أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
المرأة الليبية وتحديات الحرب..هل تكون حاضنة للسلام والاستقرار؟
بقلم : روعة قاسم ... 06.05.2018

لا تزال المرأة الليبية تخطو خطواتها بحذر شديد نحو رسم مستقبل بلادها السياسي والاجتماعي في ظل وضع أمني وسياسي متقلب. وتنشط في عدة مجالات منها، النقابية والسياسية والحقوقية، وتسعى إلى الدخول في معترك العمل السياسي من أجل المشاركة في صنع السلام الصعب في ليبيا. وقد أرغم الاضطراب، الذي تعيشه البلاد منذ قرابة ثماني سنوات، نساء ليبيا على الانخراط في مضمار الدفاع عن حقوق الإنسان من أجل تثبيت مواقعهن وإيصال صوتهن للعالم أجمع. وأغلب من التقت بهن «القدس العربي» عبرن عن إرادة قوية نحو الدفع من أجل تحقيق السلام وترسيخ الاستقرار وبناء الدولة الليبية وانقاذها من اتون الصراعات المتأججة.
يشار إلى ان المرأة الليبية حصلت على حق التصويت والترشيح سنة 1963. وتم تأسيس أول اتحاد نسائي سنة 1965 وكانت خديجة الجهمي أول رئيسة للاتحاد النسائي في ليبيا سنة 1973. وعائشة عبد القادر قمو كانت أول قائد طائرة سنة 1985 وكانت سلوى الدغيلي أول ليبية عضو في المجلس الوطني الانتقالي. وهناك اسماء أخرى لليبيات كن فاعلات وقياديات ومؤثرات في البيئة وفي المجتمع رغم الظروف الصعبة التي واكبت نضالهن.
العمل النقابي

نرمين ناجي شريف رئيسة الاتحاد العام لنقابات عمال ليبيا ونائبة رئيس لجنة شؤون عمل المرأة في منظمة المرأة العربية، تحدثت لـ «القدس العربي» عن أهم المحطات الصعبة التي واجهتها كليبية للوصول إلى ترؤس اتحاد عمال نقابات ليبيا في مجتمع شرقي قبلي محافظ ما زال يميز بين المرأة والرجل ويضع المرأة في مرتبة دونية، فقالت: «إن تولي امرأة في هذا الظرف اتحاد عمال نقابات ليبيا هو عملية صعبة، لكنني واجهت كل الصعوبات وانطلقت في معركة إثبات الذات، متسلحة بعلمي وقدراتي وثقتي بنفسي. فقد سبق ان ترأست نقابة الموانئ على مستوى ليبيا والتي تعد من أصعب النقابات في ظل الصراع والتمييز الحاصل بين المرأة والرجل». وتابعت: «التحديات أمام المرأة الليبية موجودة دائما لكن استطعت كامرأة ان أحوز على ثقة العمال باعتبار ان العامل يهمه في الدرجة الأولى من يدافع عنه ويؤمن له حقوقه بغض النظر عن كونه امرأة أو رجل. لذلك حصلت على دعم قوي حتى من زملائي النقابيين وأثناء الانتخابات التي تمت في تونس تعرضت إلى ضغوطات لإرغامي على عدم المشاركة في الانتخابات وايصال صوتي».
وتتابع: «كان هناك عزوف قوي عن الانخراط في العمل النقابي باعتبار ان النقابات بشكل عام كانت تصنف بانها جزء من نظام القذافي وكان من الضروري تصحيح الصورة أمام الرأي العام والتعريف بالعمل النقابي النضالي القديم. وقد قمنا بدورات تدريبية خلال الأعوام الماضية وكونا عددا كبيرا من الشباب الليبي من كل الولايات والمناطق، من طرابلس وبنغازي وسبها واجدابيا وطبرق ومن أغلب مدن ليبيا من الجبل الغربي ولم نستثن أحدا. وكنا كنقابيين وعمال حريصين أشد الحرص على الابتعاد عن التجاذبات السياسية، ولعب تماسكنا كما لعبت وحدتنا كنقابيين وعمال أدوارا فعالة في النأي بالمجال النقابي عن كل الصراعات القائمة في بلادنا، بل بالعكس هناك من يتحدث اليوم عن دور جديد لنقابات عمال ليبيا شبيه بالدور الذي لعبته النقابات في تونس من أجل تحقيق التوافق والخروج من دائرة الانقسامات السياسوية». وتضيف: «بالرغم من تعدد الحكومات، لدينا أمل قوي بان تعود ليبيا أحسن من قبل وسنتخطى كل الأزمات بجهود كل الليبيين والليبيات».
في الطليعة
وتجدر الإشارة إلى ان التاريخ الليبي الحديث، يحفل بنساء ليبيات وصلن إلى مواقع متقدمة من أمثال خديجة الجهمي التي تولت في العام 1973 رئاسة أول اتحاد للنساء في ليبيا، وهدى بن عامر التي تقلدت منصب رئيس البرلمان العربي الانتقالي، وهناك أسماء عديدة مثل فاطمة عبد الحفيظ، وحميدة العنيزي التي تعد أول رائدة للحركة النسائية ومؤسسة لأول جمعية للنهضة النسائية في ليبيا سنة 1954. والدكتورة ألفت يونس قويدر أول طبيبة ليبية 1959 .
أما عن دور المرأة الليبية في ظل الوضع الراهن تجيب الباحثة الليبية والناشطة الحقوقية في منظمة الإغاثة والتعاون العالمية ابتهال امحمد صمبة لـ «القدس العربي» ان الدور السياسي للمرأة الليبية لم يكن وليد التغيرات السياسية الحديثة في ليبيا. فمن المعروف قديماً أن ليبيا حُكِمت من قبل الملكة الأمازيغية مورينا واستطاعت هذه الملكة ان تجعل لمملكتها كيانا ووجودا بين الممالك المحيطة. كما لا تخفى علينا مشاركة المرأة إبّان العهد الملكي في بعض الجوانب السياسية واستطاعت أن تنتزع حقوقها التي كفلها لها الدستور الليبي أنداك».
وتضيف: «أيضاً في الأنظمة السابقة تبوأت المرأة مكانة عالية واستطاعت ان تصل من خلالها لتكون وزيرة كفاطمة عبدالحفيظ وزيرة التعليم، كذلك مثّلت ليبيا كمندوبة في الأمم المتحدة نجاة الحجاجي في فترة ما. بينما حديثا تطلعت المرأة الليبية إلى دور أكبر وأوسع فشاركت في مؤسسات المجتمع المدني التي انتشرت بكثرة وكان لها دور كبير في معظم الحراكات السياسية مثل د. سناء الليشاني رئيسة منظمة «نعم ليبيا». وكذلك شاركت المرأة في الحكومات الحالية سواء في مركز وزيرة كمبروكة الشريف وزيرة شؤون الضمان الاجتماعي أو كرئيسة إدارات مفصلية في الدولة.
فقد كان ولا يزال لها دور ملحوظ في المصالحة الوطنية وعلى سبيل المثال يمكن ذكر فاطمة شنيب، ولا يسعني ذكر الجميع، لكن يمكنني القول انه ظهرت الكثير من الوجوه النسائية المشرفة على الساحة مما يؤكد على وعي المرأة الليبية، وعلى أهمية مشاركتها في العملية السياسية وتواجدها وبقوة في المؤتمر الوطني السابق أو تحت قبة البرلمان وانخراطها في المعارضة مما جعلها عرضة للاغتيال كما حدث لكل من فريحة البركاوي وسلوى بوقعيقيص وانتصار الحصايري اللواتي دفعن حياتهن بسبب آرائهن وتوجهاتهن السياسية».
وتؤكد محدثتنا ان «المرأة الليبية كانت وستظل الداعم والسند المعين لرقي الوطن ووحدته وستسعى إلى ان تكون ليبيا في مصاف الدول المتقدمة. وفي خضم التجاذبات القائمة نأمل أن تصل قريباً ليبية كرئيسة للوزراء عسى ان يتحقق السلام المنشود والاستقرار في ليبيا على يد المرأة».
الإبداع في مواجهة التطرف
أمينة الرويمي هي مبدعة وفنانة تشكيلية ليبية، تحرص على الابتعاد عن التجاذبات السياسية وتعتبر في حديثها لـ «القدس العربي» ان العمل السياسي في ليبيا بات مرهونا بالقوى المتدخلة داخليا وخارجيا وتضيف: «انا أنشط وأحاول من خلال ريشتي رسم مستقبل أفضل لأجيالنا، وقد سعيت لتنظيم معرض الطفل المبدع، ولدي مؤلفات عديدة وكتب قصص ومسرح ورسوم متحركة مخصصة للأطفال تحذر من مخاطر انتشار ثقافة العنف وتتحدث جميعها عن أحلام الطفل وأحلام كل مواطن ليبي يريد العيش في بلد آمن بعيدا عن صوت الحروب والدمار «. وتضيف: «ما زلت اؤمن ان المرأة الليبية ستكون شرارة أي سلام يمكن ان يتحقق، لأنها طبيعتها تأبى الحقد والحروبن وهي ضحية كل الممارسات والانتهاكات الكيدية التي شهدتها بلادنا منذ اندلاع شرارة أحداث 2011». وتضيف: «لا نسمع الآن في ليبيا إلا أخبار السرقات وانتشار الجرائم وتدهور الوضع الاقتصادي، لذلك أردت من خلال ريشتي ان أرسم مستقبلا مختلفا عسى ان يتحقق ويصبح حقيقة».
وترى هدى ماضي مديرة إدارة منظمات المجتمع المدني في وزارة الخارجية والتعاون الدولي لـ «القدس العربي» أن المرأة الليبية تقوم في هذه المرحلة الصعبة بدور مهم. ففي كل المدن الليبية تقود النساء معظم منظمات المجتمع المدني في البلاد وهي، حسب محدثتنا، من تقدم الخدمات الإنسانية في كل المجالات وسط ظروف أمنية صعبة. نجدها، حسب ماضي، تتحدى التيارات المتطرفة وخطاب الكراهية والمواجهة وذلك باقتحام كل الدوائر الحكومية. المرأة الليبية وباختصار، وفي رأي المديرة في الخارجية الليبية، هي مناضلة ليس فقط من أجل كرامتها بل وحقها وسط مجتمع ذكوري.
استحقاق تاريخي
ويقول محرز العمري الباحث في المركز المغاربي للبحوث والدراسات والتوثيق في حديثه لـ «القدس العربي» وبعيون المحايد، أن المرأة الليبية وصلت إلى درجة من الكفاءة ما يجعلها شريكا فاعلا وأساسيا في عملية إعادة بناء ليبيا، وذلك بخلاف ما يعتقده البعض، من أنها تعاني من التخلف والعجز. فليبيا، حسب محدثنا، لم تكن صحراء قاحلة مقفرة ينعدم فيها العيش، كانت فيها مدارس وكليات ومعاهد، والأهم شعب يرغب في تحدي الصعاب والوصول إلى أعلى المراتب رغم التضييقات، ومرأة مكافحة مقبلة على طلب العلم
: «أمام المرأة الليبية اليوم تحديات جسيمة، وعليها أن تكون فاعلة في عملية المصالحة بين القديم والحديث جنبا إلى جنب مع الرجل الذي عليه أن يعي قولا وفعلا أنها شريكة أساسية. كما أنها مطالبة أن تكون أيضا عنصرا فاعلا في عملية إعادة البناء للمؤسسات الليبية التي ستنبثق عن الدستور الذي هو بصدد الإعداد من قبل اللجنة المختصة والتي تشارك فيها المرأة على حد علمي.
فبناء ليبيا يجب أن يتم بين جميع مكونات الشعب الليبي دون استثناء ودون تمييز وإلا فإن خللا سيحصل وسيضرب الأسس مع الوقت وينهار البنيان على أصحابه مهما طال الزمن. لا يجب إقصاء القديم ولا بعض المكونات العرقية أو القبلية وأيضا لا يجب إقصاء المرأة الليبية التي لها من الكفاءة ما يجعلها فاعلة وبقوة في هذه العملية العسيرة التي قد تستمر لسنوات وربما لعقود وهو ما تثبته التجارب المقارنة في أكثر من ركن في هذا العالم.
وبالتالي فإن عملية البناء تحتاج التفاف كل الأطراف على اختلافها وتنافضها في أحيان كثيرة وتحتاج أيضا انخراطا قويا من نساء ليبيا كل في ميدانها، وليس انخراطا محتشما لعدد قليل قد لا يسمع له صوت باعتبار الكثافة العددية للطرف المقابل. فهو نضال لا يقل عن ذاك المتعلق بمحاربة الاستعمار والذي انخرطت فيه أيضا المرأة الليبية، نضال تاريخي ستتحدث عنه الأجيال المقبلة وتتغنى به إذا ما كان الإنجاز في مستوى التحدي وستتبرأ منه إذا كان دون المطلوب».
ويعتبر العمري أن المرأة الليبية أمام امتحان حقيقي وضعت فيه في السنوات الأخيرة وسيتواصل خلال السنوات المقبلة باعتبارها الآن تحت المجهر والعالم كله ينظر إليها وينتظر منها الكثير. فرب ضارة نافعة، يقول محدثنا ويضيف «الأزمة الليبية منحت المرأة فرصتها للبروز داخليا وخارجيا، وما عليها إلا إثبات الذات والقول للعالم أنها هنا قادرة على العض على الجراح ورفع التحديات وإعادة البناء، فلن يبني ليبيا إلا الليبيون ولن يخرجها من مأزقها إلا أبناؤها شيبا وشبابا، نساء ورجالا».

المصدر : القدس العربي
1