أحدث الأخبار
الخميس 18 نيسان/أبريل 2024
المرأة شعلة الثورات ورمادها !!
بقلم : لبنى الحرباوي ... 14.04.2019

بعد أعوام على تغيير أنظمة في عدة دول عربية، وإزاحة أخرى حاليا، احتفظ الرجال باحتكارهم لصنع القرار في بلدانهم. وهذا ما نشاهد نتائجه في تشكيلة الحكومات المتعاقبة أو في البرلمانات المنتخبة. والمتتبع لمسار “الربيع العربي” يتفاجأ بهذه النتائج لاسيما وأن المرأة قد ساهمت في صناعة هذه التحولات بشكل فعال وكبير.
تونس - رغم أن أغلب المجتمعات العربية تضع المرأة في موقع متوار خلف الرجل، فيندر أن تكون جزءا من المشهد السياسي، لم تتخلف النساء في العالم العربي يوما عن الاحتجاجات على امتداد عصورها.
*وقود الاحتجاجات
أكدت فتاة سودانية تحولت إلى أيقونة انتشرت صورها عبر الإنترنت مطلع الأسبوع الجاري، بعدما قادت الهتافات خلال التظاهرات التي خرجت في الخرطوم، الأربعاء أن النساء شكّلن حجر الأساس في الانتفاضة ضد حكم الرئيس عمر البشير.
وقالت آلاء صلاح بعد يومين من انتشار تسجيلات مصورة أظهرتها وهي تقف على سيارة تقود الحشود خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم “المرأة السودانية دومًا فاعلة في المجتمع السوداني، وتهتم بقضاياه وتطالب بحق شعبها وحقوقها كامرأة”.
وأضافت وهي تشرح لقب “حبوبتي كنداكة” الذي اشتهرت به “هذا جزء من تاريخنا. في مملكة مروي القديمة كانت السيدات ملكات ويطلق عليهن لقب كنداكة، وهو ما يستخدم الآن للنساء في هذا الحراك”.
وأظهرت التسجيلات المصورة صلاح، التي لقبت عبر الإنترنت بـ”كنداكة” أي الملكة النوبية، واقفة على ظهر سيارة ومرتدية ثوبا طويلا باللون الأبيض وهي تغني وتحفّز الحشود، بينما يعكس قرطاها الذهبيان ضوء كاميرات الهواتف النقالة المحيطة بها.
وقالت طالبة الهندسة المعمارية في “جامعة السودان العالمية”، “أنا فخورة بالمشاركة وثورتنا لا بد أن تنتصر لأنها ثورة من أجل حقوق شعبنا في الصحة والتعليم والحياة الكريمة”. وتلعب النساء دورًا كبيرًا في التظاهرات المتواصلة.
وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 70 بالمئة من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ ديسمبر هم من النساء.
لكن هذه “الصورة الوردية” لا تنفي حالة الغضب التي سادت وسط المتظاهرات في السودان تجاه نظرائهم من المتظاهرين الذكور؟
وتقول الصحافية السودانية زينب محمد صالح إنّ تجمع المهنيين السودانيين، الذي نظم المظاهرات ضد حكم الرئيس عمر حسن البشير، قد أثار جدلا كبيرا عندما اقترح أن يخرج الناس لتنظيف الشوارع بدلاً من الاحتجاج يوم 9 مارس الفائت.
كانت شوارع العاصمة الخرطوم موحلة بشكل عام، وكان هناك شعور بأن ترتيبها سيعيد شعورا بالفخر في المدينة. ومنذ أن بدأت الاحتجاجات، حظي تجمع المهنيين السودانيين بالإشادة، وخاصة بسبب اللغة المستخدمة في بياناته التي تدعو إلى الحراك.
لكنه أخطأ، إذ حث النساء على وجه الخصوص على الخروج للمهمة لأنهن “يهتممن أكثر بالتنظيف”.
وقوبلت الرسالة بالغضب من قبل العديد من المتظاهرات، وأثارت جدلاً في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن التمييز الجنسي في الانتفاضة. وبعد ذلك بيوم، أصدر تجمع المهنيين السودانيين، الذي لديه متحدثة باسمه من النساء، اعتذارا عن الخطأ.
المرأة العربية لا تزال الحلقة الأكثر إقصاء وتهميشا رغم التضحيات التي قدمتها وتقدمهاالمرأة العربية لا تزال الحلقة الأكثر إقصاء وتهميشا رغم التضحيات التي قدمتها وتقدمها
وبالمثل، بدأت قضية تنظيف الشوارع كغضب من المواقف الجنسية التي يتبناها المتظاهرون الذكور، وتحولت إلى غضب على الطريقة التي تعامل بها النساء في المجتمع السوداني.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كانت تعليقات، مثل “حتى النساء شاركن في الاحتجاجات”، مثار خلاف.
ومشاركة النساء في الاحتجاجات ليست ظاهرة جديدة في السودان، ففي عام 1946، أي قبل 10 سنوات من الاستقلال، خرجت أول طبيبة في البلاد، خالدة زاهر، إلى الشوارع احتجاجا على الحكم البريطاني وتم اعتقالها وجلدها.
أما في تونس، فقد شهدت أحداث 9 أبريل 1938 وهي احتجاجات شعبيّة طالبت بإصلاحات سياسية، أول خروج للتونسيات في المظاهرات. وكانت هذه الأحداث خطوة رئيسية نحو استقلال تونس.
وفي عام 1923 في مصر قامت الناشطة النسوية هدى شعراوي بنزع غطاء وجها أمام الملأ في دعوة منها لتحرير المرأة وتثقيفها في المجتمع المصري. إضافة إلى ذلك اشتهرت هدى شعراوي كناشطة وطنية ضد الاحتلال البريطاني للبلاد.
وقد كان النشاط السياسي النسائي مثيرا في الاحتجاجات التي جابت العالم العربي خلال السنوات الماضية أو خلال الموجة الثانية التي تشهدها بلدان عربية حاليا.
ويعترف موثقو مسار الحراك الشعبي الجزائري الذي اندلع في الثاني والعشرين من فبراير الماضي، بأن نزول المناضلة التاريخية جميلة بوحيرد، إلى ساحة أول مايو في المسيرة الموالية، ودعوتها للشباب من أجل التلاحم والصمود، بمثابة الخطبة السحرية التي غيّرت موازين القوى.
وقبل أعوام، اعتبرت المرأة التونسية شريكا فاعلا وعاملا أساسيًا في نجاح الثورة والإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
ورغم أن الثورة في ليبيا تحولت إلى حرب أهلية فقد شاركت الليبيات في الثورة منذ بدايتها رغم المجتمع المحافظ، وهو ما لفت الأنظار إليها.
أما النساء اليمنيات فقد أحرقن أرديتهن احتجاجًا، فكانت قبسا أشعل الثورة اليمنية.
وفي العراق لم تشهد أيّ تظاهرة مشاركة فعالة للنساء مثل التي شهدتها احتجاجات صائفة 2016. إذ سارت النساء مسافات طويلة بغية الوصول إلى ساحة التحرير، ساحة الاحتجاج في بغداد. وارتدين الأبيض وعلّقن على صدورهنّ العلم العراقي وهتفن “باسم الدين باكونا الحرامية”. ربما لم يكن أحد يتوقّع هذا الظهور القوي واللافت للنساء في احتجاجات العراقيين، لكنهن فاجأن الجميع وتحولن إلى أيقونة محفزة على التظاهر.
*ربيع غير منصف
ما يزال ينظر للمرأة على أنها مخلوق عديم الأهلية، وكائن عاطفي غير عقلاني، لا يحسن التصرف إلا في ظل وصاية الرجلالمرأة تدفع ضريبة وجودها ضمن الحركات التحررية والثورية مضاعفةً
تقول لاله خليلي أستاذة معيدة في سياسة الشرق الأوسط في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن إن “قصص النساء خلال الانتفاضات، وبعدها، تبيّن الفوران والإثارة والعنف وانعدام اليقين، التي تتسم بها الأوقات الثورية”.
وبالرغم من كل هذه المجهودات والتضحيات التي قدمتها وتقدمها المرأة اليوم في سبيل العدالة، فإنها لا تزال الحلقة الأكثر إقصاء وتهميشا حتى من دعاة العدالة الاجتماعية والتغيير، وتدفع ضريبة وجودها ضمن الحركات التحررية والثورية مضاعفةً، فهي ضمن الضحايا والمعتقلين والمفقودين، وذاقت ردات الفعل العنيفة للأنظمة السياسية القمعية، مثل الاغتصاب والتحرش، التي استُعملت دائمًا كأدوات عقابية للنساء اللواتي يخرجن إلى الشارع.
وتضيف خليلي أن “أجساد النساء كانت، بالمعنى الحرفي والمجازي، مساحات للصراع: في بعض الأوقات كمواضيع للعنف الجنسي وغير الجنسي، وفي أوقات أخرى كرموز للثورة، أو الشرف الوطني، أو كتعبير عن فساد النظام القديم، أو عن أثر الإمبراطورية أو نفوذها”.
وليس هناك مجال للجدل في أن خوض الكثير من الصراعات الأيديولوجية والاجتماعية، يتم على مساحة أجساد النساء. ففي كل الانتفاضات العربية، اتُّهمت الناشطات من قبل الأنظمة المسيطرة (وحتى من قبل الأنظمة الجديدة التي تسلمت السلطة) بانعدام الأخلاق أو الفجور.
ولكون الكثير من النساء قضين الوقت في ميادين الاحتجاجات، قام مناصرو النظام بالادعاء أن “النساء المتظاهرات قد تخلّين عن أدوارهن، كأمهات وبنات، وكأمثلة ممتازة للفضيلة؛ والله يعلم ما هي أنواع الرذيلة والقذارة التي كانت تحدث في مساحات النوم المشتركة في مخيمات الاحتجاج”.
وفي مصر، تجسدت هذه التهم بالفجور، عندما قام العسكر بفرض فحوصات للعذرية على النساء المتظاهرات، يجريها أطباء ذكور، والهدف من ذلك كان ترهيب هؤلاء النساء، وإضفاء صفة “العار” عليهن، وتأمين غطاء قانوني لما هو فعلياً اعتداء جنسي. وبعد تنحي الرئيس حسني مبارك عانت المرأة المصرية من التهميش السياسي.
وفي تونس التي فاز فيها حزب النهضة الإسلامي، بأول انتخابات بعد الثورة، حاول الالتفاف على مدونة الأحوال الشخصية التونسية، التي تمنح المرأة مساواة مع الرجل، بل وطرح دستورا يصف المرأة بـ”المكملة”.
وفي ليبيا كانت أول تصريحات القائد السلفي مصطفى عبدالجليل متعلقة بالدعوة لتعدد الزوجات، ولم تشغل المرأة الليبية سوى موقع واحد من بين أكثر من أربعين منصبا رئيسيا في حكومة المجلس الانتقالي. أما العراق الذي تسيطر عليها الميليشيات الطائفية، فقد شهد أخطر الانتكاسات ليس في وضع المرأة وحسب، بل وعلى كافة الصعد.
اليوم ورغم التغييرات الكثيرة التي حصلت في الواقع العربي، ما يزال ينظر للمرأة على أنها مخلوق عديم الأهلية، وكائن عاطفي غير عقلاني، لا يحسن التصرف إلا في ظل وصاية الرجل.
وفي دراسة صادرة عن منظمة المرأة العربية بعنوان “المرأة العربية والديمقراطية”، ترصد حالة المرأة في الدول العربية قبل الثورات وبعدها، وما إذا كانت الثورات ربيعا على المرأة وعادت بالنفع عليها أم أنها حولت قضاياها إلى خريف، وزادت من معاناتها.
المجتمعات العربية تضع المرأة في موقع متوار خلف الرجلالمجتمعات العربية تضع المرأة في موقع متوار خلف الرجل
الواقع يقول وفقا للدراسة – إن حالة المرأة العربية، في معظم الدول العربية التي مرت بالثورات، بدت المرأة فيها أنها “المعادلة الحرجة” نتيجة عدة عوامل منها الاعتراف بأهمية حقوقها، وعدم رغبة الأطراف في اتخاذ مواقف جادة حول قضاياها!
ويرى التقرير الذي قامت بتحريره هيفاء أبوغزالة، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية لشؤون الإعلام والاتصال “أن العدالة لا تزال بعيدة عن النساء في العالم العربي على الرغم من التقدم المحرز في العديد من الملفات، وأن مشاركة المرأة في الحركات السياسية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ليست جديدة… ولكن مشاركتها في الثورات العربية المعاصرة لم تستمر خلال المرحلة الأولى للتحول إلى الديمقراطية، فقد تم استبعاد المرأة بصورة عامة من المستويات الأعلى لاتخاذ القرار خلال العمليات التأسيسية والإصلاحية”.
ويلاحظ من خلال التقرير أن التقدم ما يزال بطيئا في ما يتعلق بزيادة تمثيل المرأة في الوظائف القيادية العامة، حيث إن تمثيلها في المجالس النيابية لا يتعدى مقعدا واحدا مقابل خمسة مقاعد في المتوسط للرجال.
وينطبق ذلك على تمثيلها في مواقع صنع القرار على مستوى الحكم المحلي، سواء في منصب المحافظ، أو في عضوية المجالس المحلية.
وتعتبر نسبة مشاركة المرأة في المجالس التشريعية في العالم العربي من أقل النسب مقابل دول العالم الأخرى.
وتقول أبوغزالة إن هناك 3 نواقص أساسية تواجه جميع الدول العربية، وهي الحرية وتمكين المرأة ونقص المعرفة، ولأن الربيع العربي لم يكن انتفاضة من أجل حقوق النساء، فقد كان ولا يزال من أجل الدفاع عن حقوق الجميع، من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية، ومن أجل إيجاد مناخ سياسي صحي تنافسي يشمل جميع المكونات.

* المصدر : العرب
1