإقامة مهرجان شعبي كبير، فكانت المفاجأة بهذا التدفق الطوفاني من شعبنا في مدن ومخيمات وقرى قطاع غزة، إلى أرض الكتيبة، وهو ما أحرج حماس، ومنح قيادة السلطة (فتح) نقاط قوة غير متوقعة.
بحساب الانتخابات رأت فتح أن اللحظة دنت للانتخابات، فصناديق الاقتراع لن تُفوّز حماس حتى في عقر (دارها) قطاع غزة!
وحماس، ربما، لم تفهم ولم تستوعب هذا (الخروج) الغزاوي للاحتفاء والاحتفال بفتح وعيدها، هي التي ضمنت تماما، كما توهمت، انحياز قطاع غزة لها، وتحجيم حضور فتح وشعبيتها!
بحيادية: حماس ظلمت، واستبدت في غزة. وميزت بين محازبيها وبين أهل القطاع الذين باركوها كفصيل مقاوم، ولكنهم لم يؤيدوها على بياض لتحكم وتتحكم!
حماس تناست أنها حزب واحد يحكم، ويتحكم في قطاع غزة، وأن الحزب الواحد، أي حزب، لن يكون قادرا، ولا مقبولاً، أن يحكم في أي بلد، ويتحكم بحياة أي شعب، فيقرر نوع الملابس، ودرجة ضيقها واتساعها!.
الجماهير الفلسطينية التي عاقبت فتح، ومنحت الفوز لحماس في (التشريعي)، هي نفسها التي عاقبت حماس على أخطائها، وخرجت للاحتفال في ذكرى انطلاقة فتح.
حماس قمعت الجميع في القطاع: الجهاد الإسلامي، ذات المنطلقات الجهادية الإسلامية، والتي نأت بنفسها عن الصراع على السلطة، ولم تدخل الانتخابات، وترفض أوسلو، ولكنها لا تصطدم بالسلطة رغم ما تتعرض له من مضايقات، وملاحقات.
حماس اضطهدت حركة فتح في القطاع، وقتلت، وصفّت، وصلى (مجاهدوها) أمام مكاتب السلطة، ومكاتب حركة فتح، وهم يتصايحون منتشين: اليوم هنا، وغدا في الأقصى. حماس ظلمت، واضطهدت الجبهة الشعبية، والديمقراطية، وكل من اختلف معها، أو تناقض مع مخططاتها، وأساليبها في إدارة القطاع استفرادا، وهيمنة، واستبدادا.
هل ترضى قيادات حماس بخسارة سلطتها، والتسليم لقيادة لا تكون هي الأساس فيها؟!.
في حال حدثت انتخابات وفاز (رجال) السلطة، من فتح ومحازبيها، هل ستسلم حماس إدارة القطاع لمؤسسات السلطة، وتحديدا لأجهزة ستفقدها سلطتها، وتخضعها لقوانينها؟
وهل يمكن أن تنصاع السلطة لنتائج صناديق الاقتراع في حال فازت حماس؟
(دويخة)، أو لا معقول، أو إضاعة لمزيد من الوقت بعبث أساسه، وسببه الرئيس: الطرفان لا يريدان برنامجا وطنيا شاملاً يجمع كل الأطراف، والقوى الفلسطينية، للشروع في فعل وطني مقاوم يبدأ ولو متأخرا، بالتصدي للاستيطان، والاحتلال الصهيوني، أقله في الضفة، والقدس، والاشتباك مع الحصار الصهيوني حول القطاع.
هناك من يقول: لا انتفاضة ثالثة، وهناك من يقول: المقاومة دون أن يقاوم، والطرفان ينشغلان عن احتلال يفعل ما يشاء، يصادر الأرض، يطارد الناشطين السلميين، يقفل أبواب المعتقلات والسجون على ألوف الفلسطينيين المرضى المنسيين، ويهوّد القدس حتى لا تبقى قدس عربية.
هذا هو ما يحدث فلسطينيا، وما تجسده الأغنية الفيروزية الرحابنة، والتي تسخر من لامعقول ما يفعله رعاة هم في واد وقطعانهم ضائعة في واد. أليس هذا ما يحدث فلسطينيا، وما يصرخ به شعبنا الفلسطيني مفجوعا بهكذا رعاة؟!
المنادي الفلسطيني ينادي
لا فائدة من جلسات ولقاءات الطرفين
فهم في واد، أو أكثر
والشعب الفلسطيني مشرد في وديان
وذئاب الصهاينة تنهشه، وتستحوذ على مراعيه وأرضه.
ونضيف: القيادة تقود بريادتها للطريق، وإبداعها في مواجهة العوائق والصعاب، وتوحيدها للصفوف.
أمّا القيادات الفلسطينية فإنها تُضّيع ما يجنيه شعبنا بدمه، وجوعه، ونزفه، وتراكمه (لها) للتباهى، وتتنافخ ادعاء، وتتنابذ، وتفرّق الصفوف.
ولذا عندما سألني أحدهم قبل أيام، متوقعا مني تحليلاً مستفيضا: ما رأيك، هل سيتصالحون؟ أجبته بما يشبه الكلمة، وهي في الحقيقة مجرد صوت من فوق اللسان: (تشه).
و(تشه) تعني: لأ، وهي لأ فيها سخرية واستخفاف بلقاءات تكلف الشعب الفلسطيني تذاكر، وإقامات فنادق، ولزوم ما لا يلزم!
وهذا فصل الجواب، في ما يفعله هذان الطرفان بأقدس قضية عرفها زمننا، بفضل أردأ (رعاة).
الرعاة الحقيقيون يرعون الحقوق ولا يفرطون بها. يصونونها ولا يمزقونها. يذودون عنها ولا يدعونها نهبا لأنياب ذئاب الصهاينة.
وختاما، فإنني أرى بأنه آن الأوان لشعبنا الفلسطيني العظيم أن يكف عن الرهان على الطرفين، وعلى أي طرف عربي، فهو بعد الله عليه الاعتماد على نفسه لينقذ قضيته قبل أن يتحول إلى شعب ـ قطيع، لا سمح الله، يرتزق على حسابه المُضللون الضالون.
وأنا كمناد أقول لشعبنا: لقاءاتهم ما فيهاش إيفادي!

1