أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
تقييد زواج الأجانب من المصريات حصانة لهن من الزيجات التجارية!!
بقلم : احمد حافظ ... 04.11.2021

عادة ما يكون زواج المصريات من الأجانب فاشلا، نظرا لأنه يُبنى منذ الأساس على المصلحة، هذا ما دفع محكمة النقض أن تقضي بأن يكون عقد زواج المصرية من الزوج الأجنبي مشروطا بموافقة بلد الزوج. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن توعية الصغيرات بطريقة الاستغاثة بالمنظمات الحقوقية والجهات الرسمية، أقصر الطرق للقضاء على الزيجات المخالفة للقانون والإنسانية.
القاهرة – أقرت محكمة النقض المصرية قاعدة قانونية جديدة تمنع زواج المصريات من عرب وأجانب دون موافقة سفارات بلدانهم في القاهرة، ما أعاد فتح ملف الحقوق المهدرة للنساء اللواتي يتزوجن بأجانب، خاصة الأثرياء الذين يقدمون على الزواج من فتيات لفترة قصيرة مقابل حصول أسرهن على عوائد مالية.
وقضت المحكمة بأن يكون عقد زواج المصرية من زوج أجنبي مشروطا بموافقة بلد الزوج من خلال السفارة لوقف فوضى زواج المصريات من أجانب وضمان حقوقهن، ولا يجوز تحت أي ظرف أن يقوم المأذون بتوثيق عقد الزواج طالما لا يتوافر على هذا الشرط، وذلك في أول تحرك رسمي للقضاء على الزيجات التجارية في مصر.
ومن شأن القرار أن يسهم بنسبة جيدة في وقف ما يعرف بزواج المصلحة أو زواج الصيف أو الزواج لفترة مؤقتة، وكلها أسماء موجودة في قرى ومناطق شعبية مصرية، وغالبا ما يكون أحد طرفيها من الأثرياء العرب الذين يتزوجون من فتيات صغيرات لمدة محدودة، وهو من نوعية “زواج المتعة” المحرم شرعا.
وسبق وأن أفتى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، بتحريم زواج الصيف، أو أيّ زواج محدد المدة، وأقرت المؤسستان بأنه باطل شرعا، في محاولة لإثناء بعض الأسر البسيطة التي تلجأ إلى هذا الخيار مع بناتها للحصول على قدر معقول من المال نظير تزويجهن لأثرياء للهرب من دوامة الفقر.
وتحدث هذه الزيجات في مناطق بعيدة عن أعين الجهات الرسمية وتنتهي بمجرد مغادرة الزائر لمصر، ربما دون إبلاغ الفتاة أو أسرتها إلا في حالات نادرة تستمر علاقته بها ويتردد عليها كلما جاء مرة ثانية، وهو ما يتناقض مع الحد الأدنى لحقوق المرأة ويجعلها مجرد وعاء جنسي للزوج.
ويتهم بعض المتابعين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لبعض الأسر الفقيرة بأنها السبب الأول في الزواج بحثا عن المال وشغفها بسفر بناتها مع الزوج الأجنبي، لكن بعض الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا الزواج أشارت إلى أن نهايته الطلاق عاجلا أم آجلا، لأنه يتم وفق مصلحة الطرفين، الزوج أو أسرة الفتاة.
واستقبلت جمعيات نسوية قرار محكمة النقض بترحاب وإشادة في ظل عدم وجود قوانين رسمية صارمة تنظم زواج المصريات من أجانب، خاصة إذا كن صغيرات ولم يبلغن السن القانونية ويتم تزويجهن قاصرات للاستفادة من أن زواج الصغيرات لا يتم توثيقه في السجلات الرسمية إلا بعد بلوغهن سن الثمانية عشرة.
وما زالت الرقابة على زواج المصريات من أجانب ضعيفة وتكاد تكون غير موجودة، وغالبا ما يتصدى لها سماسرة مهمتهم توفير الفتاة التي يريدها الثري العربي وفق المواصفات التي يحددها، وتوجد قرى معروف عنها التماهي مع هذه الزيجات، والمشكلة أنه يتم إغراء أسرها بالمال دون النظر إلى حقوق الفتاة نفسها.
وتزداد المعضلة عندما ينتج عن زواج المصرية من أجنبي إنجاب طفل، فغالبا ما يرحل والده عن الأم بعد فترة الارتباط الرسمي، ويتركها وحدها تعاني من أجل إثبات نسب الطفل، لكن في أحيان كثيرة يتم وضع اشتراطات حول هذه الزيجات ويتفق عليها كل الأطراف بأنه لن يكون هناك إنجاب لا في القريب ولا في المستقبل.
يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن تفعيل قرار القضاء باشتراط موافقة سفارة الزوج الأجنبي على الارتباط بمصرية، سيظل مرهونا بالتزام المأذون الشرعي بهذا النص دون التفاف أو تلاعب مع اعتراف الأسرة نفسها بأن ذلك يستهدف الحفاظ على حقوق الابنة وعدم استغلالها لتحقيق أغراض جنسية بحتة.
يعتقد هؤلاء أن المشكلة الأكبر التي ستواجه الجهات المعنية بتنفيذ القرار أن زيجات المصلحة، أو الزواج التجاري عموما، يصعب اكتشافه بسهولة، لأنه يتم تحت غطاء من السرية، خشية أن يتسلل الأمر إلى الجيران ويقومون بإبلاغ أجهزة الأمن لأن الفتاة قاصر ويشترط الزوج الأجنبي ذلك لتجنب افتضاح أمره في بلاده.
إذا اقتنعت الأسرة بأهمية أن يكون لدى الزوج الأجنبي موافقة مسبقة من سفارة بلاده بالزواج من ابنتها، فإن هذا الشرط لن تصبح له قيمة إذا كانت قاصرا، ولأن القانون يمنع تزويجها من الأساس لمصري أو أجنبي، فإن البديل سيكون بتزويجها عرفيا، وبالتالي فإن ما أقرته محكمة النقض غالبا لن يتم تفعيله.
وقالت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع والباحثة في الشؤون الأسرية بالقاهرة، إن مواجهة زواج القاصرات في مصر من أي جنسية تتطلب إقرار تشريعات صارمة، مع القيام بحملات توعوية مستمرة للمناطق التي ينتشر فيها هذا النوع من الزواج، لأن أغلب الأسر في هذه الأماكن تفتقر إلى الحد الأدنى من الوعي والعلم.
وأضافت لـ”العرب” أن أزمة زواج القاصرات التي تتم من هذا النوع، إما هدفها المال أو الهرب من شبح العنوسة، وكلاهما نتاج أزمة سوء فهم لدى الأسر حول مفهوم الزواج نفسه كعلاقة يفترض أنها مقدسة ولا يجب تحت أي ظرف تحويلها إلى تجارة، والمعضلة أن الفتاة يتم إجبارها على الزواج ولا تعرف كيف تتصرف.
وأكدت أن توعية الصغيرات بشأن طريقة الاستغاثة بالمنظمات الحقوقية والجهات الرسمية، أقصر الطرق للقضاء على الزيجات المخالفة للقانون والإنسانية، طالما أن الأسر تتمسك بموقفها، ولديها طرق ملتوية للالتفاف على ما يتم إقراره من قواعد قانونية، بحيث تكون وحدها (أي الفتاة) من تدافع عن نفسها وجسدها.
وأعلنت اللجنة المصرية المعنية بمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر أنها رصدت حالات عديدة لزواج الصفقة، وقالت إنه لا بديل عن إقرار تشريع يواجه هذه الزيجات بمنتهى الصرامة، طالما أن بعض العائلات تتعامل معه باعتباره العصا السحرية التي تنقذها من دوامة الفقر وقلة الحيلة.
وإذا كان الغرض من التشريعات حفظ حقوق الفتيات وعدم المتاجرة بأجسادهن، فإن المشكلة الأكبر في أن زواج الصفقة أو المتعة والصيف وخلافه، قد يترك وراءه بعض الأبرياء الصغار ولا تستطيع الفتاة إثبات نسبهم وربما لا تستطيع الزواج مرة أخرى نظرا لسابقة الزيجة التجارية، ما يعني أن الأزمة متشعبة وقد لا تسهم القوانين وحدها في إقناع بعض الأسر بمخاطر المتاجرة بأجساد بناتهن بسبب السرية أو استمرار الفقر.

*المصدر : العرب
1