أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
حملن السلاح وفجرن القنابل وتعرضن للتنكيل.. قصة الجزائريات في ثورة التحرير!!
بقلم : الديار ... 07.03.2022

الجزائر – يحتفي تاريخ ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) بمآثر مفجري العمل المسلح والمحاربين من أبطال المعارك العسكرية ورموز النضال السياسي والدبلوماسي، إذ يكبُر هؤلاء الرجال في عيون العالم الحر.
لكن دور المرأة الجزائرية التي رافقت شقيقها الرجل في رحلة الكفاح، يبقى متخفيا في مساحات الظل، برأي مختصين، مع أن الكثيرات لمعت أسماؤهن في سماء القضية الوطنية منذ دخول الاحتلال الفرنسي، مثل المقاومات لالة فاطمة نسومر ولالة زينب القاسمي، والشهيدات حسيبة بن بوعلي ومليكة قايد وفضيلة سعدان، والمجاهدات الجميلات الثلاث كما يطلق عليهن: جميلة بوحيرد، وجميلة بوعزة، وجميلة بوباشا. وتستذكر الجزيرة نت نضال وكفاح المرأة الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي بالتزامن مع يوم المرأة العالمي.
شجاعة المرأة الجزائرية
وتمثل رسالة الشهيدة حسيبة بن بوعلي بالنسبة إلى والديها نموذجًا حيا عن شجاعة المرأة الجزائرية في معركة الحرية، فقد كتبت لهما -بحسب ما نقلته عنها المؤرخة مليكة القورصو- "قررت -بل هو واجبي- الذهاب إلى جبهة القتال، حيث أعلم أنني أفيد كممرضة أو حتى -وهو ما أرجوه من كل قلبي- أن أقاتل والسلاح في يدي، إن مُت فلا تبكوني، فسأموت سعيدة، أؤكد لكم ذلك".
واعترافا بخطورة الأدوار التي تكفلت بها تلك المجاهدات الباسلات، سجل الجنرال ماسو في مذكراته أن "المرأة الجزائرية حملت القنابل لتضعها في الأماكن المناسبة، وشكلت شبكة حقيقية بفضل أجهزتها والبراءة المصطنعة في سلوكها، حتى استطاعت بكل حرية أن تخترق الأوساط التي تريدها دون إثارة انتباه أحد".
أدوار خطيرة
أما عن المهام الأساسية التي اضطلعت بها في حدود عادات البلاد وتقاليدها الخاصة، فقد حددت وثيقة "مؤتمر الصومام" للثورة الجزائرية (20 أغسطس/آب 1956) أنه يمكن للمرأة أن تقوم بمؤازرة المحاربين والمقاومين مؤازرة أدبية، إضافة إلى تقديم الأخبار والمشاركة في الاتصالات والتمويل وتهيئة الملاجئ، مع مساعدة عائلات وأبناء المجاهدين والأسرى المعتقلين.
ويصنف المؤرخون عمل المرأة الجزائرية في الكفاح المسلح 3 أصناف، أولهن المجندات المتعلمات، ثم المجندات غير المتعلمات، وأخيرا المناضلات في جيش التحرير الوطني.
أما المجندات المتعلمات فهن من بدأن العمل بالمدن في صفوف الفدائيين، وقد لعبن دورا مشرفا في العمليات الفدائية والاتصالات والأخبار وجمع الأموال.
ولما تمكنت السلطات الفرنسية من إلقاء القبض على العديد منهن، فرت الأخريات إلى الجبال، حيث شغلن مناصب هامة في ميادين الصحة والتمريض والإرشاد والإعلام والتربية.
أما المجندات غير المتعلمات، فإن معظمهن من سكان البادية، حيث توجد قلاع الثورة ومراكز جيش التحرير، وقد لعبن دورا هاما في تغذية الجيش وإعلامه، فكان لكل فرقة منه مسبلتان أو ثلاث.
في حين أن المناضلات في جيش التحرير الوطني هن من شغلن مناصب سياسية في الأرياف والبوادي، حيث تكفلن بجمع الاشتراكات والتوجيه والإعلام وتقصي الأخبار حتى لُقبن بعيون الثورة، مثلما تؤكده المؤرخة عقيلة ضيف الله في كتابها "التنظيم الإداري والسياسي للثورة".
وأحصت الباحثة عمران جميلة 10 آلاف و949 امرأة مناضلة في صفوف الثورة الجزائرية، منهن 9194 مناضلة مدنية، و1755 عسكرية في جيش التحرير.
ومن خلال إحصائيات "المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954" بخصوص سن المناضلات والمجاهدات، يتجلى أن 15% من الفتيات أقل من 20 عاما، و85% أقل من 30 عاما، مما يجعل الشابات هن الشريحة الأولى.
كما مثلت نسبة الريفيات حوالي 70%، أما الحضريات فكن حوالي 20%، مما يدل كذلك على مشاركة المرأة الريفية أكثر من المرأة الحضرية، في حين تثبتُ إحصائية المعتقلات والشهيدات سجْن 1343 مناضلة وقتْل 948 أخرى.
سجن وتعذيب واغتصاب
من جهة أخرى، دفعت المرأة الجزائرية ضريبة الدفاع عن الأرض والعرض من جسدها الضعيف بممارسات وحشية للاستعمار، فقد أسست السلطات الفرنسية سجونا خاصة بالنساء، مثل سجن منطقة تفلفال عام 1955 بإيداع حوالي 25 امرأة، وسجن الحراش بـ50 مناضلة.
ولم تكن السجون في الجزائر فحسب، بل نقلت فرنسا المعتقلات إلى الضفة الأخرى إمعانًا في العذاب، مثل سجون "باو" (Pau) و"كاين" (Caen) و"تولوز" (Toulouse) و"تولون" (Toulon) وغيرها، بحسب ما أورده كتاب "كفاح المرأة الجزائرية".
وكشفت المجاهدة زهرة ظريف في مذكراتها، على سبيل المثال لا الحصر، أن "10 مظليين فرنسيين عذبوا رفيقتها جميلة بوحيرد"، كما تؤكد مصادر أخرى أنها "تعرضت إلى الصعق الكهربائي لكي تعترف بالناشطين معها، لكنها كانت تغيب عن الوعي وتفيق وهي تردد الجزائر أمّنا".
ويعتبر المختصون أن معاناة المناضلة الجزائرية تحت نير الاستعمار كانت أشد وأنكى من عذابات الرجل، حيث يظل التعذيب بالاغتصاب هو الصورة الأكثر بشاعة في حقها.
وأقر الفرنسي "هنري بولوت" (Henri Pouillot) بأنه "شهد مئات الحالات من الاغتصاب خلال 10 أشهر فقط في (1961)، حدثت أغلبيتها في مراكز الاستجوابات والتعذيب بالجزائر".
وروى في كتابه "لا فيلا سيسيني" (La villa Sesini) أن اغتصاب الجزائريات أثناء حملات القوات العسكرية كان يتم بنسبة 9 مرات من 10، حيث "يقوم الجنود بإلقاء القبض على امرأتين أو 3 فقط من أجل تلبية حاجات الفرقة العسكرية لثلاثة أيام أو أكثر من ذلك".
كسر الحواجز والتابوهات
وتقديرًا لتلك الأدوار الثورية الحساسة، أكدت الباحثة المتخصصة عائشة بنور أن المعاناة الرهيبة التي تكبدتها المرأة الجزائرية خلال الاحتلال الفرنسي وفي ثورة التحرير بالخصوص تكاد تكون مغيبة.
وقالت في تصريح للجزيرة نت إن ما ارتكبه الجيش الفرنسي من إجرام في حق الجزائرية لا يتقبّله العقل الإنساني، ولا يستطيع أي قلم تصوير فظاعته، حتى ولو كان قلم الكاتبة أغاثا كريستي في رواياتها البوليسية، أو فيلم المخرج ألفريد هيتشكوك في أفلام الرعب.
وأوضحت أن المرأة الجزائرية تمكنت، رغم الجهل والفقر، من كسر الكثير من الحواجز والتابوهات (المحرمات) كي تكون إلى جنب أخيها الرجل في الدفاع عن الجزائر، إذ لعبت إبان الثورة التحريرية دورا هاما في الأرياف والجبال والمدن.
وأدت أيضا وظائف متعددة خلال الثورة، فهي المجاهدة التي حملت السلاح والفدائية التي وضعت القنابل في الأماكن التي يرتادها الفرنسيون، إلى جانب قيامها بدور كبير في علاج المجاهدين.
كما تحملت المشاق وتعرضت إلى السجن والاعتقال وإلى شتى أنواع التعذيب والتنكيل والاغتصاب، فكانت رمزا للنضال والتضحية في العالم، وفق تعبير مؤلفة كتاب "المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية" عائشة بنور.

**المصدر : الجزيرة
1