أحدث الأخبار
الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024
الكوتا البرلمانية تهمش المرأة العراقية !!
بقلم : د. باهرة الشيخلي ... 23.09.2019

تدفع المرأة العراقية ثمن تخصيص الدستور العراقي ما بعد الاحتلال نظام “الكوتا” الذي أعطى نتائج عكسية، فهو بحسب المتخصصين يسهم في الإضرار بالعراقيات ويزيد من تهميشهن بدل الحد من ضعف مشاركتهن في الحياة السياسية وعزوفهن عن التواجد في مراكز صنع القرار.
رغم أن إعطاء حصة للنساء العراقيات في الانتخابات البرلمانية، كان يبدو تمييزا إيجابيا كفله الدستور العراقي المستحدث بعد احتلال العراق، وهو ما سموه “الكوتا”، إلا أن هذه الكوتا، في مآلاتها، أضرت بالمرأة العراقية ونالت من سمعتها.
ومعنى الكوتا، عربيا، هو (حِصّةٌ نِسْبِيّة)، وقد كفل قانون الانتخابات وانتقاله إلى القائمة المفتوحة وسانت ليغو المعدل، كما قالت النائبة السابقة الدكتورة ندی الجبوري لـ”العرب”، أن لا تكون نسبة عضوية النساء في البرلمان أقل من الربع، ومن دون هذا الإلزام القانوني لم يكن بالمستطاع أن تكون نسبة السيدات في مجلس النواب أكثر من 2 بالمئة، إن لم تكن أقل.
وأضافت الجبوري أن أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الأخرى في السلطة تلاعبت بروح القانون، وبدأت بعض القوائم الحزبية تختار نساء أقل كفاءة، وقد يكنّ من المتعصبات طائفياً أو عرقياً لضمان أن يكون ولاؤهن للقائمة وليس الوطن، وهكذا، وبنحو تدريجي، أصبح من الصعوبة أن تكون هناك سيدات مستقلات عن هذه المجاميع المتحزبة للمصالح الخاصة.
وتابعت أن النساء عندما بدأن يتحدثن عن التعديلات الدستورية، طرحت الأحزاب، بالمقابل، فكرة رفع هذه المادة الدستورية، مما أنذر بتراجع كبير في التمثيل النسوي في مجلس النواب العراقي، إذا مرر ذلك، وفي ظل عدم إدراج هذه المادة في الدستور، بدأت مجالس الوزراء تتشكل من دون تمثيل نسوي.
الأحزاب السياسية العراقية تستغل نظام الكوتا لتقديم نساء لسن بالمستوى المطلوب
لكن الكاتبة والشاعرة الدكتورة صبيحة شبر ترى في نظام الكوتا إساءة للمرأة العراقية لأنه يوحي بأن المرأة لا تحوز الأصوات، التي تدل على ثقة الجماهير بها وقدرتها على تمثيلها.
وأشارت شبر إلى أن الكوتا كانت صالحة في وقت سابق حين لم تكن المرأة تمتلك الإرادة القوية، ولكنها حين أصبحت تمتلك قوتها صار من غير المناسب أن ألا تحصل النساء على مقاعد البرلمان إلا عن طريق الكوتا، مقرّة أن هذا لا ينفي أن الكثير من النساء استطعن الوصول إلى قبة البرلمان بأصواتهن وثقة الجماهير بهن.
ولا يبتعد رأي الدكتورة منی العينه جي، الأستاذة السابقة لعلم الاجتماع في جامعة بغداد عن رأي شبر، إذ تقول إن الكوتا لم تقدم للمرأة العراقية فرصة حقيقية، بل استغلتها الأحزاب، خصوصاً الإسلامية، لتقديم نساء من نوعية خاصة، من دون أي إدراك لمعنى البرلمان أو تمثيل الشعب لصالح الشعب وليس لصالح الأحزاب، مبينة أن الكوتا لم تدفع باتجاه مشاركة المرأة، بل دفعت باتجاه استغلالها واستخدامها لصالح الجهة، التي ترشحها والتعبير عن توجهاتها.
ولم تستثن العينه جي من ذلك الأحزاب المدنية، التي استغلت شكلها وملبسها وتسريحة شعرها لاستعراضها وليس للتعريف بها مقابل المحجبة وأم العباءة واللواتي لا يذكرن أسماءهن صراحة، بل تقدم الواحدة منهن نفسها بكنيتها: زوجة فلان أو أخت علان أو أم فلتان، ولا تظهر صورتها وتكتفي بصورة أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها، حتى إذا كان متوفياً، وفي أحسن الأحوال تظهر الكنى مع صورة رئيس القائمة.
وتجزم العينه جي أن مثل هذه النماذج يؤتى بها ليسهل توجيهها لصالح الأحزاب، بل كان أساس الترشيح، أصلاً، العمل لصالح الحزب وليس لصالح الناخبين، مشيرة إلى أن الأخطر هو اختيار الأجهل والأكثر تمسكاً بالفكر التقليدي والتبعية والتواكلية، والمجيء باللواتي تعوّدن، نتيجة التنشئة الاجتماعية، الانقياد لتنفيذ أوامر الذكر الأعلى في الأسرة (الأب أو الأخ الأكبر) أو شيخ العشيرة، فكيف إذا كان ولي النعمة، التي هبطت عليها بدعاء الوالدين؟
وتخلص إلى أن الكوتا لعبة لإكمال ديكور الكراسي البرلمانية في العملية الديمقراطية العرجاء، مقترحة أن يطلق على هذه العملية اسم (الديمكراسية).
وفعلاً، فإن الكوتا في العراق قدمت للمجتمع نماذج للنساء أساءت إلى صورة المرأة العراقية من حيث التعصب للطائفة والعرق أو المنطقة من دون الالتفات إلى مصلحة المجتمع أو الوطن، ورأينا بينهن من تطالب بقتل سبعة أشخاص من طائفة إذا قتل سبعة أشخاص من طائفة أخرى، ونائبات كنّ يدافعن عن مصالح إيران ولا يذكرن أن للعراق مصالح، وأخريات لا همّ لهن إلا ما يجنينه من النيابة ومن (تقاسم الكعكة).
وستظلم المرأة العراقية إذا قارنّا هؤلاء النائبات، بنساء أنجبهن العراق وغيّرن التاريخ، مثل التربوية أمت سعيد، الكاتبة والأديبة أمينة الرحال، الكاتبة انجيل أرستاكيس، الشاعرة رباب الكاظمي ابنة الشاعر الكبير عبدالمحسن الكاظمي، القاضية صبيحة الشيخ داود، آسيا توفيق وهبي، من رائدات النهضة النسوية العراقية ورئيسة الاتحاد النسائي العراقي، الباحثة في الكيمياء البرتين إيليا حبوش، باكزة رفيق حلمي، وهي مؤسسة قسم اللغة الكردية في كلية الآداب بجامعة بغداد، بياتريس أوهانسيان، رائدة العزف على البيانو، الدكتورة سعاد خليل إسماعيل، أول وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق، نزيهة جودت الدليمي، أول وزيرة في العراق الحديث، الشاعرة المجددة نازك الملائكة، القائدة النسوية نوار حلمي، أميرة نورالدين، صاحبة الرسالة الجامعية الموسومة (الشعر الشعبي العراقي في العراق الأوسط)، أول سفيرة ودبلوماسية عربية سرية الخوجة، الدبلوماسية سهى الطريحي، أمل الشرقي، ابنة الشاعر العراقي الشيخ علي الشرقي ومؤسسة أول دار لثقافة الأطفال، وعشرات، بل مئات غيرهن، وهناك عالمات نوويات لم نذكرهن.
يعد مختصون قضائيون الكوتا النسائية حلاً مرحلياً للمشاركة الضئيلة للنساء في الحياة السياسية، بينما يعد معارضون لنظام الكوتا أنه أحد أشكال التمييز في تمثيل النساء، وقد لا يعبـّر عن إرادة الناخبين بصفة حقيقية أو أنه يحدّ من خيارات الناخبين، ويُفترض أن تبقى الكوتا إجراءً مؤقتاً لحين القضاء على المعوقات، التي تواجه النساء في الحياة السياسية ولحين تمكينهن بنحو فعلي.
يقول القاضي السابق في حكومة كردستان عوني البزاز لـ”العرب”: إن الكوتا موضوع دستوري وقانوني لنص الدستور العراقي على أن تكون نسبة مشاركة النساء في البرلمان والمجالس المنتخبة الأخرى 25 بالمئة وحددها في كردستان بـ30 بالمئة لكن بعض من خضن الانتخابات لم يقدمن صورة ناصعة للمرأة لأسباب عديدة لا حاجة لذكرها، ووراء اختيار بعضهن وفوزهن حكايات مذهلة وكواليس، إذا علمنا أن المجتمع الذكوري عندنا لن يسمح للمرأة بالوصول إلى المجالس المنتخبة باختيارهن لولا الكوتا وهناك نسوة لهن القابلية في تبوّء المسؤوليات القيادية في أي موقع قيادي في الدولة، فحصلن على استحقاقهن وأعطين مسؤوليات في الأجهزة الحكومية التنفيذية.
ويشير إلى أن ذلك ينسحب على كوتا القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، ضارباً مثلاً من واقع كردستان، التي في مجلسها النيابي 11 مقعداً للتركمان والمسيحيين والأرمن وهؤلاء عادةً ما يكونون تابعين إلى الأحزاب ذات النفوذ والقوة في إدارة الحكم.
لكن الدكتور محمد الشيخلي، رئيس مركز العدالة في لندن، يجد في الكوتا النسائية مخالفة للنظام الديمقراطي، فهو يعتقد أن هذا النظام يمثل تمييزاً عنصرياً ضد المرأة، حتى وإن كان ظاهراً لصالحها، ويقول: إنه تمييز بين الرجال والنساء بفرض حصة للمرأة في مقاعد البرلمان وذلك يتعارض مع النظام الديمقراطي، الذي يترك حق انتخاب ممثلي الشعب إلى الشعب نفسه.
وأضاف أن تجربة نظام الكوتا النسائية في البرلمان العراقي لم تحقق أهدافها المرجوة منها بتمثيل المرأة في البرلمان، خلال المرحلة الانتقالية للبلد، فهو في الوقت الذي أوجب أن يكون هناك تمثيل نسائي للمرأة العراقية، وجدنا أن الكتل الانتخابية ذهبت إلى ترشيح نساء لا يتمتعن بأدنى معايير عضو البرلمان وفرضهن فأصبحن، للأسف، عبئاً ثقيلاً على البرلمان وعلى الشعب، إذ رشحت تلك الكتل نساءً أسهمن بقوة في تدمير حقوق المرأة بالسعي إلى تشريع قوانين أو طرح مشاريع قوانين تتعارض والنظام الديمقراطي، مثل قانون المذهب الجعفري، الذي سمح بتزويج الأطفال بعمر التسع سنوات، وبرغم أنه لم ينل التصويت اللازم إلا أن بعض البرلمانيات كنّ يثقفن لتمريره.
ويقترح الشيخلي إلغاء نظام الكوتا والعودة إلى رأي الشعب بانتخاب من يمثله وفقاً لمعايير الديمقراطية.
ولكن مستوطني الاحتلالين الأميركي-الإيراني، وعلى ديدنهم في التجهيل الساذج، اصطنعوا العديد من المصطلحات الأجنبية وحاولوا وضعها في إطارات سياسية فارغة من أي مضمون ومنها الضوء في نهاية النفق، والمربع الأول، والخط الأحمر والكًوتا، وخصوا الأخيرة بحصة المرأة في البرلمان المهرجان.
ولأن التجربة البرلمانية لم تكن تشكل بدوراتها الأربع أو الخمس سوى كوميديا سوداء كان فيها الرؤساء والأعضاء يتناهشون لحم العراق وعظامه بالمشاركة مع السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، التي أصبح من عادتها غضّ النظر وصرف البصر عن الفساد، الذي ضرب مؤسسات الدولة كلها من الألف إلى الياء.
وبدأت الكوتا لعبة ما بين ذئاب الأحزاب الدينية وثعالب الغابة الليبرالية، وبصرف النظر عن دور النساء النائبات اللواتي شاركن في تجربة برلمان الفرجة بدوراته الفاسدة فإن كلا التيارين وضع الكوتا بين قوسي (المزايدات والمصالح الشخصية)، بين توسيع الكوتا وتقليصها والـ(الحصة) لم تستولد في نهاية الأمر سوى فصل تجهيلي من فصول مسرحية (زفة اللصوص).
توضح مراسلة صحيفة “عرب نيوز” في العراق سؤدد الصالحي: لا علاقة لموضوع الكوتا بالسمعة بقدر ما له علاقة بسوء استخدام القوى السياسية العراقية لها فهي استغلته لتكريس نفوذها وسيطرتها على مقاعد الكوتا بدعمها لمرشحات غالبيتهن يفتقرن إلى الكفاءة، مقابل انسحاب واضح للنساء الكفوءات من الساحة السياسية وعدم حصول القليلات ممَنْ ولجن المشهد السياسي على الدعم المالي والسياسي المطلوب للفوز بمقاعد الكوتا، مما يعني أن المشكلة ليست في الكوتا نفسها وحتى وإن أُلغيت الكوتا، سيظل الوضع قائما ولن تصل المرشحات الكفوءات إلى مجلس النواب من دون تقديم تنازلات للقوى السياسية المتنفذة تتمثل بالانضواء تحت جناحها للحصول على دعم مالي وسياسي يُمهد الطريق لهن للصعود.
أما الأمين العام لمنظمة المغتربين العراقيين الدولية عبدالمنعم الملا، فيقول: إن الكوتا النسائية لم تكن في أي برلمان أو تكتل سياسي أو اجتماعي في العالم إلا لإضفاء سمة الرقي والحضارة على تلك التجمعات وتأكيداً لدور المرأة الرائد في المجتمع على اختلاف أعراقه ومكوناته وتالياً تجسيداً حياً لسياسة المساواة بين الرجل والمرأة في قيادة المجتمع وبنائه، ولكنها في العراق وحده، للأسف، أصبحت مصدر عبء وانتقاص من دور المرأة العراقية التي شهد العالم أجمع بدورها في بناء المجتمع العراقي منذ أن أصبح العراق خاليا من الأمية العام 1975 ومرورا ببناء التجمعات الشعبية والمؤسسات الحكومية، التي رفعت من شأن المرأة لما قدمت من جهود جبارة رائعة في مختلف مجالات الحياة.
اتفق مع هذه الآراء الكاتبان والإعلاميان الدكتور هيثم نعمان الهيتي وموفق الخطاب.
والواقع أن نساء عراقيات كثيرات عففن عن المشاركة في الانتخابات وفي العملية السياسية برغم أنهن سيحققن الفوز، حتى في حالة عدم وجود الكوتا، لكنهن كنّ على وعي تام أن بلدهن محتل وأن المحتل لا يمكن أن يقدم خيراً لبلاد احتلها، وأنه لابد أن يحقق مصلحته أولاً من أي إجراء يتخذه، لذلك لم يشأن أن يعاونّ المحتل على تحقيق أهدافه، مما خلف فراغاً أتاح للمتهافتات على مصالحهن الحزبية والشخصية الظهور، وذلك ما أساء إلى سمعة المرأة العراقية النقية، بالنحو، الذي نراه في مسرحية البرلمان العراقي.

*المصدر : العرب
1